خناقة شاكوش والبحراوي.. تحويل العقول إلى عبادة التريند

الخميس، 02 سبتمبر 2021 11:31 ص
خناقة شاكوش والبحراوي.. تحويل العقول إلى عبادة التريند
طلال رسلان يكتب:

على مدار الساعات الماضية قلبت خناقة بين المطربين الشعبيين حسن شاكوش ورضا البحراوي مواقع التواصل الاجتماعي رأسا على عقب، وهذا ما حدث حرفيا ودون مبالغة، إلى درجة التغطية على مباراة المنتخب الوطني أمام أنجولا في التصفيات المؤهلة لكأس العالم.

منشور هنا ومنشور هناك، وهاشتاجات تخرج من العدم، وفريق يدافع عن شاكوش الذي خرج في وقت سابق بفيديو يشتم فيه البحراوي من على المسرح كما هو منشور في تفاصيل المعركة، وآخرون انتفضوا من أجل "البحراوي خط أحمر" و"بألف واحد من عينة شاكوش".

بصرف النظر عن أي المطربين أفضل أو كواليس المعركة «الهايفة» المشتعلة على السوشيال ميديا، بتفاصيلها وتحريك أحداثها وصولا إلى قرار نقابة الموسيقيين بوقف المطربين، فإن الأعداد الكبيرة المشاركة في «تريند الخناقة» تؤشر إلى خطر حقيقي، وتفضي إلى عشرات الأسئلة في حاجة ماسة إلى إجابات.. متى خرج كل هؤلاء، ولماذا أصلا يتجمعون على فكرة خناقة بين مطربين شعبيين، إلى أي مدى أصبح العقل الجمعي يلهث وراء التريند والموضوعات على شاكلة خناقة شاكوش وبيكا والبحراوي وغيرهم؟.

بدا المشهد هزليا بكل تفاصيله، الآلاف يدافعون عن البحراوي ضد ما أسموه هجمة شاكوش، عشرات المثقفين وكتاب الرأي أدلو بدلوهم في الخناقة، بغض النظر عن الانحياز إلى أي من الطرفين، لكن الشاهد هنا هو المنحنى المتصاعد نحو تسطيح الفكر والعقول واختيار المعارك التي لا تثمن ولا تغني دون فائدة على المجتمع.

جملة من الدلالات الخطيرة تحملها خناقة شاكوش ورضا البحراوي، أبرزها تشكيل عقل جمعي للجمهور يلهث وراء قوائم الأكثر تفاعلا على مواقع التواصل الاجتماعي، وتجريف الهوية الثقافية، وصولا إلى تسطيح كل شيء وأي قضية ما دامت تخضع للحكم بأرقام الترند وقوائم التفاعل على منصات الإنترنت.

الأخطر من ذلك كله أن خناقة شاكوش والبحراوي لم تكن من نوعية التريندات الوهمية أو اللجان الإلكترونية والحسابات المزيفة، بل إنها اعتمدت منذ البداية على الجمهور العادي وحجزت لها مركزًا في قائمة التريند، أي أن هناك سبق إصرار وترصد دون تدخل من أحد على مشاركة الجمهور بكامل إرادته.

كان ذلك نتيجة واضحة، خلفتها عشرات الآلاف من الفيديوهات التافهة على "تيك توك" و"انستجرام" و"يوتيوب" وغيرها من المنصات، ذلك المحتوى المدمر بكل تفاصيله، ثم ترك الحبل على الغارب فيما يقدم للجمهور، حتى لو كانت إحداهن تظهر من غرفة نومها لتشرح طريقة عمل الكفتة البيتي، ثم تصبح حديث المجتمع.

يقودنا ذلك إلى معركة الوعي، التي تحملها الدولة المصرية على عاتقها، نحو التخلص من آفات المجتمع التي تؤثر على العقول وتغتال الثقافة والأذواق العامة، من خلال ما يقدم من مواد تخلخل موروثات عفى عليها الزمن وتأكل من رصيد عملية بناء العقول على نحو ينقذ المستقبل، ويدفع منظومة التنمية بشكل متكامل.

في وقت ليس ببعيد كانت الخناقات منصبة على المنافسات الحامية في بلاط الطرب الراقي والغناء الهادف بين عمالقة صنعوا تاريخا خالدا في الغناء العربي، ويخرج الجمهور في نهاية الامر بحصيلة لا بأس بها من التذوق الفريد وإعلاء قيمة الكلمات والمعاني بعيدا عن الإسفاف.

أتذكر مقالا للكاتب الكبير كمال الشناوي بعنوان "خناقة بين شوقي والعقاد والمازني حول عبدالوهاب"، يحكي فيه تفاصيل الغيرة بين العمالقة من المطربين والأدباء بعد التقرب والصداقة بين أحمد بك شوقي ومحمد عبد الوهاب، يقول فيه: «كانت نصيحة شوقي التي أسداها لعبدالوهاب وانتفع بها هي أن يصغي أكثر مما يتكلم. ولا يلقي بالا إلى الخناقات التي لا تنفع الجمهور، وقد رأيت عبدالوهاب في مجلس شوقي لا يفتح فمه بكلمة تعليق على ما سمعه من مناقشات وسجالات بين الأدباء".
 
أخرجت لنا تلك المعارك والمنافسات عشرات الآلاف من النصوص الأدبية الرصينة، وحصيلة ضخمة من الأغاني الخالدة، وقبل كل ذلك ذوق عام يشهد له العالم كله.
 
هذه هي التريندات الحقيقية، وهذا ما يستحق جري العقول وراءه، حتى لو اختلفت أذواق الجمهور وآمن كثيرين بواقع أغاني ومطربي المهرجانات، ولكن لا يصل الأمر إلى فرد مساحة ليلة بأكملها، ولا حتى ساعة واحدة، لا ينشغل الناس فيها بغير نتيجة خناقة شاكوش والبحراوي، وتقوم الدنيا وتقعد للصلح بينهما.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق