الدولة المدنية الحديثة وازدراء الإسلام

الجمعة، 11 ديسمبر 2020 04:28 م
الدولة المدنية الحديثة وازدراء الإسلام
مختار محمود يكتب

 
 
 
 
فور إعلان وسائل الإعلام الأسبوع الماضى توجيهًا رئاسيًا بتحويل مصر إلى "دولة ديمقراطية مدنية حديثة"، تطوَّع بعض "خِفاف العقول" إلى التأكيد على أن مصر لن تلحق بقطار الدول الديمقراطية والمدنية الحديثة إلا بإلغاء المادة "98 " الخاصة بـ"ازدراء الأديان"، وكأن الدول لا تتقدم ولا تتطور إلا بإباحة احتقار المعتقدات الدينية ودهسها بـ"نعال التخلف والجهل والتضليل والتزييف والاسترزاق ".
 
ربطٌ غريبٌ وتدليسٌ مريبٌ، يعكس عقولاً فارغة وضمائر خربة وقلوبًا مريضة، إنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التى فى الصدور، ما يقطع بأن تلك أفراد الفئة الضالة التى تسمى أنفسها زورًا وبهتانًا بـ "التنويريين" أو "المستنيرين" ليسوا إلا دعاة فتنة وباطل، وجنود إبليس فى الأرض والفضاء الألكترونى، لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ، وَقَلَّبُوا لَكَ الأُمُورَ، حَتَّى جَاءَ الْحَقُّ، وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ".
 
إن المعايير العالمية التي تُشكل أساس الديمقراطية المعاصرة، كثيرة ومتعددة، وليس من بينها – كما يردد المغرضون- إطلاق العنان لهادمى الأديان ومُتحكرى المعتقدات؛ ليعيثوا فى الأرض فسادًا، بل إن هذه الفئة من مُدَّعى التنوير ومرتزقة الاستنارة تبقى، دائمًا وأبدًا، على مر التاريخ، موطِنَ الداء وبؤرة الوباء وسر كل بلاء، لا يصنعون حضارة ولا يُسهمون فى تنمية ولا يشاركون فى تقدم، ولا بضاعة لهم إلا ردئ الكلام والدفاع عن كل ما هو قبيح ومُستهجن ويناقض الفطرة السليمة، فطرة الله التى فطر الناس عليها، ولا جدوى من وجودهم فى المشهد العام، يعيثون فى عقول الناس فسادًا وإفسادًا، هم العدو فاحذرهم، ومن لا يقرأ التاريخ لا يفهم الواقع ولا يستشرف المستقبل.
 
الدولة المدنية الحقيقية هي –وحدها وأيًا كان دينها- القادرة على حماية الفرد ومُعتقده، وهي -بشكلها المدني الديمقراطي- تمثل مظلة قانونية تتسع للجميع، لا مكان فيها للعنصرية والطائفية، ولا متسع فيها للإقصاء. كما إنه لا دولة مدنية ديمقراطية من دون بناء المؤسسات التنفيذية والتشريعية والقضائية، وتوفير الأجواء لصحافة حرة، لضمان بناء نظام من الفصل والتوازن ومراقبة السلطات بعضها للبعض الآخر، بحيث لا تتغول واحدة على أخرى، ولا تهيمن واحدة منها على عملية صنع القرار. كما تحترم الدولة المدنية حقوق الإنسان فعلاً وقولاً وتسعى إلى توفير حياة كريمة على كل المستويات لمواطنيها. ويتضمن هذا المعيار دعم حقوق الفرد الأساسية، والسياسية والثقافية والاقتصادية، بغض النظر عن دينه أو معتقده، ولعل هذا مما قصده الرئيس بتوجيهاته الأخيرة.
 
غُلاة التنويريين ومتطرفوهم، الذين لا يختلفون عن الإرهابيين والمتطرفين الدينيين فى تشددهم البغيض لأنفسهم شيئًا مذكورًا، لم يفهموا رسائل الرئيس حتى الآن، ويتوهمون أن الرئيس كاره للإسلام أو يناصبه العداء أو يجبذ إبعاده وتجميده، ويمكن استقطابه إلى خندقهم وكهفهم، ولم يستوعبوا موقفه الصارم إزاء الرسوم الفرنسية المسيئة للرسول الكريم، سواء فى مصر، أو من داخل فرنسا نفسها، وكيف صدع بكلمة الحق داخل قصر الإليزيه، ولم يلجأ إلى الدبلوماسية أو إمساك العصا من المنتصف عندما تجدد الحديث عن فتنة الرسوم المسيئة للرسول، أو كل ما يسىء إلى الأديان بشكل عام.
 
 الرئيس لم ولن يتم استدراجه إلى فخ كارهى الإسلام والمسترزقين من التطاول على المقدسات والثوابت الإسلامية، هذا يتعارض مع طبيعة شخصيته بشكل عام، كما إنه لم يقصد بالدولة الديمقراطية والمدنية الحديثة إشاعة الفوضى والتجاوز بحق الإسلام.
 
الأديان والمعتقدات –بشكل عام- لا علاقة لها بتقدم الدول ولا بتأخرها. رغم اختلاف الناس في الأديان والمعتقدات إلا أن التطور وبناء المشاريع والمنشآت والهياكل الاقتصادية والمؤسسات الراسخة وإقامة دعائم الحق والعدل يعود فى الأساس إلى قوة تلك الدول وإرادتها ورغبتها فى أن تصبح دولاً قوية عملاقة، وليس إلى معتقداتها الدينية. 
 
ألا تنتصر الأديان السماوية بشكل عام، والإسلام بشكل خاص، لقيم الحق والخير والعدالة والإنسانية والمساواة، وهى القيم ذاتها التى تنحاز لها الدولة  الديمقراطية والمدنية الحديثة، بعيدًا عن الأهواء والأغراض والانحيازات سابقة التجهيز والأحكام المغرضة؟ 
 
مصر لن تتقدم بإغلاق المساجد وإظلامها وتجميد الأزهر الشريف، جامعًا وجامعًا، ولا بإعلان الحرب على الشعائر والمعتقدات الإسلامية، كما تهفو نفوسكم المريضة، الرئيس لم يقصد هذا، ولا يرنو إلى هذا، استقيموا يرحمكم الله، أو موتوا بغيظكم.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق