كش ملك.. أردوغان مكتوف اليدين أمام عقوبات أمريكا وأوروبا

السبت، 19 ديسمبر 2020 06:00 م
كش ملك.. أردوغان مكتوف اليدين أمام عقوبات أمريكا وأوروبا
محمود علي

استفزازات أنقرة في ليبيا وسوريا والمتوسط تجعلها عرضة للانهيار الاقتصادي 

هل تعود أنقرة إلى جحيم القس برانسون عام 2018؟

وما هي أسباب الصفعات الأوروبية الأمريكية المتتالية على وجه "أردوغان"؟ 
 
دفعت سياسات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الاستفزازية في شرق البحر المتوسط وليبيا وسوريا، دول أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية إلى فرض عقوبات شديدة ضد تركيا، ما يزيد من تخوفات الأتراك على مستقبل وضعهم المعيشي الذي شهد تدهوراً حاداً في السنوات الماضية على خلفية زيادة معدلات البطالة وانخفاض سعر العملة المحلية وهروب شركات الاستثمار.
 
وتعيش أنقرة في الآونة الأخيرة علاقات متدهورة مع الكثير من دول العالم، بسبب سياساتها التي وصلت إلى حد انتهاك القانون الدولي في ليبيا وشرق المتوسط، فضلا عن عمليات التسليح التي تخالف مبادئ حلف الناتو، وهو ما جعل الاقتصاد التركي مهدد بالانهيار ومصير مستقبله مجهول، في حين توقع بعض الخبراء أن تصل تركيا في هذا المجال إلى مرحلة اللاعودة بعد إقرار الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية عقوبات شديدة تضرب الصناعة التركية وتهز عرش الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.

الاتحاد الأوروبي يعاقب أردوغان
قبل أيام أقر قادة الاتحاد الأوروبي حزمة إجراءات عقابية جديدة ضد تركيا بسبب أنشطتها في شرق البحر المتوسط، واستفزازاتها في مناطق النزاع بالشرق الأوسط وخاصة في ليبيا وسوريا، ويقول الأوروبيون إن تركيا فعلت كل شيء خاطئ لتجنب تطوير علاقتها مع الاتحاد الأوروبي، فمن ناحية استمرت في التنقيب غير الشرعي عن النفط داخل المناطق الإقليمية القبرصية واليونانية، بالإضافة إلى استمرارها في بث الفتن والفوضى في سوريا وليبيا والعراق بنقلها للأسلحة ودعمها للجماعات المتشددة في تلك الدول.
 
وبدلا من أن تتخذ تركيا خطوات جادة من أجل تحقيق حلمها بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، تكشف تحركاتها خلال السنوات الماضية أنها بعيدة كل البعد عن الاقتراب من هذا الحلم، لاسيما وأن دول كبرى في الاتحاد مثل فرنسا وألمانيا وإيطاليا يهاجمون سياسة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في التعامل مع القضايا الإقليمية الحساسة.
 
وعلق نائب رئيس المفوضية الأوروبية مارجريتيس شيناس قبل أيام على علاقات أنقرة والاتحاد الأوروبي المتدهورة، وقال إن "تركيا فعلت كل شيء خاطئ، وعملت كل ما في وسعها لمعاداة الجميع وليس أوروبا فقط"، مشدداً على أن تركيا ستدفع نتيجة سياساتها العدائية من خلال فرض العقوبات، وهو ما شهدته بالفعل القمة الأوربية التي عقدت يوم 11 ديسمبر الماضي وشددت على ضرورة إيقاف الانتهاكات التركية في المنطقة ووقف أعمال التنقيب عن الغاز الطبيعي في المياه المتنازع عليها مع اليونان.
 
وفق البيان الختامي لقمة الاتحاد الأوروبي الأخيرة، تنص تدابير عقاب تركيا، على فرض عقوبات على شخصيات وشركات مسؤولة عن عمليات الحفر والتنقيب في منطقة شرق المتوسط، إضافة إلى حظر السفر إلى الاتحاد الأوروبي وتجميد الأصول.

استمرار انتهاكات تركيا في ليبيا 
لم يبتعد توتر علاقات تركيا بأوروبا، عن استفزازات أنقرة المستمرة في ليبيا، فمنذ أن أعلن أردوغان إرسال قوات عسكرية إلى العاصمة طرابلس في نوفمبر من العام الماضي ويلاقي الأخير انتقادات واسعة من دول الاتحاد الأوروبي، دفعتها إلى إطلاق عملية إيريني لمراقبة حظر توريد الأسلحة الأمر الذي كشف الانتهاكات التركية العديدة في ليبيا.
 
لكن رغم العملية الأوروبية إيريني، استمر النظام التركي في نقل آلاف المرتزقة، وعبر جسره الجوي من إسطنبول إلى العاصمة طرابلس أرسل مئات المعدات العسكرية ومدرعات لميس والطائرات المسيرة بدون طيار، وهو ما تحدثت عنه في وقت سابق وثائق سرية أوروبية.
 
ورفضت أنقرة الشهر الماضي، تفتيش جنود ألمان ضمن المهمة الأوروبية العسكرية إيريني، لإحدى السفن التركية المتجهة إلى ليبيا ما زاد من التوتر بين أوروبا وتركيا، حيث تبادلت أنقرة وبرلين الاتهامات ووصفت برلين احتجاجات أنقرة، حليفتها في حلف شمال الأطلسي، بـ"غير المبررة"، فيما قالت تركيا إن الخطوة الألمانية غير قانونية.
 
ورغم حجج تركيا بأن سفينتها المتجهة إلى ليبيا كانت تحمل مساعدات إنسانية رفضت ألمانيا ذرائع أنقرة معتبرة أن الاحتجاجات التركية على تفتيش السفينة التركية "غير مبرّرة"، الأمر الذي جعل الخلاف التركي الأوروبي يتزايد في وقت كشفت فيه وثيقة سرية أوروبية عن مزيد من الانتهاكات التركية عبر سفنها التي تستخدم في توريدات غير مشروعة للأسلحة إلى ليبيا.
 
وذكرت الوثيقة الأوروبية السرية، أن هناك أسبابا كافية للاعتقاد بأن السفن التركية المتجهة إلى ليبيا، والتي يجرى تفتيشها قد تنتهك حظر توريد الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة على ليبيا، لاسيما وأن تركيا تعد من الدول الرئيسية المتسببة في دمار ليبيا وعدم استقرارها بدعمها للمليشيات المتشددة التي تسيطر على العاصمة طرابلس والغرب الليبي بشكل عام.

صدام فرنسي مع الأحلام العثمانية لأردوغان  
من بين أبرز الأسباب التي سرعت من وتيرة فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات على تركيا، كانت العلاقة المتوترة بين فرنسا وتركيا، فالصدام لم يكن فقط بسبب التدخل التركي الفج في الشؤون الداخلية لدول مثل ليبيا وسوريا والعراق وتنقيبها عن النفط في المناطق الإقليمية الخاصة بقبرص، بل كان امتدد الصراع إلى الداخل الفرنسي على خلفية دور تركي رئيسي في اختراق باريس عبر شبكات وشخصيات للتأثير على المجتمع الفرنسي ونشر التطرف والفوضى ودعم جماعات المتشددة وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين.
 
وكانت القناة الفرنسية الثانية الممولة من الحكومة نشرت تقرير وثائقياً كشفت من خلالها عما اسمته "استعمال المجتمع التركي في فرنسا من طرف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لنشر أفكاره المتطرفة"، مشيراً التحقيق ذاته إلى محاولة أنقرة ممارسة نفوذها على من خلال تمويلها شبكات قوية، سياسية وتعليمية ودينية، وقالت القناة أن أنقرة تستعين ببعض الأتراك المقيمين في فرنسا خاصة وأن الأخيرة تحتضن على أراضيها نحو 700 ألف ما بين مقيم تركي أو فرنسي من أصل تركي.
 
ولم يكن أبعاد الخلاف التركي الفرنسي بقريب، فمنذ سنوات وتندد باريس بأفعال أنقرة المستفزة في محيطها الإقليمي وخارجه، وفي فبراير الماضي قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، خلال زيارة لإقليم الألزاس حيث تتمركز الجاليات التركية هنا، إن بلاده "لن تسمح بتطبيق القوانين التركية على الأراضي الفرنسية".
 
وباتت الحرب الكلامية بين ماكرون وأردوغان أكثر شراسة، في أعقاب الهجمات الإرهابية التي تعرضت لها باريس في أكتوبر الماضي، حيث قالت القناة الفرنسية إن هذه الحرب جعلت أنقرة تتحرك على الأرض الفرنسية من خلال جماعة "الذئاب الرمادية" المتطرفة، مشيرة أن المظاهرات العنيفة التي قامت بها عناصر الجماعة ضد الجاليات الأرمنية تزامنت مع حرب التصريحات بين الرئيسيين، ومع استنفار قوات الأمن الفرنسية لتطويق الحوادث الإرهابية.
 
وقررت فرنسا أوائل نوفمبر الماضي، حل حركة "الذئاب الرمادية" على خلفية ترويجها للكراهية وارتكاب أعمال عنف على التراب الفرنسي، حيث نشرت الداخلية الفرنسية القرار مشيرة إلى أنه "اتخذه مجلس الوزراء بناء على تعليمات من رئيس الجمهورية، باعتبار الحركة تحرض على التمييز والكراهية وتورطت في أعمال عنف".
 
وجاء القرار في أعقاب ورود معلومات لدى الأمن الفرنسي عن استغلال النظام التركي لشخصية غامضة تعيش في فرنسا تقف وراء قيادة المجموعة التركية المتطرفة، وهو ما تناوله التقرير الفرنسي الذي نشر على القناة الثانية الفرنسية معرفة هذه الشخصية بأنها فرنسية من أصل تركي وعمره 23 عاما، كان يشتغل عامل صيانة وتحول سريعا إلى أحد رموز "الذئاب الرمادية" وأحد داعمي أردوغان المتحمسين في فرنسا.
 
وأعاد تحقيق القناة الفرنسية سبب النفوذ التركي الواسع في باريس إلى السيطرة التركية على مئات المساجد في فرنسا والتي تتستر تحت عمل الجمعيات الخيرية المشبوهة التابعة لأنقرة في غرب ليبيا، لتكون مسؤولة مباشرة على عمليات تجسس النظام التركي الكبرى على أراضي الدول أوروبية.
 
وتسيطر تركيا على مئات المساجد في فرنسا عبر دفع رواتب لأئمة 150 مسجداً، كما تشير القناة الفرنسية بأنها تدرب هؤلاء الائمة على أراضيها، مشيرة إلى أن "الهدف من ذلك ليس فقط التأثير على الداخل الفرنسي، بل السيطرة على الشتات التركي ومناهضة معارضي الحكومة".
 
 ويرى مراقبون أن تركيا تعادي الكثير من الدول الأوروبية ليس فقط بسبب مناهضتها لمؤامرات أردوغان في الشرق الأوسط، وإنما يأتي لأسباب عدة كان على رأسها استضافة هذه الدول وبالأخص فرنسا للمعارضين الأتراك الذي هربوا من بطش نظام حزب العدالة والتنمية في تركيا، والتابعين لحركة الخدمة التي يرأسها المعارض الأبرز فتح الله جولن.
 
بالإضافة إلى ذلك فلا يغفل على أحد، كيفية استخدام تركيا لملف التعليم لنشر فكرها المتشدد في الدول الأوروبية، وأضاف التحقيق الفرنسي أن تركيا أرسلت أيضا مدرين إلى المدارس العامة الفرنسية، مما يخول لها تعليم اللغة التركية في المدارس الرسمية، الأمر الذي يستهدف حوالى 14 ألف تلميذ في المرحلة الابتدائية، وهو ما انزعجت منه فرنسا في الفترة الأخيرة وقالت إن أنقرة تحول دروس تعليم اللغة التركية إلى "دروس" وفقا لفهما الخاطئ للإسلام بما يخدم مصالحها.

أمريكا تسير على خطى أوروبا
في سياق متصل، وبعد سنوات من التهديد الأمريكي بشأن معاقبة تركيا على خلفية تعاونها مع روسيا في ملف التسليح، أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية، الأسبوع الماضي، فرض عقوبات على إدارة الصناعات الدفاعية التركية ورئيسها، فيما اعتبرت تركيا هذه العقوبات "خطأ جسيماً"، حيث طالت العقوبات مسؤولين أتراك مرتبطين بإدارة الصناعات الدفاعية التركية.
 
وجاءت هذه العقوبات ضد مسؤولين أتراك، بعد شراء تركيا منظومة الدفاع الصاروخية الروسية "إس-400"، حيث قال وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو إلى أن العقوبات شملت الحظر على جميع تراخيص التصدير إلى إدارة الصناعة الدفاعية التركية، وتجميد الأصول، وفرض قيود التأشيرة على رئيسها إسماعيل دمير، وعدد من الضباط الآخرين في هذه الهيئة. 
 
وأظهرت التصريحات الأمريكية بخصوص العقوبات المفروضة على تركيا أن العلاقة تأخذ منحنى آخر من التوتر، خاصة بعدما أدانت الولايات المتحدة في أكثر من مناسبة موقف الأتراك من قضايا المنطقة وتشديدها على ضرورة إقناع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بتغيير سلوكه، خاصة في مسائل تتعلق بدعم تركيا لأذربيجان والتدخل في ليبيا وسوريا، مشيرة أنّ موقفها هو أنّ "تدويل هذه الصراعات من جانب أنقرة مؤذٍ ويضرّ بكل الدول المعنية".
 
 وترى الولايات المتحدة أن شراء أنقرة منظومة "إس-400" الروسية يعرض أمن التكنولوجيا العسكرية الأمريكية للخطر، بالإضافة إلى أنه قد يهدد الجنود الأمريكيين المتواجدين خارج الولايات المتحدة، كما أكدت أن هذه الخطوة توفر أموالاً كبيرة لقطاع الدفاع الروسي وهو ما تعارضه أمريكا على خلفية الصراع الأمريكي الروسي في كافة المجالات وخاصة في مجال تصنيع الأسلحة.
 
وأكد وزير الخارجية الأمريكي إن هذه الخطوة (شراء تركيا صفقة صواريخ روسية) "تمكن روسيا من التغلغل داخل القوات المسلحة التركية وصناعتها العسكرية، وانتقد مضي تركيا قدماً في شراء منظومة "إس-400"، رغم "توفر منظومات بديلة، قابلة للتشغيل في النظام الدفاعي، لحلف شمال الأطلسي"، كما أشار إلى حذف تركيا من قائمة الدول المرشحة للحصول على مقاتلات "إف-35" الأميركية، الأكثر تطوراً.
 
ويبدو أن الولايات المتحدة أرادت من خلال هذه العقوبات أن ترسل إشارات واضحة إلى أنقرة، مفادها أن واشنطن ستنفذ القسم رقم 231 من قانون CAATSA بشكل كامل، ولن تتساهل على تعامل تركيا مع قطاع الدفاع الروسي والاستخبارات الروسية، حيث أكد وزير الخارجية الأمريكي على ضرورة أن تحل تركيا مشكلة شرائها لـ "إس-400" فوراً، بالتنسيق مع الولايات المتحدة قبل أن تشهد انهيار اقتصادي شديد الخطورة على خلفية حملة العقوبات الأمريكية.
وعاشت تركيا فترة اقتصادية صعبة قبل عامين بعد وقوع خلاف محتدم مع الولايات المتحدة على خلفية احتجاز أنقرة القس الأمريكي أندرو برانسون، حيث أعلنت الولايات المتحدة حينذاك فرض عقوبات على وزيري الداخلية والعدل التركيين، بعد اتهامهما بلعب دور رئيسي في اعتقال القس الأمريكي، قبل أيام قليلة من تصاعد الأزمة وإعلان إدارة ترامب مضاعفة الرسوم على واردات بلاده من الفولاذ والألمنيوم التركيين لتصل إلى 50 % للفولاذ و20 بالمائة للألمنيوم، وكتب على تويتر "علاقاتنا مع تركيا ليست جيدة في هذا الوقت"، الأمر الذي أدى إلى هبوط سعر صرف الليرة التركية سريعا وخسارتها 16 % من قيمتها مقابل الدولار.
 
ومؤخرا أظهرت التصريحات التركية الرسمية تخوفات تركيا من أن تعود إلى العام الاقتصادي "الكبيس" الذي كادت فيه أن تعلن أنقرة عن إفلاسها بعد تطبيق العقوبات الأمريكية بسبب قضية القس، لتدعو سريعا واشنطن عبر وزارة الخارجية التركية إلى مراجعة ما وصفته بـ "الخطأ الجسيم"، و"التراجع عنه في أقرب وقت ممكن"، وأكدت أنقرة أن العقوبات الأمريكية، ستضر العلاقات، وتركيا سترد بما يلزم"، في حين قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن يتوع أن تدعمه الولايات المتحدة لا أن تفرض عليه عقوبات، لشرائها منظومة الدفاع الجوي الروسية إس 400.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق