دولة الوعي.. تهزم مخططات التخريب والتدمير

السبت، 04 سبتمبر 2021 09:00 م
دولة الوعي.. تهزم مخططات التخريب والتدمير
محمود على

تحصين المجتمع من الفهم الخاطئ والمعرفة.. الفن والثقافة سلاح نجح في مواجهة بؤر التطرف وتزييف الحقائق

"ليس خافيًا على أحد أن العالم قد شهد خلال العقد الأخير أحداثًا غيرت مسار دول كانت تنعم بالأمن والاستقرار، مما أحدث جرحًا غائرًا في صدر مفهوم الدولة الوطنية من الصعب أن يلتئم أو تعود تلك الدول إلى سابق عهدها في المستقبل القريب، وكانت المنطقة التي نعيش فيها هي بؤرة كل هذه الأحداث فاندلعت شرارة التخريب والتدمير وانتهكت سيادة تلك الدول وأصبح قـرارها الوطني يتخذه غيرها، وقد فطنت مصر لكل هذه الأحداث والتطورات، فبنت سياجًا متينًا من القوة والوعي والإدراك حصنت به شعبها بدعم من جيشها صاحب العقيدة الوطنية التي تربى عليها وهي الولاء المطلق للأرض أرض مصر وشعب مصر".. كانت هذه جزء من الكلمة التي القاها الرئيس عبد الفتاح السيسى 9 مارس الماضى خلال مشاركته في الندوة التثقيفية 33 للقوات المسلحة (يوم الشهيد).

هذه الكلمة جددت تأكيد الرئيس للجميع على أهمية بناء سياج من الوعى يحمى الشعب المصرى من مصادر الفتن والتدخل الخارجي، وجاءت لتكشف عن اهتمام الدولة بقضية الوعي، كونها مصيرية وتحدد مسار الدول ومستقبله، فعدم الاهتمام بهذا الملف أسقط دول، وكاد أن يزيح أخرى من على الخريطة، وأشعل الصراع بداخل عدد من البلدان، وقسم بعضا آخر إلى أقاليم.

وشهدت المنطقة العربية تحديات عديدة في هذا الملف خلال العقد الماضي، فمنذ أن انطلقت ثورات الربيع العربي في تونس ومصر ودول أخرى، بدأ الحديث عن مدى أهمية قضية الوعي، في مقاومة أي مؤامرات خارجية وداخلية تستهدف إسقاط الدول.

وربما أكثر الدلائل على أهمية هذا الملف، وهو ما شهدته مصر من أحداث خلال الـ 10 سنوات الماضية، كان غياب الوعي فيها من جانب جزء كبير من الشعب عاملاً رئيسياً في أن يضع الدولة بموقف صعب ومحرج في الكثير من الأحيان، لتستغل ذلك جماعات متطرفة أرادت أن تركب الموجة الثورية فقط من أجل إسقاط الدولة وتحقيق مشروعها الفوضوي في المنطقة انطلاقاً من القاهرة.

وتمثلت التحديات التي شهدتها مصر في العقد الماضي، وخاصة في أعقاب ثورة يناير 2011، في عدم الوعي والمعرفة من قبل الكثير من المواطنين، بما يدور حولهم من مؤامرات واستغلال للأحداث من قبل قوى الشر لاستهداف عمق الدولة وإسقاطها، فرفع شعارات واهية من قبل البعض، بعد الثورة ومنهم جماعة الإخوان الإرهابية لاستقطاب جزء كبير من الشعب، كان كاشفاً عن حجم المعركة، ولم يكن الكثير قادراً على فهم الأحداث وأن هناك استغلال لذلك لتحقيق أطماع وأهداف ربما تصل لإسقاط الدولة، إلا بمرور الوقت وفضح ممارسات الجماعة ومشروعهم التخريبي ليس داخل مصر فقط بل في الوطن العربي بأكمله من شرقه لغربه.

الوقت الذي شهد سقوط القناع عن استغلالية الإخوان لعدم الفهم والمعرفة، هي فترة ما بعد أحداث ثورة 30 يونيو 2013، عندما نرى التحريض علانية من قبل الجماعة برفع السلاح ضد الدولة وإشاعة الفوضى وتخريب المؤسسات وشل حركتها بهدف عودة حكمها، وتنفيذ ذلك من قبل بعض المغيبين دون وعي بخطورة الأمر، وهذه مسألة عكست غياب المعرفة ليس فقط المسؤول عنها رب الأسرة بل الدولة بأكملها من حيث الاهتمام بالتعليم والإعلام والفن وهكذا.

لم تقف المعركة هنا، فالهدم وانتشار الفكر المتصادم مع تطوير الدول استمر رغم إسقاط الجماعة، بل واتسعت الحرب خارجيًا وداخليًا، وكان في مقدمتها وأبطالها وسائل إعلام معادية ومنصات على السوشيال ميديا موجهة، هدفها تشويه الدولة والتركيز على أي سلبيات تقلل من حجم الإنجازات، بل واتخذت هذه المنصات التي أدارتها غرف الجماعة من الخارج الشائعات والأكاذيب طريقاً لتحقيق هذا الهدف مستغلة أيضاً عدم الوعي والمعرفة لدى الكثيرين.

استخدمت الجماعات المتشددة وعلى رأسها الإخوان في حربها ضد الدولة المصرية، كافة الأساليب الهدامة ومنها العمليات الإرهابية، ولكن الأمن المصري نجح في تحجيمها، بفعل الضربات الاستباقية وشل حركاتها من المنبع، ما دفع الجماعة إلى استخدام الآلة الإعلامية لهدم مؤسسات الدولة وإسقاطها، بعد زعزعة استقرارها وثنيها عن المضي في التنمية والتطوير في أعقاب ثورة 30 يونيو، لذا كان الطريق الوحيد هو حملات التشكيك والتخويف من كل شيء تنجزه الدولة، فمثلا عندما تنفذ الدولة أي مشروع تنموي، كان يأخذ حجماً كبيراً من التغطية في صفحات الجماعة ليس لكشف أهدافه بل لتشويهه والتشكيك فيه، بل وتصويره على أنه يستهدف شريحة معينة، ولا يخدم الجميع.

هذا التشكيك والهجوم المستمر على الدولة لهدمها، لم يقاومه ويتصدى له إلا سلاح الوعي الذي من خلاله سيحافظ المصريين على مكتسبات المرحلة الراهنة، وعدم العودة لزمن الفوضى والتخريب مرة أخرى.

الرئيس السيسى عندما تحدث عن هذه المعركة استعرض خطورتها، فقال صراحة: "إن الخطورة في استهداف الدولة، حيث يتم تدمير الدول، وهناك نماذج دول أمامنا كانت شكل ثاني، وعندما تسقط الدولة ويسقط النظام يبدأ العبث بمقدرات ومستقبل الدول".

وعن خطوات الإصلاح وتحركات الدولة في هذا الملف، أكد الرئيس السيسى "أتصور أن قضية الوعى بمفهومها الشامل شيء هام، وتكلفة الإصلاح هائلة، يدفعها المصلح، ولا يمكن أن يكون المصلح محل رضى من الآخرين حيث يتحدث عكس الطبيعة ومسار الناس، والإصلاح عمل الأنبياء والرسل"، لافتاً إلى "إن الدولة مستعدة لتقديم دعم ضخم لتقديم أعمال فنية لبناء الوعي المصري"، موضحاً "أن القضايا كثيرة فهناك قضية الفهم أي فهم التحدي، وتحدى إسقاط الدول وليس الأنظمة".

وأردف الرئيس السيسى: "عند الحديث عن قضية تطوير التعليم قعدنا سنين طويلة نقول نريد تطوير التعليم ودخلنا نأخذ خطوات، والمستقر على مدى الـ40 سنة اللي فاتوا أصبح حالة مصرية في مسار التعليم لأولادنا.. والهدف الآن من تطوير التعليم أننا نعمل تطوير حقيقي لبناء شخصية حقيقية تؤهلك لسوق العمل، وبعد كل هذا نجد من يصور ذلك كأن الدولة ضد أولادها"، مشيراً إلى أن الدولة المصرية تستغرق سنوات طويلة في مواجهة تحدياتها، وتظل هناك تحديات أخرى قائمة وستتغلب عليها الدولة مرة أخرى، مردفا: "هي الدنيا كده".

حديث الرئيس، عكس الوعي الحقيقي بحجم المخاطر التي تتعرض لها الدولة المصرية، وهو ما أشاد به إعلاميين وسياسيين، أكدوا على ضرورة اتخاذ خطوات في هذا الملف، أبرزها تدريب المتحدثين في الجهات الرسمية على التعامل مع مواقع التواصل وآليات تصحيح المعلومات المغلوطة بجانب وضع تشريعات تنظم التعامل مع مواقع التواصل الاجتماعي.

كان من بين هؤلاء المتحدثين عن هذه المعركة في الفترة الأخيرة، وهو نقيب الإعلاميين، طارق سعدة الذي أشار إلى دور الإعلام المصري في قضية الوعي، التي اعتبارها مهمة جداً كونها تجنب المجتمع الكثير من الأخطاء والمشكلات.

وكان للإعلام في الفترة الأخيرة، دوراً مهماً في رفع درجات الوعى لدى المواطنين من خلال تقديم المواد العلمية و التثقيفية والإخبارية والسياسية والدينية والاجتماعية الحقيقية والصادقة، وفق ما أكده طارق سعدة.

الحديث أيضاً شمل التثقيف في هذه المعركة المهمة ودور المثقفين لتعزيز الوعي والمعرفة، فقال وكيل لجنة الإعلام والثقافة بمجلس النواب عضو تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين أن القضية الأولى لدى المثقفين والمعنين بالملف الثقافي هي معركة الوعي مشيرا إلى وجود مساندة قوية لكل جهود الدولة للارتقاء بالوعي الوطني .

الدور التوعوي من خلال الإعلام والتعليم والثقافة كان له أهمية قصوى في هذه المعركة، ولكن التشريع وسن قوانين جديدة لعقاب وردع كل من تسول له نفسه، استخدام سلاح الشائعات لضرب الدولة، مستغلا عدم معرفة ووعي البعض، انتبهت له الدولة بشكل واضح في السنوات الماضية، وهو ما دفع المشرع إلى إصدار "قانون مكافحة الجرائم الإلكترونية، الذي صدق عليه الرئيس السيسي في نهاية العام قبل الماضي".

وتنص المادة رقم 80 (د)"يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر ولا تزيد على خمس سنوات وبغرامة لا تقل عن 100 جنيه ولا تجاوز500 جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين كل مصري أذاع عمداً في الخارج أخباراً أو بيانات أو إشاعات كاذبة حول الأوضاع الداخلية للبلاد، وكان من شأن ذلك إضعاف الثقة المالية بالدولة أو هيبتها واعتبارها أو باشر بأية طريقة كانت نشاطاً من شأنه الإضرار بالمصالح القومية للبلاد، وتكون العقوبة السجن إذا وقعت الجريمة في زمن حرب.

وواصلت الدولة جهودها في ملف الوعي، بإصدار قانون تنظيم الصحافة والإعلام والمجلس الأعلى في عام 2018، والذي يحظر على الصحيفة أو الوسيلة الإعلاميـة أو الموقع الإلكتروني، نشر أو بث أخبارً كاذبة أو ما يدعـــو أو يحرض على مخالفة القانون أو إلى العنف أو الكراهية، أو ينطوي على تمييز بين المواطنين أو يدعو إلى العنصرية أو التعصب أو يتضمن طعنًا فب أعراض الأفراد أو سبًا أو قذفًا لهم أو امتهانا للأديان السماوية أو للعقائد الدينية.

كما كان دور السينما والدراما قوياً في ملف الوعي وتشكيله لدى المواطنين، خلال السنوات الماضية، عندما اتخذت الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، خطوة مهمة لتسليط الضوء على بعض الفترات المهمة التي شهدتها مصر، لتظهر مدى التحديات التي واجهتها مؤسسات الدولة، ساعية لتصحيح المفاهيم الخاطئة عند البعض، وإظهار الجانب المخفي من الحقيقة مقدمة نماذج لبطولات القوات المسلحة والشرطة، من خلال مسلسلات الاختيار 1 والاختيار2، وهجمة مرتدة، وفيلم الممر، وغيرها من الأعمال التي تعكس دور القوة الناعمة في معركة الوعي.

 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق