مع ملفات الحلفاء واتفاقية المناخ وإيران.. هل يستطيع بايدن تغيير سياسة ترامب وإحياء " أرث " أوباما؟

الإثنين، 15 فبراير 2021 03:41 م
مع ملفات الحلفاء واتفاقية المناخ وإيران.. هل يستطيع بايدن تغيير سياسة ترامب وإحياء " أرث " أوباما؟

جهود حثيثة يبذلها الرئيس الأمريكي الجديد جون بايدن للعودة بامريكا إلي عصر ما قبل ترامب سواء في القرارات أو في مجمل السياسية الامريكية الخارجية، وهو ما ظهر في إعلانه العودة لاتفاقية باريس المناخية علاوة علي استعادة العلاقات الأمريكية مع دول أوربا، وهو ما يراه قطاع كبير " إنقلاب " علي الثوابت التي سارت عليها واشنطن لسنوات عديدة، حيث دارت التوقعات منذ ذلك الحين حول إمكانية صدور قرارات جديدة، من شأنها "العودة إلى الوراء"، عبر إحياء سياسات الرئيس الأسبق باراك أوباما، فيما يتعلق بالعديد من القضايا سواء فى الداخل أو الخارج، بالإضافة إلى إعادة هيكلة التحالفات من جديد بعد التغييرات العميقة التى شهدتها أمريكا فى السنوات الأربعة الأخيرة.
 

الغريب أن تغير المعطيات، سواء على مستوى المجتمع الدولى، أو حتى فى الداخل الأمريكى، فى ضوء نجاح الرئيس السابق فى فرض رؤيته سيجعل من مهمة بايدن شبه مستحلة، هو الأمر الذى تترجمه الكتلة المؤيدة له فى الداخل، من جانب، أو حالة التشكك بين الحلفاء التاريخيين للولايات المتحدة، فى ثبات الموقف الأمريكى تجاه القضايا الدولية بصورتها العامة.

ناهيك عن الشكوك فى مصداقية شراكة واشنطن معهم، سواء اقتصاديا أو سياسيا، بعد حزمة القرارات التى اعتبروها استهدافا لهم، فى ظل الإدارة السابقة، على غرار التعريفات الجمركية، والتلويح بسحب الحماية الأمريكية عن الحلفاء، بالإضافة إلى التنصل من الالتزامات تجاه قضايا، تراها أوروبا الغربية محورية، كقرار الإدارة السابقة بالانسحاب من الاتفاق النووي.

وهنا أصبحت سياسات ترامب، تحولت، فى جزء منها على الأقل، إلى ثوابت، على اعتبار أن بايدن وإدارته ربما لا يمكنهم تقويضها، خاصة مع تغير الظروف الدولية من جانب، بالإضافة إلى تراجع المكانة الأمريكية فى ضوء صعود قوى دولية، أصبح بإمكانها مزاحمة الولايات المتحدة على قمة النظام الدولى، كالصين وروسيا.

ولعل أول ما يتبادر إلى الذهن فى هذا الإطار، هو العودة إلى الاتفاق النووى الإيرانى، بعد انسحاب ترامب منه فى مايو 2018، حيث يرى قطاع كبير من المتابعين أن الاتفاقية تمثل أحد أهم العلامات فى إدارة باراك أوباما، والتى كان بايدن نفسه جزءً منها، وبالتالى فالعودة إليها بمثابة ضرورة، فى إطار معركة "الإرث" التى أشعلها الرئيس السابق، خاصة تجاه الديمقراطيين، بالإضافة إلى كونها امتداد طبيعى لسياسة العودة إلى الاتفاقات التى خرجت منها واشنطن فى السنوات الماضية، على غرار اتفاق باريس المناخى، والتى كانت أول الاتفاقات التى عادت إليها واشنطن بعد تنصيب الإدارة الجديدة.

 

انسحاب ترامب من الاتفاق النووى الإيرانى

 

انسحاب ترامب من الاتفاق النووى الإيرانى

ولكن تبقى العودة إلى الاتفاق القديم مع إيران مستحيلا، فى ظل العديد من المستجدات، وأبرزها غياب المعتدلين بصورة كبيرة عن المشهد فى طهران، بالإضافة إلى استمرار الخطاب العدوانى بالدولة الفارسية تجاه "الشيطان الأعظم"، مما يساهم فى تقويض أى خطوة من شأنها العودة للاتفاق، وكذلك الحاجة الملحة لمراقبة التطورات التى تحققت هناك فيما يتعلق بالأنشطة النووية، لتفرض كل هذه العوامل واقعا جديدا، يضع كلمة "النهاية" للاتفاقية التى وقعتها واشنطن وحلفائها، مع الملالى فى يوليو 2015، ليصبح توقيع "اتفاق جديد" هو بمثابة الطريق الوحيد للعودة.

أطروحة الاتفاق الجديد هى واقعها الطريق الذى سبق وأن رسمه ترامب نفسه، حيث أكد مرارا وتكرارا أن واشنطن لن تعود لاتفاقية أوباما، بينما دعا إلى توسيع نطاق المشاركة فى أى اتفاق جديد مع طهران، لتشمل قوى أقليمية أخرى، وهو ما يبدو فى تصدير اليابان، للقيام بدور الوساطة فى العديد من مراحل الأزمة بين إيران والولايات المتحدة خلال حقبة الإدارة السابقة، وهو الأمر الذى يبقى غير مستبعدا من قبل إدارة بايدن، حيث تبقى مخاوف الجوار الدولى والإقليمى من الأنشطة الإيرانية دافعا لإشراك العديد من القوى الرئيسية الأخرى فى الاتفاق الجديد.

القضية الثانية التي هي "حرية التجارة المطلقة"، والتى أصبح من المستحيل العودة إليها من جديد، فى ظل التراجع الاقتصادى الأمريكى، واختلال الميزان التجارى مع المنافسين، وعلى رأسهم الصين، لتصبح الحاجة ملحة، لوجود إجراءات حمائية من قبل واشنطن، يمكن من خلالها استعادة السيطرة على الاقتصاد العالمى، خاصة وأن سياسات ترامب فى هذا الإطار نجحت إلى حد كبير فى استرضاء قطاع كبير من المواطنين فى الداخل، وكانت سببا فى تنامى الكتلة المؤيدة له.

مبادرة صنع فى أمريكا امتداد لسياسات ترامب

مبادرة صنع فى أمريكا امتداد لسياسات ترامب

وهنا تصبح مبادرة "صنع فى أمريكا" التى أطلقها بايدن، بعد أيام من اعتلائه عرش البيت الأبيض، بمثابة امتداد لرؤية ترامب، والتى تقوم فى الأساس على فكرة تقديم الأولوية للمنتجات الأمريكية على حساب الواردات القادمة من الخارج، وتشجيع الصناعة فى الداخل، مما يساهم فى تقليص البطالة، واستعادة النمو الاقتصادى، وهو الأمر الذى ربما أثار امتعاض شركاء أمريكا التجاريين، وعلى رأسهم كندا، والذين اعتبروا أن المبادرة امتداد لإرث الإدارة السابقة.


استعداء روسيا ومهادنة الصين.. رهان بايدن "الخاسر"

ومن أبرز التحديات التي تواجه إدارة بايدن هي العلاقة بين واشنطن وخصومها الدوليين، فالعودة إلى سياسة الحشد الدولى لاستعداء روسيا أصبح أشبه بالمستحيلات، بينما مهادنة الصين هى الأخرى لم يعد بالأمر السهل، فى ضوء العديد من المتغيرات الدولية، وأبرزها نجاح موسكو وبكين فى مزاحمة واشنطن على قمة النظام الدولى، ليس فقط من بوابة السياسة والاقتصاد، ولكن أيضًا عبر بوابة الأزمات الدولية، وعبر بوابة الأزمات الإنسانية، وهو ما بدا فى التعامل مع أزمة فيروس كورونا.

وتبقى حالة انعدام الثقة بين واشنطن وشركائها الدوليين عاملا مهما فى تقويض أى محاولة من قبل إدارة بايدن لحشد الحلفاء، ضد موسكو، كما كان عليه الحال إبان حقبة أوباما، وخاصة فى أعقاب قرار موسكو بضم شبه جزيرة القرم على خلفية الإطاحة بحليفها فى أوكرانيا فيكتور يانكوفيتش، حيث كان الاتحاد الأوروبى فى مقدمة الصفوف فى المعركة الدبلوماسية ضد روسيا، عبر العقوبات ومحاولات التضييق السياسى على الرئيس فلاديمير بوتين، إلا أن الحاجة لموسكو الآن أصبحت أكثر إلحاحا فى ظل نجاحها فى استخدام الغاز لتحقيق شراكات مع أوروبا الغربية، ناهيك عن الشكوك الكبيرة فى مصداقية الحليف الأمريكى فى السنوات المقبلة.

 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق