حمدي عبد الرحيم يكتب: ألف لام.. ألف لام.. آخر يوم في الامتحان

السبت، 07 أغسطس 2021 09:00 م
حمدي عبد الرحيم يكتب: ألف لام.. ألف لام.. آخر يوم في الامتحان


كثيرون من الآباء ومعظم الأمهات يجلدون ظهور أولادهم ويجعلون من الدراسة غاية وليست وسيلة
 

يفرح الإنسان (الطبيعي) إذا سمع أو شاهد شيئًا مفرحًا أو كان في ضيق وأكرمه الله بالخروج منه أو حقق إنجازًا ما أو سجل في مرمى الدنيا هدفًا.

هذا ما كنت أظنه من أسباب الفرحة والسعادة، ولكن سامح الله زميلي "السيد الفلاح" مراسل اليوم السابع في الإسماعيلية الذي كتب من مدينته تقريرًا جاء فيه ما نفى ظنوني وأوهامي، قال الفلاح: اختتم طلاب الشعبة العلمية، بالثانوية العامة، في محافظة الإسماعيلية، اليوم الإثنين (الثاني من أغسطس 2021) امتحاناتهم بعد أداء امتحان مادة التفاضل والتكامل، ومادة الجيولوجيا والعلوم البيئية، بإطلاق الألعاب النارية والشماريخ والرقص على الطبل والمزمار البلدي.

وخرج الطلاب معبرين عن سعاداتهم بانتهاء الامتحانات مطلقين الزغاريد، والرقص على أنغام الطبل والمزمار البلدي، كما قام بعض الطلاب بإشعال الألعاب النارية "الشماريخ" في الهواء احتفالا بانتهاء مرحلة الثانوية العامة والتي استمرت عامًا كاملًا ما بين خوف وترقب وسط نظام يطبق أول مرة في تاريخ الثانوية العامة بمصر. ومن جهة أخرى، وزعت بعض الطالبات وعدد من أولياء الأمور، الحلوى على المارة معبرين عن سعادتهم بانتهاء الامتحانات"

نشر الزميل مع تقريره صورًا للاحتفالات العارمة التي غطت شوارع المدينة، فما معنى هذا بربكم؟

كان أبناء جيلي (الذين في طريقهم للستين) يعلنون عن فرحتهم بنهاية موسم الامتحانات، لكن فرحتهم كانت بسيطة بساطة أيامهم وأحلامهم وحتى الضغوط والمسئوليات الملقاة على عواتقهم، في ذاكرتي مراسم الاحتفالات التي لم تكن تزيد عن جري أرعن لطيف ثم الهتاف الجماعي المنغم" ألف لام ألف لام.. آخر يوم في الامتحان "، ثم ينتهي الأمر وننتظر النتيجة التي لم تكن تعني شيئًا أكثر من الانتقال من مرحلة إلى أخرى.

تقرير زميلنا الفلاح يسجل شيئًا مختلفًا، ليس به ذلك الجري الأرعن اللطيف ولا الهتاف المنغم، احتفالات أولادنا طلاب الثانوية كأنها ترديد لأسطورة الإغريق عن سيزيف وصخرته.

تقول الأسطورة: إن الآلهة قد غضبت على المواطن سيزيف، لا نعرف شيئًا عن أسباب الغضب، فأمرته بأن يحمل صخرة ثقيلة جدًا ويصعد بها إلى قمة الجبل، حمل سيزيف الصخرة وصعد بها ولكن ما أن يلامس قمة الجبل ويتهيأ لالتقاط أنافسه حتى يفاجأ بأن الصخرة قد هوت إلى القاع السحيق، فيعيد الكرة مرة ثانية وعاشرة وهكذا.

أصبح الاستشهاد بتلك الأسطورة يدور حول معاناة الإنسان الذي ترميه الأقدار بعمل بدون معنى ثم لا يتمه أبدًا، عمل تافه وأمل معدوم، هل هناك معاناة أقسى من تلك المعاناة؟

رقص وطبل ومزمار بلدي وألعاب نارية وحلوى، تلك كانت مفردات الاحتفال، فهل أصبحت الثانوية العامة كابوسًا مثل كابوس سيزيف؟

في رقبة من نعلق هذا الكابوس؟

هل في رقبة المنظومة التعليمية من ألفها إلى يائها فقط؟

أم على الأسرة دور.

كثيرون من الآباء ومعظم الأمهات يجلدون ظهور أولادهم ويجعلون من الدراسة غاية وليست وسيلة، مع أن العلم كله مجرد وسيلة نرتقي بها في سلم الحياة وعمارة الكون، يقع الولد المسكين المراهق بين سندان المنظومة التعليمية ومطرقة الأسرة، فتتمحور حياته حول الثانوية العامة ومجموعها وكليات قممها؟

ولكن أين شباب بل ومراهقة هذا الولد المسكين؟

الدروس الخصوصية والسناتر التي تلتهم دخل والده تلتهم شبابه هو أيضًا، وليت النتيجة تكون مرضية أو حتى ربع مرضية، وأقسم بالله ربي لقد سمعت طالبة بالثانوي وهي تتلو قوله تعالى " سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ لِلْكَافِرِينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ" فسألتها: ما هي المعارج؟

فقالت بعد طول تفكير: يعني الراجل اللي بيعرج.

فسكت بل خرست، تلك الطالبة قد تحصل على مجموع يؤهلها لكلية القمة التي تحلم بها، فهل تراها قد تعلمت شيئًا أو فقهت شيئًا، هي حفظت فقط ومع مرور الأيام ستسقط ذاكرتها كل ما حفظت فيصبح لدينا مهندسة أو طبيبة لا تعرف شيئًا.

كل تلك العوامل هي التي جعلت طلاب الإسماعيلية وغيرهم يسرفون ويبالغون في إظهار الفرحة بالتخلص من كابوس الثانوية العامة، فهل لنا والحال كما ترى يصبح من الجائز أن نحلم بنهضة تعليمية؟  

 

 

 

 

 

 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق