يوسف أيوب يكتب: التماسك الداخلى والصعود الاقتصادى.. عنوان قوة الدولة المصرية خارجياً

السبت، 29 مايو 2021 07:00 م
يوسف أيوب يكتب: التماسك الداخلى والصعود الاقتصادى.. عنوان قوة الدولة المصرية خارجياً

اتصالان هاتفيان من الرئيس الامريكى جو بايدن مع الرئيس عبد الفتاح السيسى في 4 أيام.. وزير الخارجية الأمريكي في القاهرة لأول مرة منذ وصول الإدارة الأمريكية الجديدة.. وزير خارجية قطر يسلم الرئيس السيسى دعوة الأمير تميم بن حمد لزيارة الدوحة.. اشادات دولية بالدور الذى لعبته مصر في وقف إطلاق النار في قطاع غزة، والبدء في عملية إعادة أعمار القطاع.. كان هذا نتاج احداث مرت بنا خلال الأسبوع الماضى، وسبقها استقبال القاهرة وفد تركى رفيع المستوى، جاء إلى القاهرة لوضع أسس تطبيع العلاقات بين البلدين.

كل هذه الأحداث لم تأتى من فراغ، وإنما كانت مثل غيرها نتاج لسياسة طبيعية انتهجتها الدولة المصرية منذ 2014 وحتى اليوم، سياسة تقوم على الانفتاح الخارجي وفق أسس مصرية واضحة لا تراجع عنها، عمادها الاساسى احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شئونها الداخلية، وأن يستتبع ذلك العمل بجد وليس بالقول فقط، على إطفاء حرائق المنطقة الملتهبة، في سوريا وليبيا واليمن والسودان وغيرها، بل أن مصر بسياستها الخارجية الهادئة والرزينة التي وضعها الرئيس عبد الفتاح السيسى، منحت دولاً في المنطقة لأول مرة الحق في استغلال ثرواتها الطبيعية من خلال العمل على تنفيذ منتدى غاز شرق المتوسط، وغيرها من التحركات المصرية النافعة لدول المنطقة، والتي لم تستهدف أبداً معاداة أحد، حتى وإن كان البعض يريد لمصر عدم الاستقرار، لكن مصر كانت ترد دوماً بالسلام للجميع.

والأكيد أيضاً أن نجاح سياسة مصر الخارجية ما كان ليتحقق الا اذا كانت الجبهة الداخلية متماسكة، وهو ما تحقق على الأرض من خلال عدة مؤشرات أهمها إعادة هيكلة الوضع الاقتصادى المصرى ليتحول من شبه منهار إلى قوة اقتصادية صاعدة، استطاعت أن تمتص الكثير من الصدمات وأخرها جائحة كورونا، كما أن قرار القيادة السياسية منذ البداية بإشراك الشباب، وهم قوة لا يستهان بها، في كل قرار وسياسة واستراتيجية تنتهجها الدولة، زاد من تماسك المجتمع، خاصة أن هذا الإشراك لم يأتي من قبيل "الديكور" بل مشاركة فعلية من الشباب في المواقع التنفيذية والتشريعية، ليكون لهم صوت مسموع، ودور فاعل.

والأهم من ذلك أن بنيان المؤسسات المصرية أكتمل وزادت قوتها، وفاعليتها، خاصة المؤسسات التشريعية، التي باتت معبرة عن الشعب المصرى، ومدافعة عنه.

كل هذه الأمور وغيرها هي من هيأت لمصر تواجد دولى وأقليمى قوى، عبرت عنها في مواقف كثيرة، لذلك لم يكن مستغرباً للمتابعين للتطورات التي تشهدها الدولة المصرية أن يروا هذا التسابق الدولى تجاه القاهرة، لفتح صفحة جديدة مع الدولة القوية، او لطلب المشورة والرأى منها.

وإذا أخذت مثالا واحداً لما أقوله، سأشير إلى تطور العلاقات المصرية الأمريكية، ففي نوفمبر الماضى، ومع إعلان فوز الديمقراطى، جو بايدن برئاسة الولايات المتحدة الامريكية خلفاً للجمهورى دونالد ترامب، وتسارع الكثير من المتشائمين وأيضا الكهنة الباحثين عن أي إشارة من هنا او هناك للإدعاء بإن الدولة المصرية مقبلة على مصير غامض، تسارعوا للحكم على مستقبل العلاقة بين القاهرة وواشنطن، وقالوا أنها ستشهد أكثر الفترات توتراً، وضغطاً من واشنطن تجاه القاهرة، بل ذهب أخرون للقول أن أيام النظام المصرى باتت معدودة، وفات هؤلاء الحقيقة التي رسختخا دولة 30 يونيو في مصر، والتي رسم دعائمها الأساسية الرئيس السيسى، وهى أن مصر تدير علاقاتها الخارجية بعيداً عن الشخصنة، وأن المعيار الاساسى هو المصالح المتبادلة.

وأذكر هنا أننى في السادس من مارس الماضى كتبت تحت عنوان "السؤال الوهمي.. هل القاهرة قلقة من إدارة بايدن؟"، وقلت أن "الدولة المصرية، منذ أن أعادت تموضعها بعد ثورة 30 يونيو 2013، تمتلك الكثير من الأدوار الدولية والإقليمية، التي يمكن اعتبارها هامه في علاقاتها الخارجية، وسيكون لها تأثير واضح على صانع القرار في البيت الأبيض، لذلك فإن مصر ومن واقع خبراتها الإقليمية في مجابهة الإرهاب والتيارات الإرهابية، فإنها ستواصل العمل مع واشنطن في هذا الاتجاه، وأيضًا إقناع واشنطن بعدم العودة إلى ما يعتبرونه أخطاء إدارة أوباما الماضية، كما ستعزز مصر صورتها باعتبارها إضافة قوية للولايات المتحدة، حيث تساهم القاهرة في المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط في مجموعة واسعة من المجالات، بما في ذلك الحفاظ على السلام والاستقرار الإقليمي، والحرب على الإرهاب، وهي كلها أمور راسخة في ذهنية صانع القرار الأمريكي، وهو يحدد أطر علاقاته مع مصر، لذلك فإن كل ما يقال أو يتردد بشأن وجود توتر أو قلق في العلاقات المصرية الأمريكية، أمر خاطئ لا يستند لواقع، وإنما تحكمه أوهام لدى البعض ممن يبحثون دومًا عن أسباب يجعلونها تعكر صفو العلاقات الاستراتيجية بين القاهرة وواشنطن".

وقبلها وفى نوفمبر الماضى، وبعد أسبوع من إعلان فوز بايدن برئاسة الولايات المتحدة الامريكية، وتهليل بعض "الكهنة" بهذا الفوز باعتباره سيكون خصماً من رصيد الدولة المصرية، كتبت تحت عنوان "دولة المؤسسات تُسقط أحلام «الكهنة»"، قلت في وصف التفسيرات والتحليلات التي قيلت حينها بشأن العلاقات المصرية الأمريكية، بعد إعلان فوز بايدن، أن "ما يغفله الكثيرون أن مصر تؤمن بدور المؤسسات في العلاقات بين الدول، وإذا أخذنا هذا المبدأ الذى تسير عليه مصر تحديداً بعد 2014، وطبقناه على العلاقة بين القاهرة وواشنطن، سندرك الحقيقة التي ربما تم تجاهلها طيلة الفترة الماضية، وهي أن هذه العلاقة تخضع فعلياً لرؤية المؤسسات في البلدين التي تكونت بناء على مجموعة من القناعات وطبيعة المصالح المتبادلة وإدراك أهمية الدور، إضافة إلى تعدد الرؤى المؤسسية التي تحكم تلك العلاقة ما بين وزارة الخارجية والبنتاجون وبقية المؤسسات ذات الاهتمام بالعلاقات الخارجية، حيث يعتبر التواصل الدائم والمباشر بين مؤسسات الدولتين هو ترمومتر قياس قدرة العلاقة على تجاوز أي عقبات واختلافات في وجهات النظر والسياسات؛ وقد تشكلت تلك العلاقة والدور نظرا لطبيعة منطقة الشرق الأوسط وما شهدته وتشهده من صراعات وحروب مستمرة حتى الآن، والدور القيادي لمصر على مدار العقود الماضية".

وأكدت أن "القضية الحاكمة من وجهة نظري، لم تكن فقط لغة المصالح، بل كانت أيضاً وبالدرجة الأولى، طبيعة الدولة المصرية ذاتها، فلو لم تكن هذه الدولة قوية وقادرة على مجابهة كل هذه المخاطر والتحديات لما اهتم بها ترامب، ولما كان لها كل هذا التواجد الدولي، لذلك ليس منطقياً أن نتحدث عن خوف أو شكوك مصرية من مجرد صعود رئيس ديموقراطي في الولايات المتحدة، لأن المبدأ الأساسي الذي تسير عليه مصر منذ 2014 وحتى اليوم، ويعلمه الجميع في الداخل والخارج أيضاً، أن مصر دولة مستقلة ذات سيادة، ولا تقبل من أحد، مهما كانت قوته أن يفرض عليها مالا تقبله، أيا كانت الضغوط التي تمارس ضدها".

وانتهيت في هذا المقال إلى "التأكيد على أن العلاقات بين الدول لا تتأثر بالشخصيات بقدر تأثرها بعلاقات "المؤسسات"، لذلك فإن مصر التي أعادت بناء مؤسساتها الدستورية والسياسية والأمنية بشكل محترف باتت أكثر "نضجاً" من أن تحكم الشخصيات علاقاتها الدولية، وأن مصر دولة مؤسسات قادرة على إدارة علاقاتها الدولية باحترافية واقتدار".

تذكرت كل هذا حينما تابعت ما جرى في العلاقات المصرية الامريكية الأسبوع الماضى. فقد شهد هذا الأسبوع زخماً في العلاقات الثنائية، كان عنوانه الرئيسى، اتصالين من الرئيس بايدن للرئيس عبد الفتاح السيسى، وزيارة لوزير الخارجية الامريكى إلى القاهرة.

تذكرت أيضاً أنه في 7 نوفمبر 2020، كان الرئيس السيسى أول زعيم عربي يوجه التهنئة إلى "چو بايدن" الرئيس المنتخب للولايات المتحدة الأمريكية، مؤكدًا علي التطلع للتعاون والعمل المشترك من أجل تعزيز العلاقات الثنائية الاستراتيجية بين مصر والولايات المتحدة الأمريكية بما فيه صالح البلدين والشعبين الصديقين.

تذكرت كل هذا للتأكيد مرة أخرى على الحقيقة التي بدأت بها مقالى، وهى أن مصر القوية والمتماسكة داخليا، وصاحبة القرار الخارجي الصلب لن تكون لقمة سائغة لأحد، وهنا أعيد مرة أخرى ما قاله الرئيس السيسى فيما يخص إدارة علاقات مصر مع دول العالم منذ اليوم الأول لرئاسته للجمهورية، حينما قال أن مصر لا تدير علاقاتها بانتهازية ولا بالمعنى السيئ للسياسة، ثم قال "مبنعملش تحالفات مع حد ضد حد، وحريصين على القيم والمبادئ"، كما ردد أكثر من مرة في مناسبات مختلفة عبارته الشهيرة: "نحن ندير سياسة شريفة في زمن عز فيه الشرف".

 

 

 

 

 

 

 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق