مكرم محمد أحمد.. المتعبد بعشق مصر في محراب صاحبة الجلالة

السبت، 24 أبريل 2021 11:00 م
مكرم محمد أحمد.. المتعبد بعشق مصر في محراب صاحبة الجلالة
عنتر عبداللطيف

نقلا عن العدد الورقي:
 

ترجل فارس الكلمة، الكاتب الصحفي الكبير مكرم محمد أحمد، رئيس المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام السابق، ونقيب الصحفيين الأسبق، ليغيبه الموت بعد رحلة عطاء طويلة حافلة بالعمل الصحفي في بلاط صاحبة الجلالة عن عمر ناهز 86 عاما بعد صراع مع المرض.

يختلف البعض مع الكاتب الصحفي الراحل مكرم محمد أحمد، وهي صفة حميدة فسيظل الإنسان إلى قيام الساعة في صراع فكرى، واختلاف في الرأي مع الآخر، لتتنوع الآراء، وتتعدد الأيديولوجيات، لكن اتفق غالبيتهم على عشق الراحل الكبير لوطنه، وتفانيه في عمله، وإيمانه المطلق بسلاح الكلمة في المعركة المصيرية التي تخوضها مصر حفاظا على هويتها، في مواجهة جماعة فاسدة، رفعت السلاح في وجه الآمنين لتروعهم محاولة زعزعة استقرار الوطن بنشر الإرهاب، والخراب متخذين من الدين غطاء لممارساتهم الإجرامية، والدين منهم براء.

في كل مهنة هناك رموز لها، إذا ما ذكرت ذكروا، حتى حال تواريهم لبعض الوقت عن الأنظار، والراحل الكبير مكرم محمد أحمد ظل لآخر لحظة من حياته، وهو يمارس هوايته المحببة إلى قلبه في القراءة والكتابة، وهى شهادة سطرها زملاء كثر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، مؤكدين أنه لم يكتف مثل غالبية رؤساء التحرير بكتابة مقاله، والابتعاد عن العمل الصحفي الميداني، فعندما كان رئيسا لتحرير مجلة المصور، رئيس مجلس إدارة مؤسسة دار الهلال قال عنه كثير من أصدقائه وتلاميذه: «كنا نشاهده خلال المؤتمرات الصحفية يدون الملاحظات ويسأل المصادر ويسأل مثل أي محرر صحفي عاشق لمهنته».

رحلة صحفية طويلة، وحافلة عاشها الكاتب الصحفي الأستاذ مكرم محمد أحمد، بدأت مبكراً منذ أن التحق ببلاط صاحبة الجلالة في أواخر خمسينيات القرن الماضي، ليخوض تجربة فريدة من نوعها لم تتح لكثيرين وهى عمله مراسلا عسكريا في اليمن عام 1967،  وحرب تحرير الجزائر والمغرب، والحرب الصومالية الحبشية، وغطى صحفيا ما عرف بالتمرد الكردي في شمال العراق، وحاور رؤساء دول وقادة عرب، ليتوج مشواره الصحفي الطويل في المهنة برئاسة تحرير مجلة المصور، ورئيسا لمجلس إدارة مؤسسة دار الهلال، وينتخب نقيبا للصحفيين، وأمينا عاما لاتحاد الصحفيين العرب، وأول رئيس للمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام.

خلال أحداث 25 يناير 2011 وفي خضم الفوضى التي ضربت مصر حينذاك، تناسى البعض ولم يستطع التفرقة بين الخلاف والإختلاف، والحوار البناء والتجرؤ على رموز الوطن وشيوخ المهن المختلفة، وضرب بعضهم عرض الحائط بكل الثوابت والقيم، ليسود الصوت العالي والضجيج بلا طحن، ولتدخل مصر في دوامة من الانقسامات، والاستقطاب السياسي، لتطول إحدى هذه المعارك الراحل "مكرم محمد أحمد" ليترك منصبه كنقيب للصحفيين دون استكمال بقية مدته بعد هتافات تعالت ضده في مبنى نقابة الصحفيين، أثق تماما أن من أطلقها راجع نفسه وندم كثيرا على ما فعله، ومنهم من قام بذلك مدفوعا بفورة الحماس، ومنهم مدفوعين لأغراض شخصية وتخريبية وربما نفسية، فعندما دارت عجلة الأيام كشفت عن أخطاء بل ربما خطايا.

كان مكرم محمد أحمد مثل الأب والأخ الأكبر لكل الصحفيين المختلفين قبل المتفقين معه، لذلك كلما وجدت زميل مختلف معه، كان دائما ما يردد أن مكرم أحد شيوخ المهنة، الذى يختلف معك، لكن تظل يده ممدودة دائما إليك، وعندما كان نقيبا للصحفيين، كان بالفعل نقيبا لكل الصحفيين، لا يسأل عن جريدتك، وموقفك السياسي، بل يسارع لحل الأزمة التي يتعرض لها الزميل بنبل وإخلاص، ولا يهدأ له بال، حتى تنتهى الأزمة على خير، لذلك فقد أجمع غالبية الصحفيين المختلفين معه قبل المتفقين على استحقاقه عن جدارة لقب شيخ الصحفيين.

قبل أحداث 25 يناير، ذهبت بصحبة زميلنا "عيد خليل" المصور لإجراء حوار صحفي مع الأستاذ" مكرم محمد أحمد"، والتقيته في دار الهلال، وطلب عدم نشر بعض تصريحاته، لكنه ابدى رأيا في أحد المرشحين وقتها والذى كان محسوبا على تيار الإسلام السياسي في النقابة، وكان الراحل الكبير معروفا بصراحته وعدم "تزويقه للكلام"، ولم يطلب عدم نشر هذا الرأى، وما أن جرى طبع جريدة "صوت الأمة" حتى قامت الدنيا ولم تقعد، وخرج الراحل "مكرم محمد أحمد" ليدلى بتصريحات محاولا احتواء الأزمة في جريدة "المصرى اليوم" وفي عدة فضائيات، وقتها كان الكاتب الصحفي الكبير "وائل الإبراشي" رئيسا لتحرير "صوت الأمة"، فكتبت مقالا ناريا مدفوعا بحماس الشباب، وقدمته له فضحك، وطلب منى التريث، فقد كان يدرك جوهر الراحل، ويعرف مدى طيبته، وهو ما كان بالفعل فقد هاتفنى الأستاذ مكرم وهو يضحك قائلا "حوارك تسبب لى في ترك معركتى النقابية والتفرغ للرد هنا وهناك"، واستدرك قائلا :"نلتقى عقب الانتخابات إن شاء الله"، والتقينا بالصدفة في بهو نقابة الصحفيين لأجده يضحك، وهو يمازحنى، حقا كان متسامحا خلوقا، لا يضمر إلا كل الحب لكل الزملاء، عاشقا لوطنه، مخلصا لعمله، وفيا لمهنته وحتى آخر نفس من عمره.

لقد تعرض الكاتب الكبير "مكرم محمد أحمد" لحملات شعواء شنتها ضده قوى الظلام الإرهابية، لكنه وقف صلدا في مواجهتهم متصديا لهم بقلمه ورأيه، وتأثيره في أجيال من القراء والصحفيين، فاضحا استغلالهم للدين، ومحاولة الزج به في السياسية خدمة لأطماعهم.

زلزل الأستاذ "مكرم محمد أحمد" عرش الإرهاب بسلسة مقالات ليفضح فيها فكر ما تسمى بالجماعات الإسلامية، وقاد الكاتب الراحل عملية المراجعات الفكرية للجماعات الإسلامية، مما ترتب عليه تعرضه لمحاولة اغتيال شهيرة في 3 يونيو 1987، عندما أطلق مجهولون الرصاص على سيارته أثناء عودته إلى منزله من مجلة المصور ليصاب في يده اليمنى، ولكنه نجى، ليظل متصديا لفكرهم الخبيث بقلمه، مؤكدا في تصريحات تليفزيونية أن: "أسباب نجاح المراجعات الفكرية للجماعة الإسلامية وكانت لها ظروف مختلفة وجاءت بعد 18 عاما من حرب متصلة مع الإرهاب والشرطة، وبنهاية الـ 18 عاماً كانت الشرطة قد تمكنت من اختراق الجماعة الإسلامية وتمكنت من السيطرة على مواردها المالية وإمدادها من السلاح وقل حجم الأموال والأسلحة التي كانت تأتيهم من الخارج، وكان اليأس قد دب إلى قلوبهم فأهدافهم التي كانوا يريدونها لم تتحقق ومن هنا جاءت فكرة المراجعة".

السيرة الذاتية للراحل الكبير تؤكد مولده في 25 يونيو 1935 بمحافظة المنوفية وعقب أن حصل على ليسانس الآداب قسم الفلسفة عام 1957، ولعشقه للعمل الصحفي فقد  التحق  بصحيفة "الأخبار" ليعمل محررا بها ثم انتقل للعمل بمؤسسة الأهرام وأصبح مديرا لمكتب الجريدة العريقة في سوريا ثم  عمل مراسلا عسكريا في اليمن عام 1967، ثم ترأس قسم التحقيقات الصحفية في الأهرام، ثم جرى تعيينه مساعدا لرئيس التحرير ثم مديرا لتحريرها وفي عام 1980، ترأس مكرم مجلس إدارة مؤسسة "دار الهلال"، و شغل أيضا منصب رئيس تحرير مجلة "المصور" الشهيرة، وفضلا عن انتخابه نقيبا للصحفيين أكثر من مرة ، وتعيينه عضوا في مجلس الشورى لأكثر من 4 دورات متتالية، فقد كان أول من شغل منصب رئيس المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، لذلك فقد جاءت كلمات نعى مجلس نقابة الصحفيين، في بيان صحفي لها معبرة عن مسيرة الراحل الكبير بقولها:" وقدم فقيدنا وفقيد الصحافة المصرية والعربية الكبير لمهنته ووطنه وشعبه وأمته العربية، كل ما يملكه من موهبة وجهد من أجل تحقيق مستقبل أفضل لهم، وظل في خدمتهم حتى آخر لحظة من حياته، فيما نعاه المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام في بيان، قائلا إن "مصر فقدت كاتبا وطنيا وقيمة كبيرة. الراحل أفنى عمره في خدمة الصحافة المصرية وشارك في معارك الوطن في فترات عصيبة طوال تاريخه الصحفي، الذي يضعه في صدارة الكتاب والمفكرين المخلصين الذين وقفوا مساندين للدولة المصرية".

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة