ماذا لو عاش نجيب محفوظ في عهد الرئيس السيسي؟

الجمعة، 03 سبتمبر 2021 07:45 م
ماذا لو عاش نجيب محفوظ في عهد الرئيس السيسي؟
مصطفى الجمل

حرافيش محفوظ يسكنون الأسمرات.. «حياة كريمة» تضطر الأديب العالمى لزيارة الريف الذي نفر منه.. وخطة الإصلاح الاقتصادي تنال إعجاب صاحب نوبل 

بساطة الرئيس في التواصل مع شعبه تشرح قلب أستاذ الحرافيش.. بهذه الطريقة حقق الرئيس حلم الأديب في فتح المجال أمام الشباب
 
 
 
احتفى العالم أجمع الأسبوع الماضي بذكرى وفاة أديب نوبل العالمي نجيب محفوظ، الحبر الأعظم للرواية العربية ابن حي الجمالية، الذي خصص عمره وأدبه لتجسيد أدق التفاصيل عن الطبقة المتوسطة وما دونها في المدينة المصرية، فكتب عن الموظفين والعمال والبسطاء والمهمشين، وغاص بنا نحن أجيال التسعينيات عبر واقعيته الساحرة تجارب الحياة في الحارة وإن كنا لم نرها بهذه الصورة التي رسمها لنا. 
 
أحاطنا "محفوظ" علما بتفاصيل حياة "الفتونة" التي انتهت قبل مولدنا، وسار بنا في أعماق مأساة الصعاليك والحرافيش، حتى بتنا في كل ذكرى ميلاد ووفاة له نتمنى أن لو أن الله أطال في عمر الأديب العالمي، حتى يرى كيف تغير وجه مصر، على يد رجل من أبناء حيه العتيق «الجمالية». 
 
 بين الرئيس عبد الفتاح السيسي، رئيس جمهورية مصر العربية، ومؤسس الجمهورية الجديدة، والأديب الراحل قواسم مشتركة أكبر من كونهما أبناء حي واحد، يفوح بعبق التاريخ، ويضم أسوار القاهرة وأهم بواباتها، وجاد على مصر برموز أحبوا مصر فوهبوا أنفسهم لخدمتها ورفعة شأنها، ففيه عاش الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، والشيخ محمد متولي الشعراوي، الأديب الكبير جمال الغيطاني والفنان الكبير عبد الوارث عسر بالإضافة إلى عباس محمود العقاد ورسام الكاريكاتير مصطفى حسين، والأديب الكبير الدكتور طه حسين. 
 
الحرافيش بين الرئيس السيسي والأديب محفوظ
 
كرس الأديب الراحل جزء كبيراً من أدبه لنقل صورة للحرافيش لا تقل في جودتها عن الصور المأخوذة حالياً بواسطة أعلى الكاميرات تقيناً، فكلما استخدمت تقنية «الزوم» صُدمت بتفاصيل لا حد لها. كان مشغولاً عن جد بتفاصيل حياة العشوائيات، وهؤلاء الذين لم يرهم أحد ولا يعيرهم أي مسئول اهتمام، فكونوا عالمهم الخاص بقوانين موضوعة من قبلهم، ولا لأحد خارج هذا المجتمع قدرة على كسرها أو تقويمها بما لها وما عليها، حتى باتوا في معزل عن مصر التي على الجانب الأخر، حيث الدولة ونظام حكمها والقصور ومآدب العشاء، ورقصات آخر الليل على ضفاف النيل. 
 
ويبدو أن أبناء هذا الحي جميهم يفطرون على حب الوطن، والانشغال بهمومه بشكل عام وهموم البسطاء منه بشكل خاص، فبعد ثمان سنوات من رحيل الأديب العالمي، خرج من هذا الحي رجل وُلي أمر مصر باستدعاء شعبى، فبادر بتطوير ملف العشوائيات، والقضاء عليها من جذورها، وكأنه يعمل ليحقق أمنية الأديب الراحل في أن يرى مصر بلا عشوائيات، وهؤلاء المهمشون يجدون حياة يتحقق فيها الحد الأدنى من الكرامة. 
 
لو خرج محفوظ من قبره، لوجد هؤلاء البسطاء الذين شغلوه طوال حياته انتقلوا للعيش في حي الأسمرات، حيث المسكن اللائق والخدمات والمرافق الكاملة، والحدائق المنمقة، وجولات الوعي والتثقيف التي لا تنقطع. لو خرج من قبره لشاركهم احتفالاتهم بالانتقال من حيث اللاحياة إلى الحياة الكريمة، التي تليق بهم وبإهمالهم طوال العقود التي سبقت تولي ابن حيه حكم مصر. 
 
نجيب محفوظ يزور الريف بعد «حياة كريمة»
 
مقابل اهتمام نجيب محفوظ الكبير بالحياة في المدينة، إلا أنه تجاهل نقل صورة الحياة في الريف بشكل عام والصعيد بشكل خاص، وكما كانت واقعيته سر تميزه في نقل صورة حية للمدينة وحواريها، كانت أيضاً سبباً في تجاهل الريف، فهو لم يزره سوى مرة واحداً خلال طفولته، ولم يتأقلم معه لأكثر من أسبوع واحد فطلب العودة من الفيوم، حيث منزل عائلة والده الذي كان ينتمي لأسرة (آل عفيفى) بالفيوم، وذهب به لقضاء عطلة الصيف هناك، وكانوا يملكون دوارًا كبيرًا، أمامه حديقة عنب، وبجانبه أرض فضاء واسعة كان يلعب فيها كرة القدم، ورغم استمتاعه بالجو الريفى إلا أنه طلب إعادته إلى القاهرة، ولم يمض على إقامته فى الفيوم أسبوع واحد، وحاولوا إرضائه ليبقى لكنه كان شديد التصميم فأعادوه.
 
كانت تلك هي تجربته الوحيدة فى الريف، وخلال هذه التجربة لم ير الفلاحين ولم يتعمق فى تفاصيل حياتهم، وكان ذلك هو السبب القوي الذى جعله يبتعد عن تناول حياة الفلاح وقضاياه فى رواياته، بعكس الطبقة العاملة المسحوقة في المدينة التي تناولها بشكل مكثف، وهنا كان الريف لا يختلف في حاله عن المدينة المهمشة التي قصدها الأديب الراحل لنقل مأساتها في رواياته، إلا أنه لو كان حياً بيننا الآن لقصده بدلاً من المرة مئات المرات، ليرى ويوثق ويكتب عما يتغير هناك وما يجري تنفيذه من مشروعات من شأنها تطوير الريف المصري عبر مبادرة "حياة كريمة".
 
كان سيضطر محفوظ لزيارة هؤلاء الذين اهتم بهم ابن حيه، وقرر دون النظر إلى عناء الأمر وكلفته، أن يغير حياتهم ويقلبها رأساً على عقب، ويمدهم بالخدمات التعليمية والصحية والمسكن والمأكل والمشرب، بل والتوعية أيضاً. 
 
لم يكن لصاحب نوبل أن يغفل هذا الإنجاز الكبير، كان حتماً سيخصص له بدلاً من المقال عشرة وبدلاً من الفصل مائة في رواياته وأعماله. 
 
نحتاج بشدة أن يبعث صاحب نوبل من مرقده لينقل للعالم هذه الثورة التطويرية الناشبة في الجنوب وفي دلتا المحروسة، نحتاجه بشدة ليرى العالم ويقرأ عن هذا المشروع الأكبر في تاريخ الإنسانية، نحتاج بعثه ليرى محفوظ كيف خرج من ذلك الحي الذي كان يعتز به رجل غير المدينة والريف على حد سواء.
 
السيسي .. الرئيس الذي حلم به محفوظ 
 
لا خسارة لمصر أكبر من أن نجيب محفوظ توفاه الله قبل أن يرى من جيرانه رجلاً يحكم مصر بتلك الطريقة التي حلم بها وعبر عنها في كافة مقالاته ورواياته، ذلك الرئيس الذي يشعر بأنين شعبه فينزل إليهم حيث يستغيثون ليغيثهم، ويخفف عنهم آلامهم، ويحقق أحلامهم التي كانت قبل ظهوره أغرب من الخيال.
 
لا خسارة أكبر من أن صاحب نوبل لم ير رئيساً استحق بأفعاله لا شعاراته لقب جابر الخواطر، لما أرساه من مبادئ تكشف عن معدنه الثمين، وجوهره الذي يدفعه دفعاً للاهتمام بالإنسان فتجده يتواصل مع الجميع ويشعر ويحس ويتجاوب مع مشكلات المواطن البسيط فضلا عن تقديم. 
 
كان سيبتهج الأديب الراحل بصورة ابن حيه الذي يحكم مصر وهو يعتذر للسيدة التي جرى التحرش بها في ميدان التحرير، وكذلك يستقبل في قصر الرئاسة الحاجة زينب المسنة ليشكرها على تبرعها بقرطها إلى صندوق «تحيا مصر»، إذ لم تجد ما تتبرع به سواه، إلى آخر المواقف التي باغتنا بها الرئيس للبرهنة دون قصد منه على فلسفته في حكم مصر، وهو الميل أولاً وأخيراً لذلك المواطن الذين كان يعاني من التهميش قبل أن يولي الله أمر مصر لرجل يعرفها ويعرف طبيعة أهلها حق المعرفة. 
 
مصر سند العرب في حلم الأديب والرئيس 
 
كان يرى الأديب تماما كما يرى الرئيس السيسي، ضرورة للتكامل العربي، الذي يمهد لخلق أمة قوية، تعتمد على أمرين هامين الأول أن تكون هناك خطة شاملة لجميع الأوطان العربية، يشترك في إعدادها جميع الخبراء العرب وبعض بيوت الخبرة العالمية تستهدف استصلاح كل شبر من الأرض والنهوض بالصناعة في جميع مجالاتها، وإعداد مراكز البحث العلمي والثقافي. 
 
الرئيس يحقق حلم الأديب في فتح المجال أمام الشباب 
 
حلم الأديب الراحل للشباب بحياة سياسية وعامة فيها قدر كبير من حرية التعبير عن الإبداع والرأي، فكتب في إحدى مقالاته المنشورة بجريدة الأهرام، يتصور فيها أن الطفل في بلادنا يحظى في بيته بحنان أبويه، وأنه يجد بعد ذلك في مدرسته جواً صحياً وتعليماً مفيداً، وتربية رشيدة دينية ووطنية، وكان يتصور أيضاً أن هذا الشاب يستعد ويؤهل بحق لحياة عملية ناجحة في سبيل حرفة أو مهنة، وأن المستقبل ينبسط أمامه واعداً بالنجاح على قدر اجتهاده، وبإشباع حاجاته الأساسية كالزواج من النطاق المتاح من إمكاناته ولنتصور أيضاً أن نشركه في مسؤوليات الرأي والحوار ومسؤوليات البيت والحياة.
 
وهذا ما ترجمه الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى قرارات بتطوير منظومة التعليم في مصر، ومناشدته مرارا وتكراراً الاهتمام بصحة الأطفال وقياس وزنهم، وإصداره قراراً بالكشف على جميع طلبة المدارس لاكتشاف الأمراض المزمنة وعلاجها، فضلاً عن إنشاء الأكاديمية الوطنية للتدريب، تؤهل الشباب المميزين لسوق العمل والقيادة، فضلاً عن دعمه تجربة تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين، التي طورت كثيراً من الحياة السياسية، وضمت الفرقاء على طاولة واحدة وحاربت الاستقطاب السياسي، ومباركته مؤخراً تدشين اتحاد شباب الجمهورية الجديدة، وتكريمه على مدار السنوات الماضية كل من يثبت براعة وعبقرية في مجال ما، ودعمه الجهاز الإداري بعدد من الشباب المؤهلين حقاَ للقيادة، ودعمه تواجد الشباب في السلطة التشريعية. 
 
الرئيس يحارب الفساد الذي اشتكى منه محفوظ 
 
في مقالة «المجرم الحقيقي» يؤكد الأديب أن الفساد ظاهرة اجتماعية لا تخلو منه بيئة، يقترف خفية، وما إن تلمحه عين القانون حتى يضبط في مكمنه، وينال ما يستحق من العقاب، أما إذا تعرض القانون نفسه للعلل فهان أو ضعف، فالفساد ينطلق من عقاله كالوحش دون وازع أو رادع، ولا يهون القانون كما يهون في ظل حكم الفرد المطلق، أو الدكتاتورية، ونتيجة لذلك فإن أهل الخطوة والمقربين يفتح أمامهم مجال الإغراء بلا حدود، وتمتحن طبيعتهم البشرية امتحاناً قاسياً قل أن ينجو من مهالكه أحد، فإذا استجابوا للإغراء سقطوا بلا ضابط، وتمادوا بلا وازع، فأصبح الفساد على أيديهم دولة في الدولة ولو برئ الحاكم مما يفعلون، ويجب أن نستخلص من مآسينا دروسها لننتفع بها، وأن نقتنع بأنه آن الأوان لإعادة النظر في قوانيننا و لتنقيتها من أي شائبة يمكن أن تكون مدخلاً لتزييف إرادة الأمة ومصادرة حقها المشروع في أن تكون مصدر السلطات والرقيب عليها.
 
لم تتوقف يوما تأكيدات الرئيس عبد الفتاح السيسي، على تمسك الدولة، بفرض سيادة القانون على الجميع، وترسيخ قيم النزاهة ورفض جميع صور وممارسات الفساد، وتشديده على أن المسار الذي تنتهجه الدولة في هذا الشأن يعد إحدى ركائز الحكم الرشيد، منذ بدء مسيرة التنمية، من أجل مستقبل أفضل للمصريين. 
وشهدت مصر صحوة كبيرة في مجال مواجهة الفساد، منذ أن أطلق الرئيس عبد الفتاح السيسي، الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد في 2019-2022، خلال فعاليات منتدى إفريقيا 2018،  بهدف تكثيف جهود ضبط وقائع الفساد داخل مؤسسات الدولة، والمخالفات التي يرتكبها الموظفون العموميون على اختلاف مناصبهم، واتخاذ الإجراءات القانونية حيالها.
 
نجيب محفوظ وإصلاح الرئيس الاقتصادي  
 
 حلم الأديب الراحل لمصر بتنمية شاملة، عمل الرئيس عبد الفتاح السيسي بعد توليه حكم مصر، فذكر أستاذ الحرافيش في مقالة منشورة بالأهرام أيضاً «الهدف الأول» أن خطة التنمية الشاملة هي أهم أمانة نحملها في هذه الفترة من تاريخنا، هي مخرجنا من أزمة معقدة متشعبة، ومدخلنا إلى الانطلاق والحضارة، وهي صندوق حاو لهمومنا جميعا : اقتصادية، اجتماعية، ثقافية، ينتظم مفردات مختلفة ومتكاملة في آن واحد : زراعية، صناعية، تعليمية، صحية وترفيهية فلا يجوز في هذه الفترة الحرجة أن نتسامح مع الإهمال، أو التراخي والتسيب أو النزاهة والأمانة، ناصبين من أنفسنا نقاداً لأنفسنا قبل أن ينقدنا الآخرون.
 
وأكمل أنه يجب أن نقرر ما هو مطلوب منا كي نتحرر من الإعانات والقروض، واضعين في حساباتنا واجبات الشباب في شتى مراحله التعليمية والعلمية، والتضحيات الواجبة على كل مواطن على قدر طاقته، فلا عيب أن نعتبر أنفسنا في مأزق، وما أجدر الذين يعانون المآزق بالتضامن والتعاون والإخلاص في العمل، والارتفاع بأفكارهم وعواطفهم إلى مستوى التحديات العنيدة، فالتحديات تتجدد في رحابها الحضارات أو تبيد، وعلينا أن نختار الوجود ولا بديل عن ذلك.
تحدث نجيب محفوظ عن خطة التنمية الشاملة، وكأنه يتحدث عن خطة الإصلاح الاقتصادي التي تبناها الرئيس عبد الفتاح السيسي، ونفذها ليحقق لمصر استقراراً اقتصاديا حافظ لها على معدلات النمو في ظل انهيار العالم كله اقتصادياً في ظل جائحة كورونا. 
 
لو أن نجيب حياً لكتب عن عبقرية الرئيس وشجاعته في مواجهة تلك التحديات التي تواجهها مصر. 
 
 
 
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة