دراسة تجيب عن السؤال الواقعي.. لماذا يثق الرأي العام في تحركات الرئيس السيسي بشأن سد النهضة؟

الأربعاء، 14 يوليو 2021 02:44 م
دراسة تجيب عن السؤال الواقعي.. لماذا يثق الرأي العام في تحركات الرئيس السيسي بشأن سد النهضة؟

لا قضية تشغل الشارع المصري حاليا أكثر من سد النهضة ومصيرها خلال الأيام القادمة، خاصة مع التحركات الأخيرة لمصر والسودان في مجلس الأمن الدولي، على خلفية إعلان إثيوبيا تعنتها ببدء الملء الثاني دون اتفاق ملزم للحفاظ على حقوق دول المصب.
 
لكن رغم تعقيد الأزمة أكثر بسبب التعنت الإثيوبي، وفشل خطوات ومحاولات المفاوضات واتفاقات حل القضية، يسود شعور مسيطر على الرأي العام المصري بالاطمئنان إلى تحركات الدولة المصرية والقيادة السياسية في معركة المصير.. فما المقدمات التي خلقت هذا الشعور ولماذا وثق الشعب في الرئيس السيسي كل هذه الثقة؟
 
في دراسة كتبها اللواء محمد إبراهيم الدويري ونشرها المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، ذكرت أن "المتعمق في العلاقة بين السيد / الرئيس عبد الفتاح السيسى والمواطن المصري لابد أن يصل إلى نتيجة واحدة مفادها أنها علاقة نشأت وتوطدت بشكل متدرج وسريع وقوى، حيث أن السيد / الرئيس جاء إلى الحكم بمطلب شعبي لإنقاذ البلاد وهوما يعني أن هذه العلاقة إستندت في جوهرها على مبدأ الثقة المطلقة، وبمرور الوقت تطورت وتدعمت العلاقة وأصبحت هناك مجموعة من المبادئ الإيجابية التي تحكمها من بينها المصداقية والشفافية والمصارحة والوفاء بالوعود ، ومن أهم جوانب هذه العلاقة أن السيد / الرئيس يحرص في كل وقت على أن يخاطب المواطن المصرى مباشرة قناعة من سيادته بأن “المصريين” – كما يحب أن يخاطبهم – هم ظهيره الأساسى وبالتالى لابد أن يكونوا على علمٍ بكل الجهود التى تقوم بها الدولة على المستوى الداخلى وكذا التحديات التى تواجهها البلاد على المستوى الخارجى" .
 
وقالت الدراسة: لعل برنامج الإصلاح الإقتصادى الذى نفذته الدولة بكل شجاعة منذ عدة سنوات يعد خير دليل على مدى التفاعل بين القيادة السياسية والمواطن المصري خاصة مع التأكيد الدائم من جانب السيد / الرئيس على الدور الإيجابي الذي قام به المواطن المصري لإنجاح هذا البرنامج الطموح وتحمله التبعات الإقتصادية عن رضاء وقناعة وثقة بأن كافة الجهود التي تبذلها الدولة تصب في النهاية لصالح المواطن ، كما أنها تزيد من وضعية وقوة الدولة المصرية إقليمياً ودولياً .
 
سوف أحاول أن انطلق من هذه المقدمة الضرورية والحقيقية كي أتعرض لموقف الرأى العام المصرىي تجاه أهم التحديات الخارجية التي تواجهها الدولة وأعني قضية السد الإثيوبي ، ومن المهم هنا أن أؤكد على أن المواطن المصري يتميز بالوعي وتحمل المسئولية والتفاني في الدفاع عن بلاده ويتوحد بشكل قوي إذا ما إستشعر بأن هناك أية مخاطر يمكن أن تهدد الدولة ومن ثم كان هذا هو الإطار العام الذي حكم موقف المصريين تجاه قضية السد نظراً لمعرفتهم أنها ترتبط إرتباطاً وثيقاً بمستقبل الأجيال الحالية والقادمة في قضية أقل ما يقال عنها أنها قضية وجودية .
 
وليس من قبيل المبالغة القول أن قضية السد الإثيوبي أصبحت قضية رأى عام ودخلت في دائرة الإهتمامات الرئيسية للمواطنين المصريين وأصبح المواطن المصرى البسيط يتابع تطوراتها وتفصيلاتها كأولوية أولى بالنسبة للقضايا الخارجية التي تواجهها الدولة، حتى أن جلسة مجلس الأمن التي عقدت يوم 8 يوليو الحالى للنظر فى أزمة السد حظيت بمتابعة شعبية بصورة تكاد تكون غير مسبوقة، وبالتالى مع تسليمنا بأن هذه القضية الهامة سوف تظل مطروحة على مستوى الرأي العام المصري حتى يتم حلها وهو أمر إيجابي إلى حدٍ كبير ، إلا أنها يجب أن تكون فى إطار ملتزم ومنضبط لا تخرج عنه قدر المستطاع .
 
وفي ظل هذه العلاقة التفاعلية بين القيادة السياسية والمواطن، حرص السيد / الرئيس منذ تولي سيادته الحكم على أن يؤكد بصورة واضحة أن التعامل مع هذه القضية ينطلق من كونها قضية أمن قومي تتم معالجتها في إطار رؤية متكاملة تستند في جوهرها على مبدأ التفاوض والبحث عن الحلول السياسية خاصة وأن مصر وهي أهم الدول المؤسسة لمنظمة الوحدة الإفريقية ( الإتحاد الإفريقى ) تسعى إلى أن تنال القارة الإفريقية مكانتها الدولية التي تستحقها في التقدم والتنمية والإستقرار والإزدهار وحل الصراعات بين دولها وهو ما سعى إليه السيد / الرئيس خلال المرحلة التى تولى فيها سيادته رئاسة الإتحاد الإفريقى عام 2019 .
 
ومن هذا المنطلق ضرب السيد / الرئيس أروع الأمثلة بتوقيع سيادته على إعلان المبادئ في الخرطوم مع كل من السودان وإثيوبيا فى 23 مارس 2015 ثم إنخرطت مصر في مفاوضات مضنية طوال أربع سنوات عقب توقيع هذا الإعلان الملزم ، إلا أنه فى ضوء عدم تحقيق المفاوضات أي تقدم طلب السيد / الرئيس من المجتمع الدولي في سبتمبر 2019 ومن فوق منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة التدخل لحل هذه الأزمة ، وبالفعل شاركت مصر بفاعلية وإيجابية في جميع المفاوضات التي شارك فيها الوسطاء من كل من الولايات المتحدة والبنك الدولى والإتحاد الأوروبي ثم وساطة الإتحاد الإفريقي التى إستمرت طوال عام كامل.
 
وفي ظل عدم توصل كافة هذه الوساطات إلى أية نتائج لإنهاء الأزمة لجأت مصر إلى ممارسة حقها الطبيعى الذي كفله لها القانون الدولي وطرحت القضية – مع السودان – أمام مجلس الأمن الدولي المسئول وظيفياً عن الأمن والسلم العالميين بهدف وضع المجلس أمام مسئولياته وبحث طبيعة الدور الذى يمكن أن يقوم به للمساهمة فى حل هذه الأزمة التى تهدد الأمن والإستقرار فى المنطقة .
 
وفي رأيى فإن إنخراط مصر في مفاوضات السد الإثيوبى لمدة عقد كامل ثم قبولها كافة الوساطات ولجوئها مؤخراً إلى مجلس الأمن الدولي لم تكن سوى رسالة سلام واضحة مفادها أن القيادة المصرية لم ولن تتوان عن طرق جميع الأبواب المتاحة من أجل التوصل إلى حل سياسى لهذه الأزمة بالرغم من إستمرار التعنت الإثيوبي .وفي هذا المجال يبدو من الضرورى أن أعيد التأكيد على المبادئ التى تحكم رؤية القيادة السياسية تجاه أزمة السد الإثيوبى والتى تتمثل أهمها فيما يلي: أن من حق إثيوبيا أن تحقق التنمية الإقتصادية التي تهدف إليها ولكن بشرط عدم الإضرار بالمصالح المائية المصرية .أن نهر النيل يجب أن يكون نموذجاً للسلام والتعاون والتنمية المشتركة وليس من المقبول أن يكون مجالاً للخلاف والصراع .
 
أن الحوار والتفاوض يمثل أهم وأقصر الطرق من أجل التوصل إلى حل لهذه الأزمة ولابد أن تتوافر لإثيوبيا الإرادة السياسية لإنهاء تلك القضية .أن عدم توصل المفاوضات بين الأطراف الثلاثة إلى النتائج المرجوة يفرض ضرورة أن تكون هناك وساطات خارجية مفوضة وقادرة على طرح المقترحات والحلول الوسط من أجل التغلب على العقبات المثارة .
 
أنه ليس من المنطقى أن تستمر المفاوضات إلى ما لانهاية دون تحقيق أية نتائج لاسيما بعد مرور عقد من الزمان على بدء العملية التفاوضية دون جدوى .وفى نفس الوقت كان لزاماً على القيادة السياسية أن تؤكد للرأى العام المصري بل للعالم كله دون إستثناء مدى أهمية وحساسية هذه القضية، ومن ثم كانت التصريحات التى أدلى بها السيد / الرئيس فى مناسبات مختلفة بأن مصر لن تفرط فى نقطة ماء ، وأن هذه القضية هى قضية وجودية وخط أحمر، وأن كافة الخيارات مفتوحة، وفى رأيى أن هذه التصريحات تعد تعبيراً صادقاً ليس فقط عن موقف القيادة السياسية ولكنها تعبر أيضاً عن موقف كل مواطن مصرى مخلص يعرف عظمة وقوة بلاده وقيمة كل نقطة ماء فى الحاضر والمستقبل.
 
ولاشك أن هذا الموقف المتكامل من جانب القيادة السياسية قد عكس مدى التطابق بين القيادة والشعب في هذه القضية المصيرية، ومن المؤكد أن هذا التطابق سوف يظل قائماً حتى يتم التوصل إلى حل لأزمة السد الإثيوبي، وهو ما يعنى أنه قد أصبح لدينا موقفاً موحداً صلباً يستند على ثقة المصريين المطلقة في قيادتهم السياسية وأنها وحدها قادرة بإذن الله على إتخاذ القرار المناسب الذي يحقق المصالح المصرية سواء بالإستمرار في المفاوضات أو غير ذلك وطبقاً لما تراه فى ضوء حساباتها التى نثق فى دقتها وسلامتها .
 
ويبدو من الضرورى أيضاً أن أشير من قبيل التنويه إلى أن القيادة السياسية المصرية الرشيدة وهي تؤكد ضرورة الحفاظ على حقوقنا المائية لم تتحدث عن الحرب أو العمل العسكرى لحل أزمة السد بل أن السيد / الرئيس عندما إستخدم في إحدى التصريحات كلمة معركة أقرنها سيادته بكلمة المفاوضات من منطلق أن المفاوضات السياسية هي بالفعل معركة شديدة الصعوبة .
 
ولاشك أن إستمرار تمسك مصر بسياسة الحوار والحل السلمي لهذه الأزمة تعكس مدى حرصها على أن تضرب المثل للمجتمع الدولي بأن دولة بحجم وقيمة وقوة مصر لازالت تسعى لحل أية أزمات بالطرق السلمية وهو ما يمثل الأولوية بالنسبة لها ، ومن المؤكد أن هذا الأمر يستقيم مع وضعية الدولة المصرية التى تعد من الدول المؤسسة للأمم المتحدة وتحترم القانون الدولي وتسعى إلى تفعيل دور المنظمات الدولية .
 
وليس من قبيل التهديد أو المبالغة أن أؤكد أن القوة العسكرية التي تتمتع بها مصر تظل قادرة على حماية مصالحها تجاه أية أزمات يمكن أن تواجهها فى أي وقت وفى أى مكان، ولعلي هنا أحاول أن أضرب مثالاً بتصريحات السيد / الرئيس في المنطقة الغربية العسكرية فى شهر يونيو 2020 عندما أكد سيادته أن خط سرت / الكفرة يمثل خطاً أحمر لمصر ، وقد كان هذا التصريح بمثابة رسالة سلام مصرية حاسمة وقوية مفادها أن مصر لن تسمح لأحد أياً كان بتهديد أمنها القومى ، وفى نفس الوقت أدى هذا التصريح إلى بدء التفكك التدريجى فى الأزمة الليبية والتسليم بقوة وجدية الموقف المصرى تجاه هذه القضية .
 
وبالتالي فإذا كان الرأى العام المصرى يتجه فى بعض الأحيان إلى تصعيد مواقفه تجاه أزمة السد الإثيوبى فإن ذلك يأتى من منطلق خوفه على بلاده وحرصه عليها، إلا أن الأمر الذي يجب أن يكون حاضراً هنا أن الدور الأهم والمسئولية التي تقع على المواطن المصري تتمثل في ضرورة الإصطفاف خلف قيادته السياسية والثقة التامة في قدرتها على حماية مصالح الدولة لاسيما وأن التفويض الشعبي الممنوح للقيادة منذ أكثر من سبع سنوات يجب أن يستمر دون أى إهتزاز وأن يؤمن كل مواطن أن قيادته الوطنية لديها كافة الحسابات الدقيقة التي لا تتوافر للمواطن العادى بشأن كيفية الحفاظ على الأمن القومي المصري .
 
وبالتوازي مع هذا الدور الذي أرجو أن يلتزم به المواطن المصرى، فإني أرجو أيضاً أن يسري هذا التوجه على المستوى الإعلامى حيث أننى لا أشك ولو للحظة واحدة في مدى وطنية السادة الإعلاميين وأقدر دورهم التنويري بشأن أزمة السد، ومن ثم فإن المطلوب إعلامياً يتمثل في أهمية توضيح طبيعة تطورات قضية السد للمواطن العادى دون تهوين أو تهويل وعلينا أن نساعد القيادة السياسية لا أن نضغط عليها، وأنا على يقين أن جميعنا يعلم أن لدينا قيادة سياسية وطنية واعية محترفة قوية تدرس كل خطوة بعناية شديدة وتقف عند التفصيلات ودقائق الأمور حتى يكون القرار المتخذ هو القرار الأصوب، ولعل ما نراه من إنجازات تتحقق على المستويين الداخلى والخارجى خير مثال على صدق وسلامة هذه القرارات .
 
وفي النهاية نحن أمام أزمة شديدة الصعوبة والتعقيد والحساسية والمواقف الواضحة من كافة الأطراف، وهي أزمة تتعامل معها قيادتنا السياسية بجدية ورؤى وحسابات تتبلور في ميزان من ذهب، وهنا لا يتبقى أمامنا كمواطنين مصريين على مختلف المستويات الشعبية والمؤسسية والإعلامية وغيرها سوى أن نقف بقوة وراء القيادة نؤيدها وندعمها ونترك لها المساحة والحرية لإتخاذ القرار المناسب في أزمة السد دون أن نخضع أو نبالغ أو نتجاوب مع أية إستفزازات غير مطلوبة في هذه المرحلة أياً كان مصدرها .
 
ومن المؤكد أن الدولة المصرية العظيمة تتحرك وتتقدم في ظل الجمهورية الجديدة بخطوات ثابتة في إطار المعادلة الصعبة التي تجمع بين البناء والتنمية والإستقرار وحماية الأمن القومي وهي معادلة نؤمن تماماً بأن السيد / الرئيس عبد الفتاح السيسي زعيم مصر وقائد منظومة العمل قادر بإذن الله على أن ينفذها بكل نجاح وتميز .

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق