هشام السروجي يكتب: في الذكرى الثامنة لـ«30 يونيو».. التعاون المصري العراقي الأردني يعيد رسم خريطة القوة في المنطقة

السبت، 03 يوليو 2021 07:00 م
هشام السروجي يكتب: في الذكرى الثامنة لـ«30 يونيو».. التعاون المصري العراقي الأردني يعيد رسم خريطة القوة في المنطقة

- المتابع الجيد للمواقف المصرية في جميع الملفات الخارجية يدرك أنها تمارس سياسة واضحة المعالم تُعلي من المصالح المشتركة للدول الشقيقة ولا تمارس كغيرها مصالح شخصية ضيقة
 
تزامنت زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي للعراق الأحد الماضى، وعقد قمة ثلاثية مصرية عراقية اردنيه مع الذكرى الثامنة لثورة 30 يونيو، التي أعادت الدولة المصرية من اختطافها إلى مسارها الصحيح على طريقة التنمية والعودة إلى مكانتها الإقليمية والدولية، وإلى صدارة المشهد العربي أمام المجتمع الدولي، بعد أن استعادت قوتها وفرضت على الجميع احترامها والاشادة بتجربتها في إعادة بناء الدولة على جميع المستويات السياسية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية وحتى القوة الناعمة التي غابت عنها نتيجة ظروف يعلمها الجميع.
 
ثورة 30 يونيو لم تكن مجرد رغبة شعبية في إزاحة نظام حكم كاد أن يلقي بمصر في غياهب التاريخ والزمان، ولم تقتصر انعكاساتها على الداخل المصري فقط، بل ألقت بشعاعها على المحيط الإقليمي المصري وهو ما تجلت أنواره في ليبيا والسودان والعمق الإفريقي وكذلك في العراق، وتحولت من شأن داخلي إلى تجربة رائدة في المنطقة يسير بها كل من يسعى إلى بناء وطن يواكب الحداثة التي تتسارع خطواتها يومًا بعد يوم، لتجد كل يد ترغب في البناء تمتد إلى القاهرة مشاركة في التجربة وساعيه إلى الاستفادة منها، وهو ما فرض تعميق الشراكة بين القاهرة وبغداد وعمان في إطار من تعزيز العلاقات والمصالح المشتركة في جميع المجالات.
 
زيارة الرئيس التاريخية للعراق سبقتها عمل مضني وجهد مستمر في تأطير شكل التعاون بين الدول الثلاث، وكانت نتيجتها 3 قمم منهم القمة التي عقدت في العاصمة عمان في 25 أغسطس 2020 بين الرئيس عبد الفتاح السيسي والملك عبد الله الثاني ملك الأردن ورئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، سبقتها قمة ثلاثية في القاهرة في عهد رئيس الوزراء العراقي السابق عادل عبد المهدى في 24 مارس 2019، وأخرى في نيويورك على هامش اجتماعات الأمم المتحدة في سبتمبر 2019.
 
التحرك المصري جاء انطلاقا من كونها ركيزة الاستقرار في المنطقة العربية، وامتلاكها رموز معادلة الحفاظ على الأمن القومي العربي، الأمر الذي يتعاظم بالتنسيق مع العراق والأردن، لما تمتلكه بغداد من موروث حضاري وتاريخي وثقافي، قادر على أن يعيد العراق إلى الريادة التي كان عليها، وفي تلك الحالة من التأخي والتعاون والتنسيق، تخلق قوة إقليمية موحدة قادرة على إعادة رسم الخريطة في محيطها الجيوسياسى.
 
لعل مخرجات القمم الثلاث الماضية، التي أنتجت محاور رئيسية من التعاون بين الدول الثلاثة، منها صياغة رؤية عربية واحدة تجاه أزمات المنطقة، والمتغيرات التي تشهدها الساحة الإقليمية وفي مقدمة هذه الأزمات، القضية الفلسطينية، في وقت تتطلب القضية الفلسطينية موقفا عربيا موحدا يحافظ على ثوابت الأمة العربية التي تحاول إسرائيل زعزعتها في الوقت الراهن عبر الإعلان عن ضم بعض الأراضي المحتلة، والتوسع الاستيطاني المفرط، ومحاولة تغيير الهوية الدينية والديموغرافية للقدس، وقد رأى الجميع الموقف المصري والأردني في الأزمة الأخيرة التي تبعت محاولات تهجير الفلسطينيين من حي الشيخ جراح في القدس، وكيف أن توحيد الموقف نتج عنها موقف عربي استطاع وقف العدوان الإسرائيلي وأيضًا تدشين مرحلة جديدة للتواجد العربي في الأراضي العربية الفلسطينية من خلال إعادة اعمار غزة.
 
المتابع للوضع الإقليمي، يرى أنه لم تختلف الثوابت الأردنية عن الثوابت المصرية والعراقية كثيًرا على المستويات السياسية والاقتصادية حيال قضايا المنطقة، وانطلاقا من علاقة الجوار التي تربط الأردن بمصر والعراق، فتشهد العلاقات المصرية الأردنية تطوًرا كبيًرا مع القيادة السياسية الحالية للبلدين، وتنسيًقا سياسًيا إزاء مختلف القضايا الإقليمية، وتعميق العلاقات الاقتصادية بين البلدين.
 
كما شهدت العلاقات الأردنية العراقية تطوًرا ملحوظا، إذ زار العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني العراق في مطلع العام الماضي بعد عشر سنوات من آخر زيارة له، وقبلها زيارة رئيس الوزراء الأردني عمر الرزاز إلى العراق في ديسمبر 2018، التي نتج عنها توقيع 15 اتفاقية لتعزيز العلاقات الاقتصادية، بالإضافة إلى بدء عمل البلدين بآلية النقلDoor To Door  بين البلدين التي تقضي بدخول شاحنات النفط الأردنية إلى داخل العراق والعكس، كبديل عن الآلية السابقة التي تم فرضها نتيجة الأوضاع الأمنية في العراق في السنوات الماضية.
 
كما تستهدف مصر من هذا المسار فتح آفاق جديدة للتعاون مع العراق والأردن، ولا سّيما في مجالات النفط والغاز، ضمن استراتيجية مصر لتكون مركًزا إقليمًيا لتجارة وتداول الغاز والبترول، والتي وُقع في شأنها اتفاق مع عمان وبغداد على إنشاء خط بترول يبدأ من البصرة جنوب العراق مروًرا بمدينة الزرقاء الأردنية ثم إلى مدينة العقبة، يتم عن طريقه نقل النفط الخام إلى مصر للتكرير أو التصدير، بجانب مجالات البنى التحتية، وخاصة دعم عملية إعادة الإعمار في العراق بالتعاون مع شركات المقاولات المصرية.
 
التعاون الثلاثي لم ينكفأ على مصالح الدول الثلاث، بل أكد منذ الوهلة الأولى على محورية القضية الفلسطينية، وانها في مقدمة أولوياته، من خلال السعي لتفعيل الجهود الدولية لإقامة دولة مستقلة ذات سيادة عاصمتها القدس الشرقية وفًقا لما جاء في قرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية، بالإضافة إلى تأكيد ما جاء في بيان قمة عمان من حيث ضرورة وقف إسرائيل ضم أية أراض فلسطينية وجميع الإجراءات التي تقوض فرص تحقيق السلام العادل وتستهدف تغيير الوضع التاريخي والقانوني القائم في القدس ومقدساتها الإسلامية والمسيحية.
 
كذلك وضعت الدول الثلاث الأزمتين السورية والليبية في المقدمة، مؤكدين على ضرورة التوصل إلى حل سياسي لهذه الأزمات لاستعادة استقرار سوريا وليبيا والحفاظ على وحدة أراضيها والتأكيد على حل شامل للأزمة الليبية من خلال المسار السياسي، وطبقا لما تم الاتفاق عليه في مؤتمر برلين وإعلان القاهرة وصولا إلى الاستحقاق الانتخابى، لأن الثلاثي يدرك تمامًا بأن الحفاظ على الأمن القومي العربي لن يتم إلا بحل أزمات الدول العربية الغارقة في الفوضى والخروج بها إلى بر الأمان.
 
وانطلاقًا من الأمن القومي العربي جاء دعم موقف الدولة المصرية بما يحفظ حق مصر في مياه النيل وأمنها المائي، وكذلك حماية العراق من أي خلافات إقليمية أو تهديدات بما يحقق الأمن العربي ودعم العراق في مواجهة الإرهاب.
 
كما أن التعاون والتنسيق بين الدول الثلاث في مجالات الطاقة والكهرباء والنفط، وكذلك ملف إعادة الإعمار في العراق من خلال الشركات المصرية والأردنية، يحقق التكامل العربي، وتوفير فرص عمل حقيقية لملايين العمال من الدول الثلاث، كما أن تحسين الوضع الاقتصادي لكل دولة ينعكس إيجابيا عليهم، ويحقق تعاظم القوة منفردة أو مجتمعه، وهو ما أعرب الرئيس العراقي بشأنه عن تطلع بلاده إلى الاستفادة من التجربة المصرية الناجحة في تنفيذ المشروعات التنموية والإصلاحات الاقتصادية الشاملة، وذلك في إطار الجهود الحالية لإعادة إعمار العراق، فضلاً عن الاطلاع على الجهود المصرية الحثيثة في مكافحة الإرهاب والتطرف، خاصةً من خلال زيادة التواصل والتنسيق بين المؤسسات المعنية في البلدين.
 
  أزمة الطاقة حقيقة يعيشها ويواجها يوميًا الشعب العراقي، ومن ثم تستطيع مصر تصدير الكهرباء إلى الأردن والعراق، حيث حققت مصر فائضا في إنتاج الكهرباء بأكثر من 27 ألف جيجاوات نتيجة لمشروعات إنتاج الكهرباء التي أنجزتها خلال السنوات الست السابقة، ومن ثم تسعى مصر إلى توقيع اتفاقيات للربط الكهربائي ضمن خطتها للتحول لمركز إقليمي للطاقة، لآخر ويحتاج العراق إلى 22 ألف جيجاوات من الكهرباء في حين أنه ينتج نحو 12 ألف جيجاوات فقط ،وبالإضافة إلى أزمة الكهرباء، يعاني العراق من أزمة بطالة حادة وارتفاع معدلات التضخم والفقر، لذلك سيفتح هذا المشروع بابا أمامه لتدفق الاستثمارات المصرية في قطاعات متنوعة وخاصة الطاقة وإمكانية إقامة مدن صناعية وتجارية مشتركة، ما يوفر فرصا للعمل وينقل خبرات مصر و الأردن في مجالات الصناعة والتجارة إلى القطاع الخاص العراق وسيجعل من الأردن ومصر سوَقا للمنتجات العراقية.
 
فيما يخص البترول هناك تعاون وثيق يتمثل في خط أنبوب النفط الممتد من ميناء البصرة جنوب العراق إلى العقبة في الأردن إلى مصر يتيح لمصر تنويع واردتها من النفط ويقلل من اعتمادها على عقود النفط قصيرة الأجل التي تعرضها للتذبذب في أسعار النفط، حيث سيؤمن النفط الخام لمصر بشكل مستمر، وقد بدأت مصر الحصول على النفط العراقي الخام في أبريل 2014 بواقع 12 مليون برميل سنويًا، وكذلك سيؤدي المشروع إلى تقليل فاتورة استيراد النفط حيث ستحصل مصر على النفط العراقي بأقل من ثمنه بـ 16 دولارا للبرميل، وفتح السوق العراقي والأردنى أمام الصادرات المصرية والأردن.
 
يمثل كذلك التعاون الثلاثي أهمية للأردن بما يجعله مركًزا لوجستًيا إقليمًيا لتبادل النفط والكهرباء والبضائع، كما سيقلل المشروع من فاتورة استيراد النفط؛ إذ سيحصل عليه أيضا بسعر أقل بنحو 16 دولارا للبرميل، إذ يحصل الأردن بالفعل على النفط العراقي بهذا الخصم في إطار مذكرة التفاهم الموقعة بين البلدين في 5 فبراير 2019، التي حصلت بموجبها عمان على النفط الخام العراقي للمرة الأولى بواقع نحو10 آلاف برميل يومًيا، تشكل 7 %من حاجة البلاد للطاقة، وتوفر 160 دولارا يومًيا تقريبا، أي نحو 4.8 مليون دولار شهرًيا.
 
 العراق قوة عربية وإقليمية كبرى، لها ثقلها تاريخي في المنطقة، وتستطيع ممارسة دورًا فعال على الصعيدين العربي والإسلامى، وبرغم الكبوة التي ألمت به خلال العقدين الماضيين وتراجع هذا الدور، إلا أن العراق بدأ يستعيد عافيته، ودوره وثقله في الساحات الإقليمية، بعد أن استطاع هزيمة تنظيم داعش الإرهابى وتكونت لديه ملامح لسياسة داخلية مستقرة، ساهمت في عودته إلى محيطه العربي.
 
 لا يمكن إنكار أن عودة مصر إلى مكانتها الطبيعية كان له بالغ الأثر في تقليص نفوذ بعض القوى الإقليمية التي عبثت كثيرًا في المنطقة واستهدفت مقدرات الشعوب العربية، مستغلة في ذلك لحظات الضعف التي ضربت اوصال هذه الدول ومنها العراق، ولعل الفرص الأن سانحة لأن تمارس كل دولة سيادتها بعد أن توفر لها الدعم والمساندة الشريفة غير الطامحة في أي شيء، سوى خلق تكتل عربي قوى قادر على اختيار مصيره دون ضرر ولا ضرار، هذا الدور الذي أجادته مصر على مر التاريخ، واليوم تعيشه في أبهى تجلياته في دول الجوار العربي وكذلك الإفريقي، وتأتي الرغبة المصرية من منطلق قومي عروبي خالص، والمتابع الجيد للمواقف المصرية في جميع الملفات الخارجية يدرك أنها تمارس سياسة واضحة المعالم، تُعلي من المصالح المشتركة للدول الشقيقة، ولا تمارس كغيرها مصالح شخصية ضيقة.
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق