التبادل الحضاري والثقافي أبرز ما يميز العلاقات المصرية الفرنسية منذ اكتشاف حجر رشيد

الإثنين، 07 ديسمبر 2020 06:10 م
التبادل الحضاري والثقافي أبرز ما يميز العلاقات المصرية الفرنسية منذ اكتشاف حجر رشيد
المصريون في فرنسا

تمتد أصالة العلاقات المصرية الفرنسية التعليمية والثقافية، ما يزيد عن قرنين من الزمن، وكانت المحطة الأولى الأبرز فيها فك طلاسم حجر رشيد، على يد شامبليون سنة 1822، وقراءة اللغة المصرية القديمة. مما ساهم في التعرف على حضارة الفراعنة، وفهم ما تركوه من كتابات على جدران المعابد وعلى المسلات. حتى بات يدرس علم المصريات الآن في سبع جامعات فرنسية.

تلاها محطة أخرى شكلت ملامح مصر الحديثة، حيث أسس سليمان باشا الفرنساوى جيش مصر الحديثة وكلوت بك مدرسة الطب، وبعثات محمد على وخلفائه من الأسرة العلوية للطلاب المصريين إلى فرنسا، لتلقى فن بناء السفن والملاحة ومناسيب الماء وصرفه والميكانيكا. وفى عام 1844 تم إيفاد بعثة كبرى من 70 تلميذ لتلقى العلوم والفنون الحربية، وفى 1847 أوفد بعثة صغيرة من طلبة الأزهر لتلقى علم الحقوق. هذا فضلا عن بعثات صناعة النسيج والآلات الجراحية وصناعة الأسلحة، والدباغة.

كما أهدى محمد على إحدى مسلات معبد الأقصر لنصبها فى ميدان الكونكورد فى باريس وكتاب وصف مصر الذى رسم به معظم الآثار الموجودة بمصر وقيام الفنان فيفان دنيون برسم كثير من النقوش فى وادى الملوك وغيرها وأصدر كثيرا من الكتب عن حضارتنا مما لفت نظر العالم لذلك الكنز التاريخى خاصة بعد كتاب وصف مصر وكتاب دنيون (رحلة).

تاريخ ممتد من التعاون العلمى والثقافى

لم تكن بعثات محمد على العلمية بدءاً من رفاعة الطهطاوى وصولاً إلى طه حسين وغيرهم، هى نهاية التعاون العلمى بين البلدين، بل كانت نقطة البداية لها، فمازالت حلقات التعاون مستمرة على مدار قرنين من الزمن، سواء فى شكل بعثات أو استشارات فرنسية فى بناء القناطر والجسور، والأبنية الهندسية، والمدارس، ومن أبرز هذه المحطات:

توقيع اتفاقية إعادة تأسيس الجامعة الفرنسية فى مصر، والتى تعد ركيزة للتعاون الأكاديمى المصرى الفرنسى، وذلك بحضور الرئيس عبد الفتاح السيسى والرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون، فى يناير 2019. وذلك بالتزامن مع بداية العام الثقافى "فرنسا- مصر 2019" - والذى أطلق فى أكتوبر 2017 بقرار من رئيسي الدولتين – بمناسبة مرور 150 عاما على افتتاح قناة السويس.

وتنص الاتفاقية (التى تستمر لمدة عشرة سنوات)، أن الجامعة الفرنسية هي جامعة أهلية لا تهدف إلى الربح، وتخضع للمسئولية الأكاديمية المزدوجة ولإشراف وزيرى التعليم العالى المصرى والفرنسى.

ويهدف إعادة التأسيس إلى وضع برنامج شامل لتطوير الجامعة من خلال التوسعات في المباني وتحديث المناهج والمعامل، فضلا عن منح الخريجين شهادة مزدوجة من مصر وفرنسا، مما يجعلها ذات مستوى دولي متميز. بالإضافة إلى إتاحة أنماط متطورة في مجال التعليم بالجامعة، وفتح تخصصات جديدة والتسويق لها بشكل جيد، لجذب أكبر عدد من الطلاب. فالجامعة تستهدف خريجين وباحثين على مستوى راق للمنافسة فى سوق العمل المحلى والعالمى.

وتصل التكلفة الاستثمارية للتوسعات المستقبلية إلى 1.3 مليار منهم مليار جنيه متكلفة الإنشاءات وتوسعات المباني. بالإضافة إلى 300 مليون جنيه، كتكلفة للمعدات والأجهزة اللازمة للجامعة. يذكر أنه تم إنشاء الجامعة الفرنسية فى مصر عام 2002، كجامعة أهلية غير هادفة للربح، وتستقبل نحو 500 طالب.

توقيع اتفاقية تعاون بين الأكاديمية الوطنية للتدريب والمدرسة الوطنية الفرنسية للإدارة (L’ENA) بقصر الاتحادية فى يناير 2019. ضمن فعاليات زيارة الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون إلى مصر. وذلك فى إطار تدعيم التعاون بين البلدين في مجال الإدارة العامة والمساهمة فى تعزيز العلاقات المصرية الفرنسية وتبادل الخبرات في مجال تدريب وتأهيل الكوادر الوطنية للعمل العام والحكومي، وتم الاتفاق على تدشين برنامج المدرسة الوطنية المصرية للإدارة (ENA-Egypt) الذي يهدف إلى اختيار وتدريب كبار الموظفين المستقبليين بالدولة لمواكبة تطور احتياجات الإدارة المصرية.

اتفاقية ثنائية تستهدف دعم وتطوير المستشفيات الجامعية، وهى من أبرز الاتفاقيات المزمع عقدها خلال الفترة المقبلة، وتهدف إلى تطوير المستشفيات الجامعية، في الجوانب الفنية والبحثية والتدريبية ومن المقرر أن يتم وضع بنود بالاتفاقية المزمع إبرامها بين الطرفين تتعلق بتبادل الأطقم الطبية وكذا أعمال تطوير مستشفى قصر العيني الفرنساوي. ومركز زراعة الكبد بمستشفيات جامعة المنصورة. فمن المتوقع الاستفادة من التجربة الفرنسية في تطوير المستشفيات الجامعية المصرية والبالغ عددها 115 مستشفى جامعي على مستوى الجمهورية.

بحث الدكتور خالد عبد الغفار، وزير التعليم العالي والبحث العلمي، والسفير الفرنسي بالقاهرة، ستيفان روماتيه، أكتوبر الماضي، سبل التعاون بين البلدين في مجالات تدريب وتأهيل الكوادر العلمية والطبية المصرية من خلال برنامجStrategic training program» » في إطار الحرص على الاستفادة من الخبرات الاكاديمية الفرنسية.

وقعت في 2014، اتفاقية جديدة للتعاون بين مصر وفرنسا في مجال البحث العلمى حيث يوقع صندوق العلوم والتنمية التكنولوجية التابع للوزارة برنامج منح تمويل مشترك مع الجانب الفرنسى، تقوم الحكومة الفرنسية بموجبها بدعم شباب الباحثين المصريين بمنح ما بعد الدكتوراه بحوالى 200 ألف يورو سنوياً 50% من تكلفة البرنامج، كما يقدم مركز البحوث والتطوير الفرنسي منحة لدعم بعض الدراسات والأبحاث الخاصة بالمياه.

تتطلع الوكالة الجامعية الفرنكوفونية (AUF)– واحدة من أكبر مؤسسات التعليم العالى والبحث فى العالم ، كما تعد المحرك الرئيسي لمجالي التعليم العالي والبحث العلمي، وتضم الوكالة ما يقرب من 990 جامعة وشبكات جامعية، ومراكز بحث علمى، وتضم عضوية الوكالة حاليًا 19 جامعة مصرية، منها جامعات القاهرة، وعين شمس، والمنصورة، والإسكندرية، والجامعة الفرنسية بالقاهرة، وجامعة سنجور بالإسكندرية والموجود بها مكتب للوكالة في مصر منذ عام 1992- لإنشاء مقر إقليمي لها بالقاهرة بحلول العام القادم، لما له من دور فى فتح قنوات جديدة للتعاون بين الطرفين. وتستقبل شبكة الكليات والشعب الفرانكفونية ما يقرب من 2500 طالب و150 بعثة تعليمية سنويا.

ومن المزمع إبرام اتفاقية بين مصر والوكالة الجامعية الفرنكوفونية، تهدف لتقديم منح لطلاب مرحلتي الماجستير والدكتوراه المصريين للدراسة بالخارج، بالإضافة إلى برامج للتدريب والتأهيل العلمى لسوق العمل.

أما عن التعليم قبل الجامعي، فتعليم اللغة الفرنسية بالمناهج المصرية تقليد دراسي قديم في مصر. وإلى جانب تعليم اللغة الفرنسية منذ المراحل التعليمية الأولى، فالمواد الأخرى غير التعليمية (الرياضيات والأحياء والفيزياء) يتم تدريسها أيضاً بالفرنسية في المدارس المصرية ثنائية اللغة. فيعد التعاون التعليمي واللغوي، وفي قلبه الفرانكفونية، أحد القطاعات ذات الأولوية بالتعاون الفرنسي-المصري.

وتضم الشبكة الفرانكفونية ثنائية اللغة، التي تعد حجر الزاوية في تعاوننا التعليمي، 37 ألف طالباً موزعين في حوالي خمسين مدرسة، من مرحلة الحضانة حتى الثانوية العامة (أغلبها المدارس الدينية، ومدارس ليسيه الحرية والمدارس الاستثمارية والتجريبية، الخ) يعمل فيها حوالي 1600 معلماً يقومون بالتدريس باللغة الفرنسية.

على الجانب الثقافي، يعد متحف اللوفر في باريس ثاني متحف يمتلك آثار مصرية في العالم بعد المتحف المصري، فيوجد به ما يقرب من 52 ألف قطعة آثار مصرية، وما يؤكد الولع الفرنسي بمصر أنه في عام ١٩٩٤ استقبل معرض بعنوان «الهوس بمصر» في متحف اللوفر أكثر من ٢٠٤ آلاف زائر.

ولا ننسى رحلة مومياء الفرعون رمسيس الثاني لباريس في رحلة علاجه وهناك أربعون بعثة فرنسية تعمل في مصر في جميع انحائها

كما كانت فرنسا شريكا أساسيا في إنقاذ معابد النوبة من خلال وزير الثقافة الفرنسي الأسبق أندريه مالرو وعالمة المصريات كريستيان ديروش نوبلكور اللذين كانا لهما دور كبير في توعية المجتمع الدولي بضرورة التحرك للحفاظ على هذه الآثار وخاصة منظمة اليونسكو التي استجابت وقادت حملة دولية هي الأكبر فى تاريخها.

وبمناسبة عام الثقافة الفرنسية فى مصر 2019، تم إقامة عدة فعاليات مشتركة في شتى مجالات الفنون والآداب والموسيقى على امتداد العام، كما تم إقامة معرض عن قناة السويس يقام في متحف الفن الإسلامي، وتحل فرنسا كضيف شرف سيمبوزيزم النحت الدولي بمدينة أسوان.

كما تم تنظيم معرض توت عنخ آمون في باريس من 23 مارس وحتى 15 سبتمبر، حيث سيقام عرض فني كبير في باريس على هامش افتتاح رئيس الدولة الفرنسية للمعرض، الذي يقام بالتعاون بين وزارة الثقافة المصرية والمعهد الفرنسي في مصر في قاعة “جرون هال دو لا فيليت” بفرنسا وسيضم حوالي 166 قطعة أثرية من كنوز مقبرة الفرعون الذهبي الملك الشاب توت عنخ آمون.

تعد فرنسا من أكثر الدول المتواجدة أثريا في مصر من خلال بعثات دائمة مثل المعهد الفرنسي للآثار الشرقية IFAO، هو جزء من شبكة المدارس الفرنسية في الخارج، وهو يقع تحت رعاية وزارة التربية والتعليم الفرنسية، وتتمثل مهمته في دراسة الحضارات المصرية، منذ ما قبل التاريخ إلى العصر الحديث، ويضم نطاق عمله «وادي النيل، والدلتا، والواحات، والصحراء الشرقية والغربية، وسيناء، والبحر الأحمر».

والمركز الفرنسى المصرى لدراسة معبد الكرنك  CFEETK، ومركز الدراسات السكندرية CEAlex.

ويشهد التعاون الثقافى المصرى الفرنسى تطورا كبيرا، فهناك آلاف الطلاب يدرسون فى حوالى 13 شعبة لغة فرنسية فى العديد من الجامعات بمصر، إضافة إلى الآلاف من الدارسين فى المعهد الفرنسى بمصر وحوالى 2000 دارس مصرى فى فرنسا حاليا.

يذكر أن المعهد الفرنسى فى مصر (CCC) الذي تشكل على مراحل ابتداءً من الأول من يناير 1996، أُنشأ بعد دمج بعثة البحث والتعاون (MRC) والمركز الثقافي الفرنسي (القائم بالمنيرة ومصر الجديدة). ومنذ الأول من يناير 1999، أدى تحويل المركز الثقافي الفرنسى فى الإسكندرية إلى فرع لمركز الثقافة والتعاون ودمج القسم الثقافي التابع للسفارة الفرنسية مع المركز الفرنسي للثقافة والتعاون، إلى وجود بعثة ثقافية موحدة.

ويوجد في مصر العشرات من المدارس الفرنسية المعترف بها والتي بدأ أغلبها كإرساليات في الماضي، كما يعد المركز الثقافي الفرنسي هو الجهة الثقافية الأولى والتي ينشر من خلالها خدماته للطلاب والدارسين، إضافة إلى العديد من النشاطات الثقافية والفنية وإحياء التراث.

تشارك مصر في المعهد العربى بباريس، وهو مركز ثقافى جاء ثمرة تعاون بين فرنسا وبين اثنين وعشرين بلدا عربيا، ويغدو هذا المعهد اليوم “جسرا ثقافيا” حقيقيًا بين فرنسا والعالم العربى.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق