من "الصم والبكم".. بطل صعيدي مُلهم يعمل صباحا مشرف بالحى ومساء بصيانة الأجهزة

الجمعة، 05 فبراير 2021 08:30 م
من "الصم والبكم".. بطل صعيدي مُلهم يعمل صباحا مشرف بالحى ومساء بصيانة الأجهزة

دسوقى أصيب فى طفولته بحمى أثرت عليه وفقد السمع، وكافح حتى عمل فى وظيفة مشرف فنى بحى مطار الأقصر، كما كافح أكثر وأصبح متخصصا فى صيانة الأجهزة الكهربائية والإلكترونيات وغيرها.

ومن خضم الظروف التى تعرض لها فى طفولته والمعاناة التى عاشها فى المراحل التعليمية المختلفة، وتأخره فى الدراسة لعدة سنوات فى الطفولة لعدم وجود مدارس للصم والبكم فى الأقصر خلال طفولته، قرر البطل دسوقى محمد دسوقى، ابن محافظة الأقصر دعم كافة الصم والبكم وضعاف السمع بالأقصر ومصر على طريقته الخاصة، عبر تنظيم دروس لتعليمهم القراءة والكتابة ولغة الإشارة بنفسه.

ويعمل دسوقي أيضا بكل محبة وصدق فى تعليم الصم والبكم بالمحافظة كل ما يحتاجونه ويقدم لهم فيديوهات مترجمة بلغة الإشارة لكى يعرفون كل حقوقهم بالمجتمع والأخبار والقرارات الجديدة من الحكومة لخدمتهم ويساعدهم فيها بصورة يومية.

ويقول الشاب الأقصرى "اسمى دسوقى محمد دسوقى عندى 36 عام من محافظة الأقصر، قرية الزناقطة، ولدت بدون إعاقة إلى أن أصبح عمرى 6 سنوات وكنت حافظ أجزاء من القرآن الكريم، وفى عمر الـ6 سنوات حصل لى حمى وسخونة شديدة ولقد مرضت كثيرا فى حياتى الماضية، وتم تشخيص حالتى بمرض الحصبة وتم سحب من ظهرى كمية كبيرة أدت لفقد العصب السمعى، وحالياً لا أسمع أبداً ويمكن أن أسمع بالسماعة بضعة أصوات لكن التفسير لدى معدوم، ولكن أفهم حركة الشفايف بس مش من كل الناس والحمد لله".

ويضيف البطل دسوقى محمد فى تصريحات صحفية أنه التحق بالتعليم فى المرحلة الإبتدائية بمدرسة ليست مخصصة لذوى الاحتياجات الخاصة، وكان جميع التلاميذ يستهزئون به لأنه لا يسمع، قائلاً، "كانت أصعب حاجة فى حياتى إن الناس تستهزئ بيا وكنت أبكى وأذهب لأمى وتطبطب عليا، وكان فى مدرس يقوم بضربى فى الإبتدائى ظناً منه أنى أستهزأ به أو افتعل عدم سماعى".

وتابع، أنه أكمل فى التعليم حتى الصف الخامس الإبتدائي، وفى عام 1993 تم فتح أول مدرسة للصم والبكم فى الأقصر وقرر النقل لها، وكانت وقتها لا توجد فصول للصف الخامس الإبتدائى الذى وصل إليه، فقرر الالتحاق بها والعودة للصف الرابع الابتدائى بمدرسة الصم والبكم لكى يتم التعامل معه بصورة أفضل، وكان المعلمين يتحدثون معه والطلاب بصورة بطيئة وبحركات الشفايف وكان يستجيب معهم بصورة جيدة وكانت والدته تسترجع معه الدروس فى المنزل، وكان من أشطر التلاميذ فى الإبتدائية وقتها التى كانت عبارة عن 8 سنوات مرحلة ابتدائية ولذلك تأخر فى التعليم فترة طويلة، ثم التحق بالمرحلة الإعدادية وأنهى تلك المرحلة بصورة مميزة فى عام 2002، وفوجئ بعدم وجود مرحلة ثانوية فى الأقصر للصم، وكان يجب أن يكمل المرحلة الثانوية الفنية خارج الأقصر للحصول على تلك الشهادة، وأكمل شهادته الثانوية الفنية فى محافظة أسوان وظل يتعلم فيها 3 سنوات، وحصل على دبلوم فنى للصم فى عام 2005، وبعد نهاية الدراسة ظل يبحث عامين عن العمل بنسبة الـ5% الخاصة بالمعاقين، وفى 2007 تم تعيينه من أبناء العاملين فى محافظة الأقصر بعقد وليس بشهادة التأهيل الخاصة بذوى الاحتياجات الخاصة.

وعن حياته الشخصية يقول دسوقى، إنه بعد عمل فترة من الزمن قرر الزواج وعرف أن المجتمع يفرض على الرجل من الصم يجب أن يتزوج من الصم لكى يستطع التعامل معها بصورة طبيعية، ولكنه تزوج إحدى أقاربه وهى طبيعية تماماً وتفهمت ظروفه ووقفت معه فى حياته وأنجب أطفاله بصورة طبيعية، وبعد أحداث 25 يناير 2011 تم تثبيته فى العمل كمشرف فنى فى حى المطار بالأقصر، وبجانب عمله صباحاً كموظف فى المحافظة يعمل ليلاً فى مجال صيانة الأدوات الكهربائية والأجهزة الإلكترونية وغيرها ويقوم بصيانة أجهزة الكمبيوتر واللمبات الموفرة للطافة ولمبات الليد، حيث أن تعلم كافة تلك المهارات من مشاهدة مقاطع الفيديو على اليوتيوب للأجانب والمكتوب عليها الترجمة بالكلمات لأنه لا يسمع ولكنه يقرأ ويكتب ويستطيع قراءة الشفايف لبعض الناس الذين يتحدثون معه ببطئ شديد.

وفى طريقة لدعم ذوى الإحتياجات الخاصة والصم بمحافظة الأقصر، قال دسوقى محمد في تصريحات صحفية إنه تعرف على سيدة تدعى هبة رمضان لديها طفلتين من ضعاف السمع والصم وتحاول تعليمهما القراءة والكتابة، وعرض عليها تعليمهم لكونه متعلم ويعرف كيف يتعامل مع أمثاله من الصم ويدربهم على تعلم القراءة والكتابة، وبدأ فى تعليمهم حتى نجحوا وحالياً أطلقوا مبادرة "نفهم بعض" وحصدت المركز الأول على مستوى الجمهورية.

وأوضح أنه قرر بعد ذلك دعم أكبر قدر من فئة الصم وضعاف السمع بالأقصر وخارجها وتعليمهم القراءة والكتابة لكى يستطيعون التعامل بصورة طبيعية مع باقى المواطنين ليعيشوا حياة طبيعية فى المجتمع، موضحاً أنه يقوم حالياً بتعليم حوالى 25 طفلا من الصم القراءة والكتابة، وكل فترة يقوم بتعليم مجموعة لدعمهم فى حياتهم بصورة أفضل.

وسرد دسوقى محمد، "إحدى اللفتات الجميلة التى حدثت معه داخل قرية الزناقطة مقر إقامته، حيث كانت توجد ساحة أحد المشايخ تسمى ساحة "المرتضى" كان يزورها بصفة مستمرة لحبة فى جلسات العلم والدين، وطلب من رائد الساحة الشيخ أحمد مرتضى جمع كافة الشباب والفتيات الصم وضعاف السمع لحضور الجلسات معه، لتعليمهم بلغة الإشارة التى يتقنها دسوقى كافة أمور دينهم وحياتهم وكيفية الوضوء والصلاة والعبادات للمسلمين منهم".

وأكد أن مدرس التربية الدينية فى مدارس الصم يكتب على السبورة تلك التعاليم الدينية ولكنه لا يقوم بشرحها بلغة الإشارة، ولكن الشيخ أحمد كان يشرح لدسوقى الذى يفهم لغة الشفايف منه ويشرح لأكثر من 80 من الصم تعاليم دينهم بلغة الإشارة وتعلموا فى تلك الساحة حب الله وحب رسول الله وأصحابه وحب الوطن، وعلمهم أن يكون من يعانى من الصم وضعف السمع أن يحسنوا الظن بالناس، لكونهم كانوا يظنون أن كل الناس يتحدثون عنهم فى كل مكان وكانوا يتشاجرون معهم دوماً وتغيرت مفاهيمهم فى الساحة.

كما ساعدهم فى السفر للمملكة العربية السعودية فى رحلات عمرة وحج سنوية تنظم بالقرية، قائلاً، "الشيخ أحمد مرتضى صاحب فضل كبير عليا أنا وأخواتى الصم، وبالنسبة للبنات كان فيه مكان مخصص ليهم فى الساحة ليتعلموا أمور دينهم بلغة الإشارة، ولقد كنت أنا ومجموعة كبيرة من الصم منعزلين ونخاف من التعامل مع البشر ولكن الشيخ أحمد ساعدنا فى التواصل مع المجتمع بصورة أفضل وحسن الظن بالجميع".

وأوضح دسوقى معلم الأجيال من الصم، أنه تعرف على الكثير من "الصم" على مستوى الجمهورية ولديه صفحة فيس بوك عليها متابعين صم وأكثر من 7 آلاف صديق ومتابع صم حول الجمهورية، وجميعهم يقدم لهم دعم ويفيدهم بالأخبار والمساعدة وتحويل الكتابة والأخبار التى تخصهم فى المواقع والصحف إلى إشارات عبر صفحته.

وأكد أنه حالياً أطلق مبادرة تطوعية لتعليم الصم والبكم القراءة والكتابة ولغة إشارات فى مراكز الشباب والرياضة بالاقصر، ويحلم بأن يساعد كافة الصم حول مصر عبر المنصات الإلكترونية الكبرى من مواقع إخبارية وقنوات تليفزيوين وغيرها بتنظيم لقاءات أو فيديوهات تعليمية لهم لكى يتعلموا القراءة والكتابة، وكذلك يقدم لهم أخبار وإعلانات بصورة يومية عن كل ما يخص فئة ذوى الاحتياجات الخاصة عبر فيديوهات بلغة الإشارة، موجهاً الشكر لوالدته التى تعبت فى حياتها معه منذ طفولته لكى يصل إلى ما هو فيه حالياً، وكذلك والده الذى عمل بجهد لتوفير كل متطلباته والإنفاق على فترة تعليمه الطويلة، وكافة أشقاؤه الذين كان لهم دورا كبير فى حياته وخصوصاً شقيقته الكبرى رحمها الله والتى كانت صاحبة فضل كبير عليه، ويحلم بأن يحقق كل أمنيات والده وولدته فى حج بيت الله وزيارة روضة النبى صلى الله عليه وسلم، وأن يساعد أطفاله بصورة أفضل فى مرحلة التعليم ويلتحقون بالجامعات الكبرى، وكذلك أن يقوم بعمل قناة يوتيوب لدعم الصم والبكم وضعاف السمع بإسم "للصم حياة"، بالإشتراك معه الزملاء الصم بعمل فيديوهات ترفيهية وكوميديا من الصعيد للصم بالجمهورية.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق