خبير إعلام سكاني: سلوك المصريين من الزيادة السكانية لن يتغير بالتحذيرات.. ورسائل التخويف تأثيرها سلبي على المواطن

الخميس، 18 فبراير 2021 09:57 ص
خبير إعلام سكاني: سلوك المصريين من الزيادة السكانية لن يتغير بالتحذيرات.. ورسائل التخويف تأثيرها سلبي على المواطن

الدكتور فرج الكامل: 

حملة "الزنانة" ردت على 15 شائعة وقدمتها الفنانة سناء يونس وحققت نجاحات كبيرة

العمل فى المنظمات الدولية أشبه بالقفص الذهبى ويخضع لروتين ممل وبعيد عن التطبيق والواقع العملى

الجهات المانحة لا تهتم بالزيادة السكانية في مصر وبتصرف القرشين وتكتب تقرير وخلاص


 على مدار سنوات قضاها الدكتور فرج الكامل، أستاذ الإعلام السكاني ومؤسس حملات تنظيم الأسرة في الثمانينيات والتسعينيات، خاض فيها معركة ضد الزيادة السكانية في قرى ونجوع مصر زار خلالها 25 محافظة، وتحدث مع 2000 أسرة، وقدم نحو 60 إعلانا تخدم القضية السكانية بصورة بسيطة وتخاطب عقول المواطنين على اختلاف فئاتهم.

أجرينا مقابلة من الدكتور فرج كامل ليتحدث معنا عن قضية الزيادة السكانية التي تعتبر عقبة كبرى في طريق التنمية وبناء مستقبل مصر، خاصة أن معدلات النمو السكانى 2% سنوياً وهو معدل مرتفع ومقلق، ولم تنجح مصر فى تخفيضه منذ حوالى 30 عاما تقريبا، عقب الحملة القومية التى تم الإعداد لها لتنظيم الأسرة منذ العام 1985 حتى مطلع التسعينيات من القرن الماضى، واستمرت لنحو 7 سنوات.

 

 
هل ترى أن ملف مواجهة الزيادة السكانية وتنظيم الأسرة يسير فى الاتجاه الصحيح؟
 
يجب أن نفهم أن ما يقال للمسؤول أو الحكومة يجب أن يختلف عما يقال إلى للمواطن العادى،  ويجب أن ندرك أن الناس أكثر أنانية وأكثر اهتماما بمصالحهم الذاتية، وهكذا خلق الله الناس، فلا يجب أن نعيش تحت وهم أنه عندما نقول إن الدولة تعانى وتدفع أموالا وتنفق ما لديها سيتغير سلوك المواطن.
 
 
كيف ترى الرسائل المطروحة من جانب المسؤولين حول قضية تنظيم الأسرة؟
الرسائل المطروحة مهمة ولكن ليست للمواطن، ويجب أن نفهم هذا جيداً ومن الممكن أن تقودنا إلى ردود فعل عكسية، فتوعية الناس بهذه القضية يجب أن تكون بأسلوب علمى وتخضع لتقييم دقيق ينطلق من فكرة أن المواطن نفسه هو صاحب المصلحة وليس أحدا آخر، وأن تنظيم الأسرة سيعود عليه بالنفع الشخصى.
 
 
إذن ما مواصفات الرسالة التى يجب أن نقدمها للمواطن؟
الرسالة الصحيحة للمواطن يجب أن تتناسب مع أمور كثيرة جدا، منها الوقت وثقافة المواطن وشريحته العمرية ووضعه الاجتماعى والاقتصادى، فلا توجد رسالة واحدة تصلح لكل الجمهور فى وقت واحد، وفى فترة ما كانت الرسالة تتلخص فى تكوين اتجاه إيجابى نحو تنظيم الأسرة، إلا أن حملة تنظيم الأسرة فى مصر بدأت بطريقة خاطئة فقد تم الترويج لها باعتبارها تحديدا للنسل، وكان هذا فى مطلع ستينيات القرن الماضى، وظللنا سنوات طويلة لإصلاح هذا المفهوم.
 
 
متى كانت البداية لبرنامج تنظيم الأسرة فى مصر؟ 
بدأت مصر فى برامج تنظيم الأسرة من العام 1960، وقد اتخذت الدولة سياسة واضحة فى هذا الاتجاه، وتم عمل الهيكل التنظيمى، واستمر الأمر بنفس الصورة حتى العام 1965.
 
 
هل كان البرنامج القومى لتنظيم الأسرة فى الستينات يسير وفق قواعد علمية؟
الحقيقة لم يكن برنامج تنظيم الأسرة يسير بشكل علمى خلال هذه الفترة، وبدأ فقط على المستويين السياسى والإعلامى، ولم يبدأ بصورة جادة، وعلى الرغم من ذلك انخفض مستوى النمو السكانى، خلال الفترة بين عام 1960 حتى 1970، حيث تكون وعى عام لدى المواطنين بالقضية السكانية ووسائل تنظيم الأسرة، إلا أنه سرعان ما ارتفع معدل النمو السكانى مرة أخرى فى بداية السبعينيات بصورة ملحوظة وهو ما دعا الدولة إلى التفكير بصورة جادة فى تصميم حملات مدروسة وخاضعة لمعايير علمية.
 
 
متى كانت أول حملة إعلامية عن الزيادة السكانية فى مصر وتنظيم الأسرة؟ 
 
 الجماهير عرفت أول حملة إعلامية عن تنظيم الأسرة بعنوان «حسنين ومحمدين»، وبدأت هذه الحملة كأول حملة من هيئة الاستعلامات بدعم فنى من جامعة شيكاغو التى كنت بها فى هذا الوقت، دونالد بوج، وهو أحد أهم علماء الإعلام السكانى، وروبرت هيجنز، مساعده، وأنا كثالث هذه المجموعة حيث كان بوج مشرفا على رسالتى للدكتوراه فى هذه الفترة، وعملنا جميعاً كفريق للدعم الفنى فى هيئة الاستعلامات، وكنت أمثل الجانب البحثى، بينما «هيجنز» كان يمثل الجانب الخاص بتصميم الرسائل الإعلامية والمحتوى، وكان «بوج» رئيس الفريق، وتم عمل البحث على مستوى الجمهورية فى 25 محافظة، وقابلت نحو 2000 أسرة مصرية، ووصلت إلى الرسائل التى من المفترض أن تقدم للجمهور، ومعلوماتهم واتجاهتهم وما ينقصهم، إلا أن «هيجنز» ألقى كل الكلام فى الزبالة، وقدم رسائل سطحية  بعدما تعلم «الفهلوة»، وكان النتاج النهائى «حسنين ومحمدين»، وعلى أثر ذلك قدمت استقالتى من الحملة وسافرت إلى أمريكا مرة أخرى.
 
 
كيف فشلت حملة «حسنين ومحمدين»؟
 
أثارت الحملة سخرية الصحفيين والنقاد والشارع المصرى، لأنها سطحت قضية تنظيم الأسرة، وقدمت مقارنة فجة بين شخصين الأول سيحصل على كل النعيم لأنه نظم الأسرة والآخر كل الجحيم لأنه ترك تنظيم الأسرة، وقد كان كل هذا فى رسالة ضعيفة جدا ومضحكة، فى حين مشاكل الناس أمر آخر، وقد صممها «هيجنز» بعد مجموعة من الفهلوية، وكان هذا سببا فى إخفاقها.
 
 
وكيف كانت قصة العودة إلى مصر مرة أخرى؟
 
رجعت بعد الحصول على الدكتوراه من جامعة شيكاغو، وعقب ذلك بعامين فقط  جاءت الفرصة لعمل حملة عن مرض «الجفاف»، فى عام 1983 بدأ مشروع «مكافحة الجفاف» واختارونى لأكون المستشار الإعلامى ومدير الحملة، وقد حققت الحملة نجاحا كبيرا وأنقذت أرواح 100 ألف طفل فى عام 1983، بشهادة أكبر المجلات العلمية البريطانية، وقد تم بناء هذه الحملة على العلم، والأسس السليمة، واستفدنا من ربط العلم بالمجتمع، نجحت الحملة بشكل كبير، وبدأوا يتكلموا عنها فى اليونيسف والمؤتمرات الدولية فى واشنطن، وكانت هناك حالة انبهار بالتجربة المصرية فى مكافحة الجفاف، حتى طلب منى مدير منظمة اليونيسف فى الشرق الأوسط، أن أكون مستشارا للمنظمة فى الشرق الأوسط، وأن أصمم كتابا عن الإعلام الصحى ودورات للعاملين فى المنظمة عن كيفية عمل الحملات الإعلامية فى مجال الصحة.
 
 
متى بدأت أول حملة مخططة لتنظيم الأسرة فى مصر؟
 
بعد النجاح الكبير الذى حققته حملة الجفاف طلبتنى الهيئة العامة للاستعلامات لتولى مسؤولية الحملة القومية لتنظيم الأسرة بعد 6 سنوات من استقالتى فى الحملة الأولى، ثم بدأت الحملة فعليا بمجموعة إعلانات لشخصية «الزنانة»، التى كانت تقدمها الفنانة سناء يونس، وقد تم جمع كل الشائعات المرتبطة بقضية تنظيم الأسرة فى 15 إعلانا ورسالة إعلامية منفصلة والإجابة عليها بصورة صحيحة، ووقتها نجحت هيئة الاستعلامات فى إذاعة الحملة مجانا وبتكرار مناسب ومدة زمنية حوالى عام كامل وقد أحدثت تأثيراً كبيراً، وما نشر عنها داخلياً وخارجياً شجع هيئة الاستعلامات والأمم المتحدة أن يستمروا فى الدعم، وقد تم عمل حملتين على مستوى موسع لتنظيم الأسرة، من بطولة الفنانة الكبيرة كريمة مختار، وقد تم إعادة اكتشافها فى هذه الحملة بعدما شاركت أيضا فى حملة الجفاف، وتم توظيفها فى دور طبيبة، ضمن حملة متكاملة ومشروع كبير.
 
 
ما المهمة الأساسية التى كنت تنفذها فى الحملة؟
 
كنت مديرا للحملة، ومسئولاً عن مركز الإعلام والتنمية، الذى كان بمثابة مؤسسة متكاملة ومكتبا استشاريا لتولى جميع جوانب هذه الحملة، بداية من التصوير والكتابة حتى عرض الإعلانات على الشاشة، فكانت مرحلة هامة جدا ونجحنا خلالها من تقديم محتوى تم توظيفه بشكل صحيح.
 
 
ما أهم الرسائل التى علقت مع الناس فى حملة كريمة مختار؟
 
تناولت الحملة العديد من القضايا المهمة فى تنظيم الأسرة، مثل من يحدد نوع الجنين، بصورة بسيطة يمكن للمواطن العادى أن يفهمها، وأن المرأة لا تحدد نوع الجنين، فكما أن بذرة القمح تنبت قمحاً كذلك الأمر فى الزوج والزوجة، فالبذرة هى الأهم، وعلى أساسها يتحدد الحصاد، كما تم التقريب للناس فكرة التباعد بين الولادات، وأهميتها لصحة المرأة والجنين.
 
 
كم عدد الإعلانات التى تم تصويرها ضمن حملة تنظيم الأسرة؟
 
صورنا 60 إعلاناً عن تنظيم الأسرة، وتم توثيقها جميعاً على الإعلانات قناة «يوتيوب» ويمكن لأى شخص الاستفادة منها فى البحث العلمى والإعلام الصحى وبها رسائل هامة جداً، كما تشمل القناة أيضا حوالى 60 إعلانا أخرى عن الجفاف، وكل ذلك كان فى مدة حوالى 7 سنوات تقريباً.
 
 
لماذا توقفت الحملة عام 1991؟
 
سافرت إلى سويسرا للعمل فى منظمة الصحة العالمية من أجل عمل حملة عالمية للتوعية بمرض الإيدز، فى وظيفة عالم ومسؤول بالمقر الرئيسى للمنظمة فى جنيف، ومدير للإعلام الجماهيرى فى برنامج مكافحة الإيدز على مستوى العالم، ثم تقدمت باستقالتى من منظمة الصحة العالمية عام 1993 من هذا المنصب وقد كان كل ما سبق سبباً فى تعثر حملة تنظيم الأسرة.
 
حملة مكافحة الجفاف
 
 
لماذا تقدمت باستقالتك من منظمة الصحة العالمية؟
 
العمل فى المنظمات الدولية أشبه بالقفص الذهبى، وأنا لا أجد متعة فى هذه الأجواء، أعشق العمل الميدانى، بينما المنظمات الدولية عموما تخضع لروتين ممل فى العمل، وبعيدة جدا عن التطبيق والواقع العملى والتنفيذ، وإذا أردت أن تصمم رسالة وتقدمها فى دولة معينة عليك أن تخوض عشرات المكاتبات والمخاطبات حتى تصل إلى الهدف، وهذا يستغرق أسابيع وشهور، ويجعل العمل يستغرق وقت أطول وجهد أكبر ويضيع جهد وتخطيط بصورة كبيرة، وبعد العودة إلى مصر وجدت بعض المنتفعين قفزوا على البرنامج، وبدأ التعامل مع الموضوع كـ«بيزنس» أكثر منه رسالة.
 
 
كيف ترى أداء الأمم المتحدة وصندوق السكان فى قضية تنظيم الأسرة؟
 
المنظمات الدولية فى قضية السكان لا يمكنها عمل أنشطة كبيرة على الأرض وتكون موجودة إما كإرشاد فنى أو تمويل للمشروعات أو توفير استشاريين، وبالنسبة للأنشطة التى تقدمها «بتصرف القرشين وتكتب تقرير وخلاص، ودورها فى معظم الأحيان يكون شكلى».
 
 
هل ترى أن دور المجلس القومى للسكان قوى وفاعل فى قضية تنظيم الأسرة؟ 
 
المجلس القومى للسكان يجب أن يتغير تخطيطه ليكون عند مستوى رئيس الوزراء بدلا من أن يكون جزءا من وزارة أو يخضع لإشراف وزير الصحة، بل يجب أن يكون كيانا خاضعا لرئيس الجمهورية مباشرة، وتكون لديه صلاحيات كبيرة وواضحة، خاصة أن السكان ليس قضية الصحة فقط بل الدولة، ويجب أن يكون أداء المجلس فى الوقت الراهن على نفس مستوى ما قدمته حملة تنظيم الأسرة التى توليت إدارتها وتحقق نسبة خفض 30% فى معدلات نمو السكان كما حدث فى عامى 1992 – 1993، فهذه النسبة لم تتحقق مرة أخرى على مدار 50 عاما مضت.
 
 
كيف ترى الرسائل التى تتحدث عن الزيادة السكانية بمنطق التخويف أو فكرة قطع عنك الدعم؟ 
 
هذه السياسة حصل عليها مناقشة علمية كبيرة جدا، وقالوا إن الحقيقة، الذى يقع عليه العقاب هنا هو الطفل وليس الأب أو الأم الذى أخطأ، فقطع الدعم يقلل فرص هذه الأسرة فى أن تتعلم بصورة أفضل، وأنا أطلق على هذه السياسة «سياسة اليأس»، وتشير إلى أننا فشلنا فى إقناع الناس بالقضية، وأتصور أن رسائل التخويف تأثيرها سلبى والبعض يفهم القضية السكانية باعتبارها مشكلة الدولة وليست مشكلة الأشخاص، لذلك يجب أن يقتنع المواطن بأن تنظيم الأسرة فى مصلحته الشخصية ويعود عليه بالنفع من نواحٍ عديدة ويكفل له حياة أفضل.
 

الدكتور فرج الكامل
 
ما تقييمك للأداء الإعلامى الخاص بحملة 2 كفاية؟
نفس أخطاء حملة حسنين ومحمدين أول حملة فاشلة فى تنظيم الأسرة، وإعادة إنتاج لنفس الإعلان القديم، وفكرة الرجل «أبو شنب» ينظر إليها الجماهير باعتبارها رسالة مضحكة وفكاهية وليست لتنظيم الأسرة، كما أنها فجة وبها مبالغة غير طبيعية حتى فى الشنب الموجود على وجه بطل الإعلان، ليخرج فى النهاية وكأنه إعلان ساخر وليس رسالة تخص قضية مهمة وخطيرة، وأرى أن هذه الحملة لم تقدم أى شىء لمصر، ووضعتنا تحت وهم أننا نقدم إعلاما سكانيا وحملات لتنظيم الأسرة.

 

الدكتور فرج الكامل 1
 

 

 

تصوير حملة الزنانةتصوير حملة الزنانة

 

 

الدكتور فرج الكامل مع الفنانة كريمة مختار أثناء تصوير إعلان الحملة

 

 
حملة الزنانةحملة الزنانة

 

 


 

 
 
 

 

الدكتور فرج الكامل خلال حواره لليوم السابع
 

 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق