هل يصبح الأزهر سلاح فرنسا في مواجهة التطرف؟

الأحد، 13 ديسمبر 2020 10:00 ص
هل يصبح الأزهر سلاح فرنسا في مواجهة التطرف؟
هشام السروجي يكتب

 
الجمهورية الفرنسية بصدد وضع نقاط ملحقه ضمن قانون "ترسيخ المبادئ الجمهورية" في بند ممارسة العبادة، هذا النقاط قد تحدد المؤسسات المنوط بها اعتماد وترخيص الدعاة والأئمة المسلمين العاملين والقائمين على دور العبادة الإسلامية في فرنسا، وتتحدث المعلومات غير الرسمية حتى الأن عن أن فرنسا تتجه إلى أن تكون مؤسسة الأزهر الشريف هي الجهة المخول لها اعتماد رجال الدين الإسلامي من خلال فرع لها أو مكتب إداري في باريس.
 
ما يزيد من ترجيح هذه المعلومات غير الرسمية هو أن الرئيس الفرنسي "ماكرون" عرض هذا الأمر رسميٍا عندما زار الأزهر في يناير 2019، وطلب حينها من الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر والذي أقام في فرنسا حين كان يدرس الفلسفة حتى حصل على درجة الدكتوراه، المساعدة في تدريب الأئمة في فرنسا ومواجهة التيارات المتشددة التي تستقطب الشباب المسلم في فرنسا وهو أمر رحب به الشيخ الطيب وأبدى كامل استعداد الأزهر للتعاون.
 
السؤال الأول الذي يتبادر إلى الأذهان، هو لماذا ترى فرنسا هذا الدور في الأزهر الشريف؟ 
 
لا أضخم الأمور إذا قلت أن الدول الغربية تدرس خلق بديل سلمي للجماعات المتطرفة، يكون قادر علي تصدر المشهد الإسلامي في العالم بعد أن تأكدت من فشل رهانها عليه، في عام 2003 اطلعت على ورقة محضر مؤتمر نظمه مركز أبحاث المحافظين الجدد «مركز نيكسون» في العاصمة واشنطن، وحضره قائد الطريقة الصوفية النقشبندية في العالم هشام قباني، والكاتب المعروف برنارد لويس، للترويج لتحالف رسمي بين حكومة الولايات المتحدة وما وصفوه حينها بـ"الصوفية المعتدلة"، كما أطلق المؤلف والمؤرخ الأمريكي المتخصص في نقد الإسلام «دانيل بايبس» دعوة إلى المسؤولين اﻷمريكيين لدعم الصوفية المعتدلة من خلال مركز دراسات اﻹسلام والديموقراطية.
 
وفي نفس العام أصدرت منظمة «راند» المقربة من وزارة الدفاع اﻷمريكية، تقريرًا تحت عنوان "اﻹسلام الديموقراطي المدني": الشركاء، والموارد، والاستراتيجيات، ودعت الولايات المتحدة أن تتحالف مع ما أسمته الصوفية الحديثة والتي ترى أن أفكارها هي اﻷقرب إلى قيم الحرية، والديموقراطية، وحقوق اﻹنسان، التي تتبناها أمريكا والدول الغربية، ووصفت الصوفية على الورق بـ«المنطقة الرخوة» بمعنى الوسطية غير الجامدة القادرة على التشكل والتماهي بحسب مستجدات الظروف، الفكرة كانت براقه وسليمة على المستوى النظري لكنها مستحيلة التطبيق من الناحية العملية، حيث أن هيكيلة الطرق الصوفية وبدون الخوض في تفاصيل دقيقة تأخذنا عن فكرتنا الأساسية كانت تغيب عنها القيادة الحقيقة الفعالة القادرة على تحريك هذه الكتلة الحرجة لإزاحة جماعات العنف عن الصدارة، لكن الأزهر لما له من مكانه في نفوس المعتدلين وفي مقدمتهم الصوفية، بالإضافة لجلوس شيخ صوفي له مكانة خاصة في قلوب الصوفيين على كرسي المشيخية وهو الشيخ الطيب، بالتالي وجد الغرب في الأزهر ما يجعله بديل معتدل عن المتطرفين كما هي الصوفية، بالإضافة إلى قدرة الأزهر على القيادة المؤسسية التي غابت في سيولة الطرق الصوفية.
 
ما آثار شهيتي أن أخوض في هذا الحديث هو لغة الحوار المعمقة التي تحدث بها الرئيسين السيسي وماكرون عن معضله المبادئ الانسانية والدينية، وأيهما يضع أطر التعامل بين المجتمعات البشرية، من وجهة نظري إنهما عنصرين مكملين لنفس المعادلة، وليستا نقيضتين أو متقاطعتين، حتى أن نص الحديث (المصدر الثاني للتشريع الإسلامي) قال على لسان النبي "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق"، وفي كل الأحوال أرى أن هذا الحوار هو ما يميز علاقة مصر مع الدول الغربية، دونًا عن باقي دول المنطقة، أن مصر دولة ذات رصيد فكري وثقافي عميق وعلاقاتها بالدول الغربية لا يمكن بأي حال من الأحوال حصرها في التعاون الاقتصادي أو العسكري، بل أن الرؤية الفرنسية لمؤسسة الأزهر على سبيل المثال توضح بقوة أن القوة الناعمة التي تحوزها القاهرة هي بمثابة سلاح فكري يحتاج إليه الشرق والغرب بقدر لا يقل عن مدى احتياجنا نحن المصريون للسلاح العسكري الغربي.
 
أعتقد آن تبني الرئيس لمشروع تجديد الخطاب الديني -الذي يحتاج إلي رجال ذات فكر أوسع رحابه من القائمين عليه حاليًا- كان له مردود مؤثر في الدول الغربية التي تعاني من الإسلاموفوبيا، وهو ما دفع الرئيس في شرح مشروعه خلال لقاءه مع الرئيس ماكرون بحسب ما ذكر في كلمته حين قال "لقد شملت محادثاتنا حواراً معمقاً حول موضوعات حقوق الإنسان والعنصرية والإسلاموفوبيا، وذلك في ضوء ما تشهده القارة الأوروبية ومنطقة الشرق الأوسط من تحديات متصاعدة واضطرابات ونزاعات مسلحة، بما يضع على عاتقنا مسئولية كبيرة للموازنة بين حفظ الأمن والاستقرار الداخلي من جهة وبين الحفاظ على قيم حقوق الإنسان بمفهومها الشامل من جهة ثانية" وهو ما عزز الرؤية الغربية في التعاون مع المؤسسة الدينية المصرية كحل لا بديل عنه لإعادة صياغة مفهوم الدين لدي المجتمعات الإسلامية الموجودة لديهم بعد أن تعرضوا لتشويه فكري مكثف عندما سيطرت الجماعات المتطرفة علي المنابر ودور العبادة وتصدرت عناصرها المشهد الإسلامي.
 
سواء اختلفت أو اتفقت مع منهجية الأزهر كمؤسسة دينية إلا أن الضروري الاعتراف بأن الظرف الدولي القائم يدفعه دفعًا آن يتولى صدارة المشهد الإسلامي في العالم، وهو ما يحوله إلى مؤسسة دولية تملك قوة ناعمة فاعلة وبقوة، تخدم المسلمين وتنتشلهم من براثن التطرف، وتقدم مصر كدولة تحوز مؤسسة فكرية دينية قادرة على تولي دفة مليار ونصف نسمة حول العالم، ما يعُرف في العلوم العسكرية بالرادع الاستراتيجي، ما يحقق المنفعة لمليار ونصف مسلم ويزيد من قوة الدولة في الساحة الدولية.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق