متى ستتوقف معارك الجنة والنار؟

الأحد، 28 مارس 2021 09:00 ص
متى ستتوقف معارك الجنة والنار؟
حمدي عبد الرحيم

كانت قريش في جاهليتها لا تريد أن تؤمن برسالة سيدنا محمد، ولكي تسوق لرفضها فقد لجأت إلى التحايل فقالت كما جاء في الذكر الحكيم:" لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ".
 
كانوا يشيرون إلى الوليد بن المغيرة المخزومي، وكان يسمى ريحانة قريش وهو من مكة، وإلى مسعود بن عمرو بن عبيد الله الثقفي وهومن أهل الطائف.
فرد عليهم مولانا: “أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ ۚ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۚ وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا ۗ وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ".
 
القصة أسهل من كل هذا التحايل ومن كل هذا اللف والدوران، إذا كنت تريد الإيمان فأهلًا وسهلًا ومرحبًا، أما إذا كنت تريد غيره، فحسابك لن يقوم به سوى خالق الرحمة.
 
تلك البديهية بدأت تغيب عن أذهان كثير من المصريين، الذين كانوا في سالف العصر والأوان قبل الابتلاء بالسوشيال ميديا يحترمون الموت ويساندون أهل الميت.
 
الآن يكرر كثير من المصريين قصة التحايل واللف والدوران، لكي يزعم بعضهم أن الرحمة بيده والعذاب طوع بنانه.
يموت فلان أو تموت فلانة، فيبدأ حسابهم قبل دخولهما القبر، يمهد فريق بعينه مسرح العمليات بأن يقوموا بوضع الموقف السياسي للميت في كفة الميزان، والميزان هو ميزانهم هم، فإن كان الراحل من المؤيدين لهم والداعمين لأهوائهم فقد ثقلت موازينه وهو في عيشة راضية، وإن كان قد انتقدهم أدنى انتقاد فقد خفت موازينه فأمه هاوية وما أدراك ما هي نار حامية.
ما علاقة السياسة بالرحمة الإلهية التي كتبها الله على ذاته المقدسة المنزهة؟
لن تجد إجابة، وكل ما ستحصل عليه هو غبار معارك طاحنة تروح الحقيقة ضحيتها، لأن هؤلاء يقف ضدهم أولئك الذين يرفعون راحلهم إلى أعلى عليين، لا لشيء قدمه ولا لعطاء تبرع به، ولكنه لأنه كان من فريقنا أو على الأقل كان ضد فريق عدونا!
لقد أفلت الخيط من بين أيدي الكثير من المصريين، فغابت الرؤية وذهبت البصيرة، حتى أنهم يضعون السيف في موضع الندى ويضعون الندى في موضع السيف كما قال شاعر العربية العظيم أبو الطيب المتنبي، وآية ذلك تمثلت في موقفين شهيرين، فعندما قتل الأنبا أبيفانيوس رئيس دير الأنبا أبو مقار في وادي النطرون قبل ثلاثة أعوام ، قام الأمن بدوره وألقى القبض على قاتليه وهما وائل سعد تواضرس "أشعياء المقاري" وفلتاؤس المقاري، وقد اعترف الرجلان بارتكابهما للجريمة، هنا تدخل الذين يتلاعبون بالرحمة الإلهية وخاضوا معركة ضارية ضد العقل ذاته فقد دشنوا حملة تحت شعار قاتل ، كان الشعار " صلوا من أجله!"
من أجل مًنْ؟ ليس من أجل المقتول غدرًا، الصلاة كانت من أجل القاتل مع طلب الصفح والمغفرة!
ما هذا التخبط؟
ثم حدث أن تحرش أحدهم بطفلة، ولان أحدهم هذا يملأ حسابه على الفيس بوك بآيات الذكر الحكيم وبصوره وهو يؤدي شعائر الحج والعمرة فقد طالب كثيرون بالستر عليه.
ما معنى الستر على متحرش أثيم؟
هل لو كانت الطفلة هي طفلتك أنت، هل كنت ستطالب بالستر على الجاني؟
وقد كثر الموت وفشا بسبب كورونا أو لغيره من الأسباب فتواصلت المعارك الشيطانية التي لا يغادرها أحد وقد ربح شيئًا، فالكل يخسر وتصبح الخسارة هي وقود لمعارك قادمة، فكلما مات مشهور أو مشهورة أدخله فريق الفردوس الأعلى وألقى به فريق في قعر الجحيم!
منذ متى يتجرأ قسم عظيم من المصريين على ربهم وخالقهم الذي بيده مقاليد الأمور وبيده هو فقط الجنة والنار والرحمة والعذاب؟
المقبول، بل المطلوب هو مناقشة أفكار الراحلين إن كانوا من أصحاب الأفكار، ويتوقف الأمر عند مرحلة النقاش ولكن القفز في قلب معمعة الغيب لن يفيد أحدًا وسيضر بالجميع.
 
ما يحدث مريب بالنظر إلى الحرية المطلقة التي توفرها مواقع التواصل الاجتماعي في نهش عقيدة هذا أو ذاك، فتلك المواقع وعلى رأسها الفيس بوك تتوسع في حظر روادها لأسباب جد بسيطة أو هينة، ولكنها تسمح للجميع بأن يكفر الناس ويخوض في سمعتهم وشرفهم ويلقي بهم في النار، ثم ما معنى سكوت المؤسسات الدينية الإسلامية والمسيحية عن تلك المعارك المتواصلة التي لا تهدأ نيرانها ليوم أو بعض يوم؟
يجب فض الاشتباك بين البشري والإلهي بكل الطرق وبمختلف الأساليب، لأن تواصل الاشتباك سيجرنا إلى هاوية قد لا نغادرها فقد هلكت أمم قبلنا لأنها نصبت نفسها شريكًا للذي لا شريك له.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق