يوسف أيوب يكتب: هدنة تحت الاختبار.. مصر حددت 3 ثوابت رئيسية للمصالحة

السبت، 09 يناير 2021 05:09 م
يوسف أيوب يكتب: هدنة تحت الاختبار.. مصر حددت 3 ثوابت رئيسية للمصالحة
قمة العلا

بيان قمة "العُلا" الخليجية أحدث انفراجه لن تظهر نتائجه الا بعد التأكد من صدق نوايا الدوحة والتزامها 
مصر حددت 3 ثوابت رئيسية للمصالحة وهى:
الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشئون الداخلية
الالتزام بالنوايا الصادقة لتحقيق المصلحة المشتركة
التكاتف لدرء المخاطر عن سائر الأمة العربية وصون أمنها القومي
 
انتهت قمة "العُلا" الخليجية الثلاثاء الماضى ببيان ختامى طويل تناول الكثير من نقاط الاتفاق الخليجى حول قضايا تهم دول المنظومة الخليجية، لكن لم ينتبه أحد لأيا من هذه النقاط، لإن حديث "المصالحة الخليجية" طغى على الجميع، خاصة وأن القمة استبقتها السعودية بإعلان فتح الأجواء والحدود الجوية والبحرية والبرية مع قطر، بعد وساطة ودور قامت به الكويت، والولايات المتحدة الأمريكية عبر جاريد كوشنر، مستشار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
 
انتهت القمة، لكن الجدل والحديث عن أجواء المصالحة لم ينتهى، خاصة أن التفاصيل وآليات التنفيذ لم تعلن، والأهم من ذلك أن أيا من الدول الثلاثة "مصر والإمارات والبحرين" لم يعلنوا إجراءات او قرارات مماثلة لما اتخذته السعودية، وهو ما أثار الكثير من التساؤلات حول ما يحدث، وبات السؤال الأهم، ما هو موقف مصر؟.

ثوابت مصرية لا تتغير
عند الحديث عن موقف مصر، يجب الإشارة إلى أن وزير الخارجية سامح شكرى شارك في قمة "العُلا"، ووقع على البيان الختامي وفقاً لما ذكرته "الخارجية" في بيان لها قال فيه أن الوزير وقع على "بيان العلا" الخاص بالمصالحة العربية، وأن ذلك "يأتى فى إطار حرص مصر الدائم على التضامُن بين دول الرباعى العربى، وتوجههم نحو تكاتُف الصف، وإزالة أية شوائب بين الدول العربية الشقيقة، ومن أجل تعزيز العمل العربى المشترك فى مواجهة التحديات الجسام التى تشهدها المنطقة، وهو ما دأبت عليه مصر بشكل دائم؛ مع حتمية البناء على هذه الخطوة الهامة من أجل تعزيز مسيرة العمل العربى، ودعم العلاقات بين الدول العربية الشقيقة، انطلاقًا من علاقات قائمة على حُسن النوايا وعدم التدخُل فى الشئون الداخلية للدول العربية".
 
وأضاف البيان "هذا، وتُقدّر مصر وتثمّن كل جهد مخلص بُذل من أجل تحقيق المصالحة بين دول الرباعى العربى وقطر، وفى مقدمتها جهود دولة الكويت الشقيقة على مدار السنوات الماضية".
 
الإشارة الثانية المهمة في هذا الموضوع ما ورد في بيان رئاسة الجمهورية السبت الماضى، الخاص باستقبال الرئيس عبد الفتاح السيسى، الدكتور أحمد ناصر الصباح، وزير الخارجية الكويتي، الذى نقل للرئيس رسالة من الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح، أمير دولة الكويت، تضمنت استعراض آخر التطورات المتعلقة بالمساعي والجهود الكويتية لتحقيق وحدة الصف العربي عبر التوصل إلى المصالحة.
 
فالبيان قال "فيما يتعلق بجهود المصالحة؛ أعرب الرئيس ، عن خالص التقدير والدعم للجهود الكويتية الصادقة والنابعة من النوايا الطيبة على مدار السنوات الماضية لتحقيق المصالحة المنشودة، بدايةً من المساعي المخلصة للمغفور له الأمير الراحل الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، والتي واصلها سمو الشيخ نواف الأحمد الصباح، وكذلك الدور المقدر للمملكة العربية السعودية بالإنابة عن المجموعة الرباعية، مؤكداً على ثوابت السياسة المصرية لتحقيق التعاون والبناء ودعم التضامن العربي كنهج استراتيجي راسخ، وذلك في إطار من الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشئون الداخلية، إلى جانب أهمية الالتزام بالنوايا الصادقة لتحقيق المصلحة المشتركة، وكذلك التكاتف لدرء المخاطر عن سائر الأمة العربية وصون أمنها القومي، وتم التوافق في ختام اللقاء على تكثيف التشاور والتنسيق المشترك بين مصر والكويت في هذا السياق خلال الفترة المقبلة، سعياً نحو التصدي لكل ما يهدد أمن واستقرار الدول والشعوب العربية، والحفاظ على الأمن القومي العربي".
 
هذه الأمور مهم أن نشير إليها قبل الحديث عن المصالحة مع قطر، فقد حدد البيان ثوابت مصر الثلاثة تجاه قضية المصالحة، وهى، الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشئون الداخلية، وأهمية الالتزام بالنوايا الصادقة لتحقيق المصلحة المشتركة، والتكاتف لدرء المخاطر عن سائر الأمة العربية وصون أمنها القومي.

4 قضايا رئيسية جاءت في بيان "العُلا" تفرض التزاما على قطر
ورغم ان تفاصيل المصالحة لم تعلن حتى الآن، لكن يمكن استنباط بعض منها من بيان "العُلا" الختامي، الذى وقع عليه "تميم بن حمد"، والتي كانت تشكل أحد المشاكل العالقة مع قطر طيلة السنوات الماضية، ومنها على سبيل المثال 4 قضايا رئيسية، الأول خاصة بالتدخل في الشئون الداخلية للدول، والموقف من إيران، ودعم الإرهاب، والسماح لتدخلات خارجية في الشئون العربية، وهى قضايا لعبت عليها قطر كثيراً على أمل مشاكسة ومناكفة الرباعى العربى، لكن في بيان "العُلا" تم التأكيد على رفضها وبموافقة قطرية، وهو ما يشير إلى التزام من جانب تميم، نتمنى أن يصدق فيه.
 
وشملت أول قضية جاءت في بيان "العُلا" تأكيد المجلس الإعلى لدول التعاون الخليجى على "مواقف وقرارات مجلس التعاون الثابتة تجاه الإرهاب والتطرف، أياً كان مصدره ونبذه لكافة أشكاله وصوره، ورفضه لدوافعه ومبرراته، والعمل على تجفيف مصادر تمويله، كما أكد أن التسامح والتعايش بين الأمم والشعوب من أهم المبادئ والقيم التي بُنيت عليها مجتمعات دول المجلس، وتقوم عليها علاقاتها مع الشعوب الأخرى"
 
وكذلك تأكيد المجلس الأعلى على "دعم أمن واستقرار جمهورية مصر العربية، مثمناً جهودها في تعزيز الأمن القومي العربي والأمن والسلام في المنطقة، ومكافحة التطرف والإرهاب وتعزيز التنمية والرخاء والازدهار للشعب المصري الشقيق، ورفض التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية، وأعرب المجلس عن دعمه للجهود القائمة لحل قضية سد النهضة وبما يحقق المصالح المائية والاقتصادية للدول المعنية، مثمناً الجهود الدولية المبذولة في هذا الشأن"
وفى رسالة واضحة لقطر، أكد المجلس الأعلى على مواقف مجلس التعاون الرافضة للتدخلات الأجنبية في الشئون الداخلية للدول العربية من أي جهة كانت، وضرورة الكف عن الأعمال الاستفزازية عبر إذكاء الصراعات والفتن، والتأكيد على احترام مبادئ السيادة وعدم التدخل واحترام خصوصية الدول استناداً للمواثيق والأعراف والقوانين الدولية التي تنظم العلاقات بين الدول، وأن أمن دول المجلس هو رافد أساسي من روافد الأمن القومي العربي، وفقاً لميثاق جامعة الدول العربية. كما أكد المجلس على مواقفه الرافضة لأي تهديد تتعرض له أي دولة عضو ويشدد على أن أمن دول المجلس كل لا يتجزأ وعلى مبدأ الدفاع المشترك ومفهوم الأمن الجماعي، استناداً للنظام الأساسي لمجلس التعاون واتفاقية الدفاع المشترك.
 
وحول إيران "أكد المجلس الأعلى مواقفه وقراراته الثابتة بشأن العلاقات مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية، مؤكداً ضرورة التزامها بالأسس والمبادئ الأساسية المبنية على ميثاق الأمم المتحدة ومواثيق القانون الدولي، ومبادئ حُسن الجوار، واحترام سيادة الدول، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، وحل الخلافات بالطرق السلمية، وعدم استخدام القوة أو التهديد بها، ونبذ الطائفية، معرباً عن رفضه التام لاستمرار التدخلات الإيرانية في الشؤون الداخلية لدول المجلس والمنطقة، وإدانته لجميع الأعمال الإرهابية التي تقوم بها إيران، وتغذيتها للنزاعات الطائفية والمذهبية، في انتهاك واضح للأعراف والقيم الدولية وتهديد الأمن الإقليمي والدولي، مؤكداً على ضرورة الكف والامتناع عن دعم الجماعات التي تؤجج هذه النزاعات، وإيقاف دعم وتمويل وتسليح الميليشيات الطائفية والتنظيمات الإرهابية، بما في ذلك تزويدها بالصواريخ الباليستية والطائرات من دون طيار لاستهداف المدنيين، وتهديد خطوط الملاحة الدولية والاقتصاد العالمي.
 
ورحب المجلس الأعلى بقرار الولايات المتحدة الأمريكية تصنيف الحرس الثوري الإيراني كمنظمة إرهابية، وأكد أهمية هذه الخطوة في التصدي للدور الخطير الذي يقوم به الحرس الثوري الإيراني كعنصر عدم استقرار وعامل توتر وأداة لنشر العنف والإرهاب في الشرق الأوسط وفي العالم بأسره. وأكد المجلس أهمية استمرار حظر تصدير الأسلحة التقليدية إلى إيران وتصديرها لها، واستمرار العقوبات المتعلقة بذلك، كما أكد المجلس على دعمه الإجراءات كافة التي تتخذها دول مجلس التعاون للحفاظ على أمنها واستقرارها أمام التدخلات الإيرانية في شؤونها الداخلية ودعمها للتطرف والإرهاب.
 
كما رحب بقرار الولايات المتحدة الأمريكية تصنيف ما يسمى بـ"سرايا الأشتر" و"سرايا المختار" الإرهابية في مملكة البحرين والمدعومتين من إيران كمنظمات إرهابية، ما يعكس الالتزام بالتصدي للإرهاب وداعميه والمحرضين عليه، ومشيداً بقرارات الدول التي صنفت "حزب الله" كمنظمة إرهابية، في خطوة مهمة تعكس حرص المجتمع الدولي على أهمية التصدي لكل أشكال الإرهاب وتنظيماته على المستويين الدولي والإقليمي، وحث الدول الصديقة لاتخاذ مثل هذه الخطوات للتصدي للإرهاب وتجفيف منابع تمويله.

المصالحة الكاملة لم تأتى بعد
بالنظر إلى هذه الثوابت ووقائع ما جرى في قمة "العُلا" وغيرها يمكن القول بان ما تم الاتفاق والتوقيع عليه في السعودية أقرب لـ"هدنة" منها مصالحة كاملة.. هدنة تحت الاختبار.
 
أقول ذلك لعدة أسباب، لعل أهمها على الإطلاق أننا نتحدث اليوم عن المصالحة، وفى تفكيرنا وقائع ما حدث في 2014، فقد قررت "السعودية والبحرين والإمارات" قطع العلاقات مع قطر لدورها المشبوه في الداخل الخليجى، وبعد مشاورات ووعود قطرية استضاف العاهل السعودى الراحل، الملك عبد الله بن عبد العزيز، قادة دول مجلس التعاون الخليجى في 2014، بما فيهم تميم بن حمد، الذى وقع على كافة البنود التي طالبته بها الدول الخليجية، وتعهد خطيا بتنفيذ بنود الاتفاقية، ومنها بند يمنح دول الخليج الحرية في اتخاذ إجراءات ضد قطر في حال عدم التزامها.
 
وشملت أبرز بنود الوثائق وقف دعم تنظيم الإخوان الإرهابى، وطرد العناصر التابعة له من غير المواطنين من قطر، وعدم إيواء عناصر من دول مجلس التعاون تعكر صفو العلاقات الخليجية، وعدم تقديم الدعم لأي تنظيم أو فئة في اليمن يخرب العلاقات الداخلية أو العلاقات مع الدول المحيطة، وإغلاق المؤسسات التي تدرب مواطنين خليجيين على تخريب دولهم.
 
وما هي الا شهور قليلة على هذا التوقيع، حتى عادت قطر إلى سيرتها الأولى مرة أخرى، بل بعداوة أشد تجاه الثلاثى الخليجى "السعودية والإمارات والبحرين"، وكذلك مصر، وهو ما دفع الرباعى العربى في 2017 إلى اتخاذ قرار حاسم وقاطع بمقاطعة قطر على كافة الأصعدة، الدبلوماسية والسياسية والاقتصادية، ومن حينها جرت محاولات عدة من جانب الكويت وسلطنة عمان، وتدخلت الولايات المتحدة الامريكية على الخط، لمحاولة إنهاء الازمة القطرية، لكن لم يحدث جديد، إلى أن فوجئنا بما حدث في قمة "العُلا" الخليجية.
 
لذلك فإن الكثير ممن تابعوا ما يحدث الآن في الأزمة القطرية، يتحدثون وفى أذهانهم ما حدث بعد 2014، ويؤكدون أن المطلوب ليس فقط التوقيع على ورق، وإنما أن نرى سياسات تتغير على الأرض، لذلك كان الوصف الأدق لما يحدث أننا امام هدنة تحت الاختبار.

التغيرات الإقليمية والموقف القطرى
من خلال استقراء وقائع ما حدث، خاصة خلال الأسابيع الأربعة الماضية، يمكن القول أنه كانت هناك تسارع في محاولات الحل لظروف وقتية واقليمية خاصة فرضت أن يكون هناك تغيير فى المواقف، فإدارة دونالد ترامب تستعد للرحيل عن البيت الأبيض في 20 من يناير الجارى، وتريد هذه الإدارة أن تؤكد نجاحها الكامل في إدارة أزمات الشرق الأوسط بنجاح، بداية من التمهيد لتطبيع إسرائيلى مع أكبر عدد من الدول العربية، وهو ما تم من خلال اتفاق التطبيع الإسرائيلى مع الإمارات والبحرين والمغرب والسودان، فضلاً عن دول أخرى مرشحة للدخول في هذه الدائرة خلال الأيام المقبلة، وأيضاً حل الأزمة الخليجية، لتكون منظومة الشرق الأوسط من وجهة نظر إدارة ترامب موحدة في وجه إدارة جو بايدن.
 
كما ان هناك متغير أخر يجب وضعه في الإعتبار، وهو الملف الإيراني، الذى يمثل مأزق كبير لواشنطن ولدول الخليج، وه ما دفع الجميع إلى التوصل لنتيجة مفادها أن مواجهة والتعامل مع الخطر الإيراني لن ينجح الا باصطفاف خليجى مبدئى، يتحول على مدار الإيام إلى موقف عربى موحد في مواجهة الأخطار والاطماع الإيرانية تجاه دول المنطقة، وهو ما دفع دول الخليج وتحديداً السعودية إلى تسريع وتيرة المصالحة.
 
هذا جزء من المتغيرات الإقليمية التي ربما تكون سببا جوهريا لتسريع وتيرة الحل والمصالحة، لكن أيا كانت هذه الأسباب، يبقى المحك الرئيسى هو الالتزام القطرى حتى لا يتحول الامر الى مناورة لكسب الوقت، ويبقى الفيصل في هذه المصالحة هو القواعد التي بنيت عليها ومدى استمرارها، خاصة أنه معلوم للجميع أن تاريخ المصالحات العربية محكوم بالعواطف وأهداف قصيرة المدى وثمارها في الغالب لا تكون مأمولة، لإن أي مناورة أو تحركات مغايرة لدوران عقارب الساعة من جانب قطر، سيؤدى إلى انتكاسة كبيرة ستصيب قطر أكثر من غيرها.
 
وأعتقد أن قطر وهى تتأمل ما جرى في "العُلا" توقن أنها حققت مكسب لا تريد أن تخسره، خاصة وأنها مقبلة على استضافة كأس العالم 2022، وتريد أن تكون الأجواء والحدود الخليجية مفتوحة أمامها، لمساعدتها في استقبال المنتخبات والجماهير المتوقع مشاركتها في المونديال العالمى، وهو أمر لم يكن ليتوفر لها حال استمرار مقاطعة الرباعى العربى، لذلك فهى تدرك ان الوقت حان لإحداث تغيرات جوهرية في مواقفها، لكن الامر يتوقف على قدرة أصحاب هذا الرأي فرض قراراهم على مجموعة لا تزال متحكمة في القرار القطرى، وتبنى كل مجدها على استمرار المنكافة القطرية لجيرانها وأشقائها العربى.
 
بالتأكيد أن ما حدث في "العُلا" أحدث انفراجة داخل قطر، لكن الأمر كما سبق وقلت لن تظهر نتائجه اليوم ولا غداً، وإنما بعد شهور حتى يتأكد لنا جميعاً أن الدوحة ملتزمة بالفعل بما وقعت عليه في "العُلا"، وإلى أن يتحقق ذلك سنظل عند النقطة التي بدأت بها القمة الخليجية الأخيرة، وهى انفراجة مؤقتة تجاه الدوحة من جانب الرياض، وليبقى الباقى إلى حين التأكد من صدق نوايا قطر.
 
WhatsApp Image 2021-01-09 at 4.45.58 PM (1)
 
WhatsApp Image 2021-01-09 at 4.45.58 PM
 
WhatsApp Image 2021-01-09 at 4.45.59 PM

 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق