"القاهرة-بغداد".. تأكيد للاستراتيجية المصرية ببناء الأمن القومى العربى ليكون مصير العرب ومستقبلهم بأيديهم

السبت، 04 سبتمبر 2021 06:02 م
"القاهرة-بغداد".. تأكيد للاستراتيجية المصرية ببناء الأمن القومى العربى ليكون مصير العرب ومستقبلهم بأيديهم
يوسف أيوب

مصر 30 يونيو ايقظت العرب وأنهت التأثيرات السلبية لعدم الاستقرار واعادت العراق وسوريا وليبيا لمكانتهم القوية

دعوة الرئيس السيسى للعراقيين بالمشاركة في الانتخابات واختيار مستقبلهم رسالة عابرة لكل الشعوب العربية 

التعاون الثلاثى المصرى الأردني العراقى آلية عابرة في قراراتها وتأثيراتها للدول الثلاثة لتعزيز العمل العربي المشترك

مصر الدولة المحورية التي تحمل الرقم الصحيح المكافئ لمعادلتي الاستقرار الإقليمي والدولى

"أيها الشعب العراقى العظيم.. أنتم أمة عريقة ذات مكانة وحضارة وتاريخ.. ولديكم تنوع وتعدد وتعداد.. حديثى إليكم اليوم وندائى.. حافظوا على بلدكم.. ابنوا وعمروا وتعاونوا.. وشاركوا.. ابنوا مستقبلكم ومستقبل أبنائكم.. عمروا مدنكم ومزارعكم ومصانعكم.. تعانوا فيما بينكم من أجل المستقبل.. شاركوا في أختيار من يقودكم إلى الامام.. الانتخابات مسئولية عظيمة في بناء مستقبل الدول.. أيها الشعب العظيم.. يستحق العراق بكم المكانة الرفيعة.. يستحق العراق بكم الرقى والتطور والاستقرار والآمال السلام .. ادعو الله لنا ولكم بالتوفيق والسداد".. كانت هذه هي الرسالة التي ختم بها الرئيس عبد الفتاح السيسى، كلمته السبت الماضى خلال مشاركته في مؤتمر "بغداد للتعاون والشراكة"، الذى عقد في العاصمة العراقية بغداد.

رسالة جاءت في توقيتها، وتحمل الكثير من المعانى، والتأكيدات أيضاً، التي لا تخص العراقيين فقط، وإنما تعم كل الشعوب العربية التي عانت من ويلات الماضى، وأثاره المدمرة.

نعم هي رسالة وحديث خاص توجه به الرئيس السيسى إلى الأشقاء في العراق وهم مقبلين على انتخابات مفصلية في مسيرتهم السياسية، لكنها في المجمل هي رسالة لكل الشعوب العربية، تدعو إلى التكاتف الداخلى لبناء أوطانهم، من خلال حسن اختيار ممثليهم في أي انتخابات داخلية، وأن يكونوا أداة للبناء وليس معول للهدم.

هذه الرسالة جاءت ضمن سياق الاستراتيجية التي تبنيها مصر السيسى، تجاه أشقائها العرب، والتي تعلى من قيم السلام وبناء الأوطان بقدرات وسواعد أبناءها، وهو ما تعمل عليه مصر على أرض الواقع.

المتابع لكافة التحركات المصرية طيلة السنوات القليلة الماضية والتي أعقبت ثورة 30 يونيو 2013، وبعدها بانتخاب الرئيس السيسى رئيساً لمصر، سيجد أن كافة هذه التحركات تصب في صالح بناء الأمن القومى العربى وفق مفاهيم جديدة، تعتمد في الأساس على مجموعة من الأسس والمعايير الوطنية، التي تستبعد أي تدخلات خارجية، ليكون مصير العرب ومستقبلهم بأيديهم وليس بأيدى غيرهم، لذلك مدت مصر يديها لكل الأشقاء العرب، وفتحت صفحة جديدة مع الجميع، حتى من أساءوا لمصر وللشعب المصرى، فقد كان ولا زال الهدف الذى تسعى له القيادة المصرية هو تأسيس مفاهيم عربية جديدة.

ومن هنا جاءت مشاركة الرئيس السيسى في مؤتمر "بغداد للتعاون والشراكة"، في إطار حرص مصر على دعم عودة العراق الشقيق لدوره الفاعل والمتوازن على المستوى الإقليمي، ولضمان أمنه واستقراره.

والناظر إلى قمة بغداد الأخيرة سواء من خلال موضوعها أو المشاركين بها، سيجد أنها تؤسس لمرحلة جديدة تشهد متغيرات إقليمية ودولية، تعتمد في الأساس على إزالة أثار الماضى، التي تراكمت بسبب عدم الاستقرار السياسي الذى كان المسيطر على كل دول المنطقة أيا كان وضعها، فعلى مدار عقدين من الزمان شهدت المنطقة تقلبات سياسية واستراتيجية كادت أن تعصف بالهوية والمكانة العربية، لصالح قوى أخرى ارادت أن تجد لنفسها موطئ قدم وتأثير وسيطرة على حساب المكون العربى، وكادت هذه السياسة أن تحقق مبتغاها التدميرى، بعدما عانت العراق من ويلات الاقتتال الداخلى وسيطرة الجماعات الإرهابية وعلى رأسها تنظيم داعش، بالإضافة إلى انتقال صناعة القرار العراقى من بغداد إلى عواصم أخرى أقليمية، بما وضع العراق في مهب الريح. كما أريد لسوريا أن تذوق نفس المصير، ومعها دول عربية أخرى سواء اليمن أو ليبيا أو السوان، وبالطبع كانت مصر هي الجائزة الكبرى التي أرادوا لها أن تكون خانعة وقابعة، والا يكون لها صوت.

لكن بفضل اليقظة العربية، التي أقول بكل ثقة، أن مصر "30 يونيو" كانت السبب والمحرك الرئيسى لها، تلاشت تأثيرات هذه التحولات تدريجياً، فالعراق اليوم تستعيد بريقها، كما أن سوريا تعود إلى سابق قوتها، وليبيا في الطريق ومعها دول عربية أخرى أريد لها من قوى خارجية أن تكون متشرذمة ومقسمة لدويلات صغيرة. حدث هذا التحول بفضل اليقظة والفطنة والتحركات المصرية، التي وضع أسسها الرئيس السيسى منذ 2014 ومستمرة معنا حتى اليوم، وهو ما أكد للجميع أن مصر هي الدولة المحورية التي تحمل الرقم الصحيح المكافئ لمعادلتي الاستقرار الإقليمي والدولى.

وإذا تحدثنا عن مؤتمر بغداد، والذى شهد مشاركة مميزة، فقد انتهى إلى بيان ختامى أكد على "دعم جهود الحكومة العراقية فى تعزيز مؤسسات الدولة وفقا للآليات الدستورية وإجراء الانتخابات النيابية الممثلة للشعب العراقى، ودعم جهود العراق فى طلب الرقابة الدولية لضمان نزاهة وشفافية عملية الاقتراع المرتقبة"، بالإضافة إلى الإثناء على "جهود العراق وتضحياته الكبيرة فى حربه على الإرهاب بمساعدة التحالف الدولى والاشقاء والاصدقاء لتحقيق الانتصار، ورحبوا بتطور قدرات العراق العسكرية والامنية بالشكل الذى يسهم فى تكريس وتعزيز الامن فى المنطقة، مجددين رفضهم لكل انواع واشكال الإرهاب والفكر المتطرف"، مؤكدين في الوقت نفسه "أكد المشاركون على دعم جهود حكومة جمهورية العراق فى اعادة الاعمار وتوفير الخدمات ودعم البنى التحتية وتعزيز دور القطاع الخاص، وكذلك جهودها فى التعامل مع ملف النازحين وضمان العودة الطوعية الكريمة إلى مناطقهم بعد طى صفحة الإرهاب".

لكن الشئ اللافت في البيان الختامي للمؤتمر هو إقرار المشاركين بأن "المنطقة تواجه تحديات مشتركة تقتضي تعامل دول الاقليم معها على اساس التعاون المشترك والمصالح المتبادلة، ووفقا لمبادئ حسن الجوار وعدم التدخل فى الشؤون الداخلية للدول واحترام السيادة الوطنية".

هذه النقطة كانت محور كلمة الرئيس السيسى في المؤتمر، حينما طالب "الالتزام بالمبادئ الثابتة في العلاقات الدولية، والتي لا خلاف عليها، وهي حسن الجوار، وعدم الاعتداء، والاحترام المتبادل لسيادة الدول، والامتناع غير المشروط عن التدخل في شئونها الداخلية، والتوقف عن سياسة فرض الأمر الواقع باستخدام القوة العسكرية أو المادية، فضلاً عن عدم توفير ملاذات آمنة أو أي شكل من أشكال الدعم للجماعات الإرهابية والمتطرفة أو نقل عناصرها من دول إلى أخرى".

ومعنى أن الدول المشاركة في المؤتمر أمنت بها، وضمنتها في البيان الختامي، أنها ستكون محور نقاش واهتمام للتنفيذ على أرض الواقع، وانها ملزمة لكل الدول التي شاركت في المؤتمر، وما أكثرهم محاولة للتدخل في الشأن العراقى، مما أدى إلى زيادة تعقيداته وأزماته، فقد تابعنا خلال الفترة الماضية، كيف تسعى دول إقليمية وأخرى دولية لتقويض أمن واستقرار دول أخرى فاعلة في المنطقة، وعلى رأسها العراق، على أساس أن قوة العراق سينتقص من رصيد هذه القوى التي تريد لنفسها الهيمنة والسيطرة، لكن على العكس تماماً من هذه الروئ التخريبية والتدميرية، تسير مصر وفق المنهج والسياسة التي وضعتها لنفسها منذ البداية، وهى أن قوة الأقليم في قوة دوله واستقراره، وأن الأمن القومى العربى يتطلب أن تكون كل الدول العربية مستقرة سياسيا واقتصادياً، لإن أي أنهيار يصيب دولة عربية سيكون له تداعيات سلبية جمة على الأمن القومى العربى في مجمله، لذلك لم يكن مستغرباً أن تكون مصر هي المبادرة لدعم أمن واستقرار الدول العربية، وفى مقدمتها الدول الفاعلة في الإقليم، وعلى رأسها العراق، حيث أكد الرئيس السيسى في أكثر من مناسبة أن الدعم المصرى المستمر للعراق هو تعزيز للثوابت الراسخة للسياسة المصرية بدعم العراق وتعظيم دوره القومي العربي، وهو الأمر الذى أكد عليه زعماء العراق، فرئيس وزراء العراق مصطفى الكاظمى، أكد خلال لقاءه الرئيس السيسى السبت الماضى "تقدير بلاده للجهود المصرية الداعمة للشأن العراقي على كافة الأصعدة، والتطلع لتعزيز أطر التعاون مع مصر، سواء على المستوى الثنائي أو في إطار آلية التعاون الثلاثي مع الأردن، وذلك للاستفادة من تجربة النجاح المصرية الملهمة على صعيد بناء مؤسسات الدولة وتحقيق التنمية المستدامة والمشروعات القومية ونقلها إلى العراق، خاصةً في مجال البنية التحتية والطاقة الكهربائية، فضلاً عن تعزيز مجالات التعاون الاقتصادي والتجاري والاستثماري، مع تثمين الدور المصري الداعم للعراق، والذي يمثل عمقاً استراتيجياً لبلاده على المستوين الإقليمي والدولي، لا سيما فيما يتعلق بمواجهة التحديات المشتركة، وعلى رأسها مكافحة الإرهاب وتحقيق الأمن والاستقرار والتنمية".

ومن خلال متابعة راصدة للموقف المصرى الداعم لأمن واستقرار العراق، ضمن سياسة تقوية الأمن القومى العربى، سنجد أن الدولة المصرية وضعت امامها مجموعة من الأسس والأهداف التي تؤكد نظرتها للعراق القوى والفاعل، ففي 26 يونيو الماضى، وصل الرئيس السيسى إلى بغداد في زيارة وصفت وقتها بالتاريخية كونها الأولي من نوعها منذ ٣٠ عاماً لرئيس مصري، ومع هذه الزيارة وما سبقها من تحركات وما تلاها من إجراءات مصرية، أمكن تحديد السياسات المصرية تجاه العراق وهى:

دعم تحقيق استقرار العراق واستعادة مكانته التاريخية ودوره العربي والإقليمي الفاعل، وترسيخ موقعه في العالم العربي.  مصر تقف سنداً ودعماً لجهود الحكومة العراقية نحو تقوية الدولة الوطنية ومؤسساتها بما يمكنها من الاضطلاع بمهامها في صون أمن واستقرار العراق، وحماية مقدرات شعبه ووحدة أراضيه.ترفض مصر كافة التدخلات الخارجية في شئون العراق والاعتداءات غير الشرعية على أراضيه.تدعو مصر مختلف القوى لاحترام سيادة هذا البلد العريق وخيارات شعبه، فللجميع مصلحة في أن يقوم العراق بالدور المنوط به عربياً وإقليمياً.أن آلية التعاون الثلاثي بين مصر والعراق والأردن تترجم الإرادة السياسية للدول الثلاث إلى واقع ملموس من حيث تعزيز مفهوم العمل العربي المشترك وتعظيم التشابك بين مصالح شعوبنا من خلال مسارات عملية ومدروسة للتعاون يشعر بها المواطن العراقي وأشقاؤه الأردنيون والمصريون.

ولنا في هذه الآلية وقفة، فهي نواة لتجمع أكبر متسع حينما تتوافر الظروف الملائمة لذلك، وقد جاءت هذه الآلية بمبادرة مصرية، تعتمد في الأساس على تقوية دعائم التعاون والتنسيق العربى، الذى ستعم فوائده السياسية والاقتصادية على بقية الدول، فهى آلية عابرة في قراراتها وتأثيراتها للدول الثلاثة، من خلال تنفيذ المشروعات الاستراتيجية خاصةً على المستوى السياسي والأمني، وتعزيز مجالات التعاون الاقتصادي والتجاري والاستثماري، لتأسيس مرحلة جديدة من التكامل الاستراتيجي بين الدول الثلاث، قائمة على الأهداف التنموية المشتركة، لا سيما في ضوء الروابط التاريخية والشعبية المتينة بينهم، والانطلاق نحو آفاق واسعة من الشراكة الاستراتيجية الممتدة تهدف بالأساس لتعزيز العمل العربي المشترك، وذلك في إطار مستدام من التكامل الاقتصادي والتعاون الاستراتيجي، خاصةً في ظل التحديات المشتركة التي تواجه الدول الثلاث.

وتعتمد هذه الآلية على تكثيف التشاور والتنسيق بين الدول الثلاث حول أهم قضايا المنطقة، في ظل التطورات الدولية والإقليمية المتلاحقة، والتي تستلزم التعاون المتبادل لمواجهة التحديات والأخطار المشتركة، خاصة مع التدخلات الإقليمية المرفوضة التي تهدد الأمن القومي العربي، وهو الأمر الذي يستلزم معه التكاتف وتوحيد الصف العربي، خاصة في مواجهة القضايا الملحة وفى مقدمتها جهود مكافحة الإرهاب والفكر المتطرف.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق