دقيقة هدوء لله

الأحد، 11 يوليو 2021 10:00 ص
دقيقة هدوء لله
حمدي عبد الرحيم يكتب:

لماذا يصبح البحر الذي هو نعمة ومتعة إلى حفل صراخ مجنون؟.. ولماذا يطالبون الدولة بالتدخل في أزياء الناس وملابسهم؟

في زمن مضى، ضاق الشاعر الكبير بيرم التونسي بالغناء وأهله فكتب:

يا أهل المغنى دماغنا وجعنا

دقيقه سكوت لله

داحنا شبعنا كلام ماله معنى            

يا ليل ويا عين ويا اّه

طلعت موضه غصون وبلابل

شابط فيها حزين

شاكى وباكى وقال موش عارف

يشكى ويبكى لمين

واللى جابت له الداء والكافيه

طرشه ماهش سامعاه.

ما شكا منه الأستاذ بيرم يهون أمام ما نعانيه الآن، من صراخ وضجيج لا يأتي من أهل المغنى ولكن من جماعات وحشود لا يستهان بها عددًا أو تأثيرًا.

يبدأ الأمر بدبيب النمل ثم يأتي دوي النحل ثم يأتي فحيح الأفاعي ثم يأتي صراح مجنون يصم الآذان وساعتها نجد أنفسنا في تلك الدائرة الجهنمية التي أحسن الراحل الكبير صلاح عبد الصبور وصفها:

هذا زمن الحق الضائع  

لا يعرف فيه مقتول من قاتله ومتى قتله

ورؤوس الناس على جثث الحيوانات

ورؤوس الحيوانات على جثث الناس

فتحسس رأسك

فتحسس رأسك".

في كل مرة نسأل: ماذا هناك؟

فلا يجيبنا واحد من الصارخين، فهم مشغولون بصراخهم الذي يتعبدون في محرابه ليل نهار.

ثم يتعطف واحد منهم علينا ويقول: هل أنتم في غيبوبة، ألا تعرفون الكوارث التي تنزل على رؤوسنا، ألم تسمعوا بأزمة لباس البحر؟

سبحان الله، هل كل هذا الصراخ من أجل لباس البحر، نحن لا نعرف عن البحر إلا أنه من نعم الله التي سخرها لبني آدم، فلماذا كل هذا الصراخ الذي أصبح سخيفًا وبدون معنى أو فائدة.

ما علاقتنا نحن بالبكيني والبوركيني وبقية تلك المسميات التي ما أنزل الله بها من سلطان؟

لماذا يصبح البحر الذي هو نعمة ومتعة إلى حفل صراخ مجنون؟

لماذا يطالبون الدولة بالتدخل في أزياء الناس وملابسهم؟

لماذا يطالبون بمنع هذه أو تلك من التمتع بالبحر؟

المعركة كلها من ألفها ليائها مختلقة ومفتعلة وقد بلغت غاية السخافة والتلاعب بعقول الناس وبمشاعرهم وبأوقاتهم.

وإذا كان المتشنجون من هذا الفريق أو ذاك يربحون بطريقة أو بأخرى من كل هذا الضجيج فلماذا نصبح نحن وقودًا لأرباحهم.

الذي يفرض عليه القدر متابعة هذه الحفلات من الصراخ والشتائم سيصاب بأعلى درجات الخوف، الخوف على عقله أولًا، وذلك لأن كل الأمور لا منطق لها ولا بيان ولا دليل، حشود لا نعرف من أين تأتي تصرخ فجأة مطالبة بأمر ما ثم تتواصل الصرخات ليل نهار ثم فجأة يخيم الصمت الذي يشبه صمت القبور ويذهب كل شيء أدراج الرياح، حتى تبدأ حفلة جديدة بمطلب جديد!

إن الذي يتأمل الأخبار الرائجة أو بالأحرى التي يروجها الصارخون سيصاب بأشد حالات التعجب، فكلها أخبار مثل السمك الميت تطفو على سطح الماء ولكن لا خير فيها ولا فائدة وصيدها وبيعها للناس محرم مجرم، فهل خلت البلاد من قضايا حقيقة وجادة ومهمة حتى يتفرغ حشد منا لتأليب الناس ضد البكيني أو البوركيني؟

في بلد مثل بلدنا يواجه تحديات خطيرة ولديه سجلات من الأحلام المؤجلة يصبح الترند غواية وفتنة ملعونة، فالترند قائم على ترويج فقاقيع الصابون التي لا تسمن ولا تغني من جوع.

وقد وقعت في كتاب فيض الخاطر للأستاذ أحمد أمين على جملة تفسر حالنا خير تفسير.

قال الأستاذ أحمد أمين:" واشتهر المصريون عند المؤرخين بالانهماك في الشهوات وعدم النظر في العواقب. ولما رآهم ابن خلدون على هذه الحال قال فيهم: «كأنما فَرَغوا من الحساب» يريد أنهم لا يحاسبون أنفسهم على ما يصدر منهم، ولا يخافون من عاقبة أعمالهم، كأنما فرغوا من الحساب".

فليت الصارخين بتوافه المواقف والأفكار يمنحوننا دقيقة من الهدوء.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق