في ذكرى ميلاد "كروان الشرق".. هل ظلمت الصحافة فايزة أحمد؟

السبت، 12 ديسمبر 2020 10:00 م
في ذكرى ميلاد "كروان الشرق".. هل ظلمت الصحافة فايزة أحمد؟
فايزة أحمد
حسن شرف

"أسمر يا اسمراني" أشعلت الخلاف بينها وبين عبدالحليم حافظ.. وهاجمت محمد عبدالوهاب والموجي وبليغ حمدي

زين نصار أستاذ النقد الموسيقي بأكاديمية الفنون: فايزة أحمد لم تأخذ حقها الذي تستحقه.. وتلقائيتها أثرت بشكل كبير على حياتها الفنية وساهمت في وصولها لكل بيت عربي 
 
37 عامًا مرت على رحيل المطربة فايزة أحمد، وكما عاشت أغانيها؛ عاشت قصتها التي تستدعيها صفحات المواقع والجرائد كل عام، وذلك تقديرًا لما قدمته خلال مشوارها الفني، ولا يكاد يخلو تقريرًا صحفيًا من الإشادة بالمطربة الراحلة في 21 سبتمبر 1983. إلا أن هذا التقرير يحاول البحث عن الأسباب التي -ربما- تكون سببًا في عرقلة مسيرتها خلال "حياتها"- حيث يرى بعض النقاد أن المطربة الراحلة لم تأخذ حقها فنيًا أو إعلاميًا؛ مقارنة ببعضٍ من مطربات جيلها "الأقل منها موهبة"، فهل يعود هذا إلى الصحافة؟ أم أن للأمر أبعاد مختلفة؟
 
وُلدت فايزة أحمد في الخامس من ديسمبر عام 1934، واسمها بالكامل "فايزة أحمد بيكو الرواس" في مدينة صيدا بلبنان لأب سوري وأم لبنانية. وانتقلت لتعيش في دمشق في الحادية عشر من عمرها. فشلت في البداية الالتحاق بإذاعة حلب، وكذلك وجدت عراقيلًا في إذاعة دمشق قبل أن تلتحق بها، إلا أنها كانت توجه عينّيها صوب القاهرة.
 
 
في حوار تلفزيوني مع الإعلامية سهام صبري على التلفزيون المصري، استغرب الشاعر عبدالوهاب محمد (1996-1930) من "عدم لمعان" موهبة المطربة فايزة أحمد بالقدر الذي تستحقه في العالم العربي، وذلك نظرًا لتفردها في الغناء، وقدرتها منذ بداية مشوارها على تقديم كل ألوان الطرب بعذوبة صوت لا يُنكرها أحد. 
 
تسعة وعشرون عامًا عاشتها فايزة أحمد في القاهرة، حيث قَدِّمت إليها في عام 1954، قدمت خلالها 320 أغنية للإذاعة و80 للتلفزيون، بالإضافة إلى الحفلات التي أحيتها، مع اشتراكها في 7 أفلام سينمائية- تاريخ حافل، وموهبة فريدة، فكيف لم تأخذ المكانة التي تنبأت بها كوكب الشرق السيدة أم كلثوم التي قالت: "إنها (فايزة أحمد) الصوت النسائي الوحيد الذي يُطربني، وهي المطربة الوحيدة التي ستخلفني على عرش الغناء".
 
الدكتور زين نصار أستاذ النقد الموسيقي بأكاديمية الفنون، يرى أن السبب في تمكن فايزة أحمد فنيًا يعود إلى تأسيسها بشكل صحيح، حيث لعبت والدتها دورًا مهمًا بعد انفصالها عن والدها، وعندما رأت فيها شيئًا من الموهبة سعت إلى تنميتها، ووفرت لها المدربين؛ الذين لعبوا دورًا مهمًا في تمكين المطربة "الناشئة" من أدواتها.
 
الدكتور زين نصار
 
وأكد نصار في تصريح خاص لـ"صوت الأمة"، أن فايزة أحمد لم تأخذ حقها الذي تستحقه- وفقًا لما قدمته من أعمال متميزة، وتاريخ طويل شاركها فيه كبار الكُتاب، وأبرز الملحنين على رأسهم محمد الموجي الذي قدم لها أغنية "أنا قلبي لك ميّال" وقد غنتها أول مرة سنة 1956، وهو يعد الميلاد الفني لفايزة أحمد، مشيراً إلى أن تمكنها من أدواتها شجع كبار الملحنين للتعامل معها مثل الموسيقار محمد عبدالوهاب، محمود كامل، بليغ حمدي، كمال الطويل، وبالطبع شريك حياتها الملحن محمد سلطان الذي قدم لها العديد من الأعمال المتميزة، منذ أن تعارفا في منزل الموسيقار فريد الأطرش، ووصلت العلاقة إلى الزواج والتعاون الفني الذي استمر إلى سنوات.
 
 
وأوضح أستاذ النقد الموسيقي، أن فايزة أحمد تطرقت إلى موضوعات مختلفة، وطرقت أبوابًا غير مطروقة- في ذلك التوقيت- مثل الغناء للأسرة وأفرادها- وهو ما جعلها تحجز لنفسها مكانًا داخل كل بيت، مثل غناء "ست الحبايب" التي ما زالت أشهر أغنية عن الأم في الغناء العربي منذ لحنها محمد عبدالوهاب وغنّتها أول مرّة سنة 1958. ومن ألحانه أيضاً غنّت للأخ "يا غالي عليا". كما غنت من ألحان محمد الموجي للأب "تعالا لي يا با"، وللأسرة كلها "بيت العزّ يا بيتنا". (وهو ما كان سببًا في أن يُطلق عليها لقب "مطربة الأسرة"، أما لقبها الأول "كروان الشرق" فهو لعذوبة صوتها).
 
وحسب الدكتور زين نصار فإن تلقائية المطربة الراحلة في حياتها الشخصية أثرت بشكل كبير على حياتها الفنية، وساهمت في وصولها إلى كل بيت عربي بأغانيها الخالدة، إلا أنها أيضًا عرقلت مسيرتها الفنية، وخصمت من رصيدها، وذلك لاشتباكها مع الكثير من نجوم جيلها، حتى أنه في مرحلة من المراحل كان هناك إجماع من الملحنين بعدم التعامل معها.
 
فايزة أحمد ومحمد سلطان
 
عدم حصول فايزة أحمد على ما تستحقه- مقارنة بما تمتلكه من موهبة- يعود بالأساس إليها وليس إلى عوامل أخرى؛ كـ"تحامل الصحافة" عليها على سبيل المثال، أو "عدم تمتعها بقدر كبير من الجمال" - كما يرى البعض - وهو الجمال المطلوب آنذاك؛ حيث لعبت السينما دورًا كبيرًا في نجاح المطربين والمطربات.
 
المواصفات الشكلية لم تكن سببًا في عرقلة مسيرة فايزة أحمد، بل هناك أسباب أخرى ظهرت لتضفي أبعادًا على شخصيتها لا يتوقعها أحد. العديد من الروايات "المُوثقة" تحدثت عن "عصبية وغيرة" المطربة التي تشدو بكلمات الحب الرقيقة. 
 
في حلقة من برنامج "نجوم على الأرض" عام 1966 في التلفزيون المصري، هاجمت فايزة أحمد الموسيقار محمد عبدالوهاب، واتهمته أنه لا يهتم بها، ولا يقدم لها الأعمال التي يمكن أن تنجح، ودائمًا يختار لها الأعمال "الصعبة" غير القريبة من الناس، وتساءلت عن إذا ما كان الموسيقار عبدالوهاب "بيعمل تجارب عليها" – على حد وصفها، مؤكدة أنه لم يقدم لها ألحانًا قوية، وأنه ابتعد عنها بفعل "الدواسيس". على الرغم من أن عبدالوهاب قدم لفايزة العديد من الأغاني، وساهمت بعض أغنياته في تأكيد موهبتها ونجاحها، مثل ست الحبايب، ويا غالي عليّ، بريئة، خاف الله، تهجرني بحكاية، تراهني، حمال الأسية، وهان الود.
 
 
وفي نفس الحلقة؛ هاجمت محمد الموجي صاحب أول أغنية لها في مصر، وسبب انطلاقتها "أنا قلبي لك ميال"، مؤكدة أن بعض الفنانين كانوا يتعمدون إشغال الموجي بأعمال كثيرة، حتى لا يستطيع أن يلحن لها، وكذا هاجمت بليغ الذي أكدت أنها قدمته في بداية حياته الفنية، وبعد ذلك تهرب منها، بل أنها اتهمته أنه يقتبس من "الفلكلور"، مؤكدة على ما قاله الدكتور نصار بشأن موقف أغلب الملحنين من التعامل معها- مطلقة على هذه المواقف بـ"التكتل ضدها".
 
عبدالوهاب وفايزة أحمد
 
ولم يكن خلافها مع عبدالحليم حافظ أقل حدة من هجومها على المُلحنين، ففي عام 1957 قدّمت "أسمر يا أسمراني" في فيلم "الوسادة الخالية"، وبعدها سجل العندليب الأغنية بصوته، مما أغضبها واعتبرت أن الأغنية ملكًا لها وذلك بعد تحقيقها نجاحًا كبيرًا وقت عرض الفيلم، وظل الخلاف بينهما لفترة طويلة، وكانا لا يتشاركان في أي حفل، حتى انتهى الخلاف عام 1973.
 
رواياتٌ كثيرة نحتاج إلى صفحات لنرويها، ولكن روايتنا لبعضها؛ لم تكن إلا محاولة منا للبحث عن الأسباب الحقيقية لعدم وصول "كروان الشرق" إلى ما تستحقه من مكان ومكانة، وذلك تقديرًا منا لموهبتها وصوتها العذب وتمكنها من أدواتها كمطربة كبيرة تستحق كل تقدير.
 
محمد سلطان وفايزة أحمد
 
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق