طلال رسلان يكتب: إثيوبيا على حافة الانفجار

السبت، 17 يوليو 2021 11:00 م
طلال رسلان يكتب: إثيوبيا على حافة الانفجار

خراب يسيطر على الأوضاع الداخلية.. ووتيرة الاضطرابات الدامية تهدد الشعب

سياسة رئيس الوزراء ورطت بلاده بين نار الفقر وصراعات المليشيات المسلحة

لم يكن تقرير مجلس الأمن الدولي في أبريل من العام الجاري عن أوضاع حقوق الإنسان والانتهاكات والنزاعات المسلحة في الداخل الإثيوبي سوى فصل من فصول كشف الانهيار الداخلي لحكومة آبي أحمد، صاحب نوبل للسلام، التي تسيطر على الحكم في البلاد، وتواجه تظاهرات شعبية بسبب تردي الأوضاع.

وقتها ذكر تقرير مجلس الأمن تعبيره عن القلق المتصاعد إزاء الوضع الإنساني في إقليم تيجراي بإثيوبيا، وانتهاكات حقوق الإنسان هناك، ومنها العنف الجنسي ضد النساء، وقال المجلس في بيان: "أعضاء مجلس الأمن عبروا عن قلقهم العميق على خلفية الأنباء عن انتهاكات حقوق الإنسان وإساءة المعاملة بما فيها تعرض النساء والفتيات للعنف الجنسي في إقليم تيجراي"، ودعا البيان إلى التحقيق العاجل في هذه الانتهاكات ومحاسبة مرتكبيها، فيما أعلن نائب الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية مارك لوكوك أن العنف الجنسي يستخدم كسلاح في إقليم تيجراي الإثيوبي، مشيرا إلى أن الأوضاع هناك لم تتحسن، وتنذر بالانفجار.

الأمهرة تغلي على خطى الأورومو وتيجراي

يوما تلو الآخر يستشري الخراب وتزداد حدة الاضطرابات الدامية، فبعد الوقائع التي ترقى إلى جرائم الحرب في إقليم الأورومو والصراعات المسلحة في إقليم تيجراي، جاء الدور على الأمهرة لتزداد وطأة الصراعات العرقية فى إثيوبيا، ذلك البلد الذى يعانى بشدة ومع ذلك يتعمد رئيس وزرائها خلق المشكلات طوال الوقت مع الجميع وبلاده مهددة بخروج الأمور عن السيطرة.

في محاولة لإضفاء الشرعية على هدفه، أصر آبي أحمد في عملية شن الهجوم على إقليم تيجراي في نوفمبر الماضي، على وصف الأمر بعملية إنفاذ القانون في الإقليم المشتعل، لكن الواقع كان الهدف هو اعتقال القيادات السياسية والمعارضين لسياسة رئيس الوزراء الإثيوبي وبأوامره المباشرة.

وفقا لتقرير نشرته مجلة "فورين بولسي" الأمريكية، فإن الحرب في تلك المنطقة تحديدا تصفها النخبة السياسية العرقية في أمرهة، بأنها استعادة للأراضي التي خسرتها منذ العام 1991، واضطلعت قوات الأمهرة بدور رئيسي في الحرب، بدمج الأجزاء الغربية والجنوبية من تيجراي حالياً تحت إدارة الأمهرة وسيطرتها.

في نوفمبر من العام 2020 لم يستطع آبي أحمد إخفاء هزائمه وخروج الأمر عن السيطرة عندما بدأ الهجوم العسكري على تيجراي ونفذت جبهة تحرير شعب تيجراي ضربة ضد القوات الفيدرالية في القيادة الشمالية (بحسب رواية أديس أبابا الرسمية)، كانت القوات الخاصة الإقليمية في أمهرة مستعدة للحرب لفترة طويلة، وضم الهجوم على خط الجبهة الغربي في منطقة ويلكايت في غالبه قوات الأمهرة، التي حركتها قضية استعادة الأراضي المفقودة في المقاطعات الثلاث ويلكايت تيغيدي وتسيغيدي وسيتيت هوميرا، فيما طُرِد عشرات الآلاف من سكان تيجراي من أراضيهم منذ بدء الحرب، في ما وصفه وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن بالتطهير العرقي، وهو اتهام ترفضه الحكومة الإثيوبية، وفي الوقت نفسه، أكد مسؤولو ولاية أمهرة مراراً وتكراراً أن المنطقة ملك لهم وأنَّ الأرض "أُخِذَت منهم بالقوة، لكن أعيدت الآن بالقوة". وقال المتحدث باسم ولاية أمهرة الإقليمية إن رئيس الوزراء آبي أحمد وافق على إعادة ضم الأراضي المتنازع عليها إلى الأمهرة، على الرغم من احتجاجات زملائه في حكومة حزب الازدهار المؤقتة في تيجراي.

الواضح من قراءة الأحداث الآن في الداخل الإثيوبي أن آبي أحمد ليس في وضع يسمح له بمواجهة النخبة السياسية في أمهرة بشأن قضية الانفصال، لأنه يحاول جمع شتات ما تبقى له بعد فشله داخليا، فهو يعتمد بشكل كامل على دعم الأمهرة للبقاء في السلطة أطول وقت ممكن.

لكن آبي أحمد يبدو أنه يخسر حاليا أغلب قاعدة دعمه في أمهرة، بعدما أصبح الاقتتال الداخلي صورة من استمراراً للصراع على السلطة الذي تسبب بحل التحالف الحاكم السابق للجبهة الثورية الديمقراطية الشعبية الإثيوبية في عام 2018. وحزب الازدهار هو ببساطة اسم جديد مرتبط بهياكل حزب الجبهة الثورية الديمقراطية الشعبية الإثيوبية القديم، باستثناء جبهة تحرير شعب تيجراي التي خرجت في عام 2019. وقد تسبب آبي إلى حد كبير في نفور جمهور أورومو الذي أوصله إلى السلطة.

ومن الواضح أن الدمج الرسمي للأراضي الواقعة تحت سيطرة أمهرة النزاع، لن ينهي النزاع بل سيطيله، ففي حوار عن بُعد من ساحة المعركة مع مجلة Foreign Policy، قال رئيس إقليم تيجراي المخلوع ورئيس جبهة تحرير شعب تيجراي، ديبريتسيون جيبر ميخائيل، إنه لن يكون هناك سلام أو مفاوضات قبل انسحاب جميع القوات المعادية من أراضي تيجراي، بما في ذلك قوات أمهرة الإقليمية التي تحتل حالياً غرب تيغراي. وأضاف: "نحن نقاتل من أجل هويتنا، ومن أجل حقوقنا. نحن نحارب كل الغزاة حتى النهاية".

ملف حقوق الإنسان في إثيوبيا.. القنبلة الموقوتة

لم تكن الحالة المزرية لحقوق الإنسان، وفق تقارير المنظمات الحقوقية الدولية، حديثة أو مرتبطة ارتباطا وثيقا بإقليم التيجراي لكنها كانت مستمرة على مدار سنوات طوال بصورتها المنهجية المرتبطة بالصراعات العرقية بطريقة مباشرة، وطالما كانت وقودا لحروب المليشيات المسلحة على مدار سنوات مضت.

حجم معلومات ضخم يتعلق بالأرقام والتقارير التي تناهض الأوضاع المزرية لملف حقوق الإنسان في إثيوبيا، ناهيك عن تقارير المعارضة في البلاد، لكن الأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية المعتمدة سجلت الكثير، منها ما صرحت به ميشيل باشيليت المفوضة السامية لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة بأن الأوضاع فى إثيوبيا مغلقة وملتهبة، وبالتالى فهناك حاجة ملحة لمراقبة وضع حقوق الإنسان من جهة مستقلة.

حكومة آبى أحمد قطعت الاتصالات عن إقليم تيجراى ومنعت الإعلام من تغطية ما يجرى، وبالطبع فإن كل المجازر التى وقعت، لم يعرف أحد عنها شيئا، باستثناءات قليلة مثل الهجوم الذى خلف 204 قتلى فى هجوم شنه مسلحون فى بنى شنقول، والضحايا قتلوا أثناء نومهم.

وبعيدا عن التيجراى فإن منظمة العفو الدولية أصدرت العديد من التقارير ويوثق أحدها ــ وعنوانه «أبعد ما يكون عن إنفاذ القانون» ــ لعمليات الإعدام خارج نطاق القضاء والاعتقال والاحتجاز التعسفى والاغتصاب وحرق المنازل من جانب قوات الأمن خلال الصراعات الداخلية فى العديد من مناطق البلاد، وحتى حينما حاولت قوات الأمن فض الصراعات العرقية، فإنها فعلت ذلك بطريقة وحشية، أما السجون فهى غاية فى السوء وقمع حرية الإعلام فى البلاد يشهد به الجميع، وتم استخدام القوة المفرطة فى قمع المظاهرات. وهناك استغلال جنسى للأطفال واتجار بالبشر وعمل قسرى، وتم إعلان حالة الطوارئ فى العديد من المناطق، وهناك قوانين تجرم الاتصال الصوتى عبر الإنترنت، وتقيد حرية الوصول للإنترنت، وحظرت العديد من القنوات التليفزيونية. هناك عنف جنسى وعادات اجتماعية غريبة تجعل الزواج عن طريق الاختطاف يمثل ٦٩٪ من نسب الزواج، وخضعت ٧٤٪ من النساء بين سن ١٥ ــ ٤٥ لشكل من أشكال تشويه الأعضاء التناسلية والبتر، وهناك تهجير قسرى لآلاف الإثيوبين فى منطقة غامبيلا فقط.

وفي مارس الماضي هاجم وزير الخارجية الأمريكي "أنتوني بلينكن"، الحكومة الإثيوبية، محذرا من استمرار انتهاكات حقوق ‏الإنسان في إقليم تيجراي، بحسب تقرير نشرته شبكة سي إن إن الأمريكية، وقال بلينكن، إن ما يحدث في الإقليم "تطهير عرقي غير مقبول"، مشيرا في إحدى جلسات مجلس النواب ‏أمام لجنة الشئون الخارجية إلى أن ‏‏"التحدي في إثيوبيا مهم للغاية، ونحن نركز عليه بشدة، خاصة ‏الوضع في تيجراي، حيث نشهد تقارير ‏موثوقة عن انتهاكات حقوق الإنسان والفظائع المستمرة". ‏

وردًّا على سؤال من النائب الديمقراطي "كارين باس" عما إذا كان يتصور إرسال قوات حفظ سلام إلى ‏‏المنطقة، قال بلينكن إنه يجب إرسال قوة لا تنتهك حقوق الإنسان ‏لشعب تيجراي أو ترتكب أعمال ‏التطهير العرقي التي تحدث في الجزء الغربي من المنطقة.‏

ودعا كبير الدبلوماسيين الأمريكيين إلى وصول المساعدات الإنسانية غير المقيد إلى المنطقة وإجراء ‏‏تحقيق مستقل في انتهاكات حقوق الإنسان المبلغ عنها، والتي أشار متحدث باسم وزارة الخارجية سابقًا ‏‏إلى أنها تضمنت تقارير عن القتل والاعتداء الجنسي والنهب والتهجير المتعمد للمدنيين والإعادة القسرية ‏‏من اللاجئين.‏

وقال بلينكن خلال الجلسة: "إنه يجب أن يكون هناك نوع من المصالحة، حتى تتمكن ‏‏البلاد من المُضي قُدما سياسيا"، وأضاف وزير الخارجية، أمام لجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب الأمريكى، ‏أن التحدى فى إثيوبيا كبير جدا، والذى يحظى بتركيز شديد من جانبه، خاصة الوضع فى تيجراى، حيث ‏إن هناك تقارير ذات مصداقية شديدة عن انتهاكات حقوق الإنسان وفظائع تحدث.‏

ووصف بلينكن الوضع فى تيجراى بأنه غير مقبول ويجب أن يتغير، وهو ما يعنى بضعة أشياء منها ‏التأكد من الدخول إلى منطقة تيجراى للعاملين فى الإغاثة وغيرهم، وضمان أن يتم الاهتمام بالسكان ‏وتوفير الحماية لهم.‏

بينما قالت ليندا توماس جرينفيلد، سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، أمام مجلس الأمن الدولى فى الرابع ‏من مارس، إن ما يحدث فى إثيوبيا كانت وستظل له تداعيات مدمرة على الآلاف من الأبرياء، ويمثل تهديدا ‏خطيرا للأمن والسلام الإقليميين، ومن المتوقع أن تستحدث إدارة بايدن منصبا جديدا وهو مبعوث خاص للقرن الأفريقى؛ لإدارة استجابة ‏الولايات المتحدة للأزمة فى إثيوبيا.‏

 

وفي نفس السياق، أعلنت الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية في أوائل مارس أنها ستنشر فريق المساعدة ‏‏في الاستجابة للكوارث للاستجابة للاحتياجات الإنسانية المتزايدة الناجمة عن الصراع في منطقة تيجراي ‏‏الإثيوبية.‏

ويحذر مسئولون أمريكيون وخبراء إقليميون من أن الصراع لو تُرك دون مراقبة، يمكن أن يتحول إلى ‏أزمة إقليمية كبيرة، ويسبب زعزعة الاستقرار فى الدول المجاورة لإثيوبيا.. واتهمت الجماعات الحقوقية ‏قواتا من إريتريا بارتكاب مذابح منهجية بحق مئات المدنيين العُزّل فى تيجراى فى نوفمبر، بعد فترة ‏قصيرة من اندلاع الصراع.

 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق