رسائل ومكالمات الحقد الطبقي على الموبايل
السبت، 11 سبتمبر 2021 07:00 م
خبراء قانونيون: القانون يجرم بأشد العقوبات انتهاك الحياة الخاصة للمواطنين وتكدير السلم العام
يأخذ نفسا عميقا من سيجارته ويلفظه، ويسرح في الأفق وكأن الهموم تمر في شريط أمام عينيه، قبل أن يقطع صمته رنين هاتفه الموبايل، فيتحسس جراب ملصوق في جنبه الأيمن ويقرأ رسالة نصية، وسرعان ما ينفجر في الضحك ثم يضرب كفا بكف ويوقف سيارته الأجرة جانبا "كل الركاب تنزل مش هكمل للموقف وخدوا الأجرة كمان مش عايزها.. خلاص يا جدعان لقيت فرصة حل كل مشكلات الديون اللي عندي.. هروح أمتلك فيلا في الساحل".
بعد شد وجذب نحو 15 دقيقة، اقتنع «محمود الجن» سائق ميكروباص خط "جامعة الدول-رمسيس" بما ساقه الركاب من عبارات العزاء والسند والدعم للقبول والرضا بالأمر الواقع، مع عمل حظر للأرقام التي تروج إعلانات ما أطلقوا عليه "الحقد الطبقي".
غالبا لا أحد يملك هاتفا محمولا نجا من رسائل الترويج لفيلات الساحل الشمالي، وفرصة العمر في امتلاك شاليهات أو موقع مميز في إحدى القرى السياحية أو المشروعات السكنية "الكمبوند".
تبشر تلك النوعية من الرسائل بالفرصة الثمينة لامتلاك الفيلا أو الشاليه بمبلغ لا يقل عن الـ10 ملايين جنيه، لكن المشكلة أن هذه الرسائل تستهدف الطبقة المتوسط بل والطبقة الأقل منها، ما يؤشر إلى تأصيل الكراهية في النفوس، وخلخلة المجتمع.
تحول أمر الرسائل النصية المجهولة من إحدى الشركات إلى عادة تعلن فيها عن منتجها أو مشروعها، أو ربما يردك اتصالا هاتفيا من مندوب مبيعات، يعلم اسمك مسبقا ليروج لمنتج ما ويقدم لك عروضا خاصة.
يشير قانونيون إلى أن هذه الرسائل والمكالمات جريمة مكتملة الأركان، ففضلا عن أنها تزرع الحقد والكراهية بين طبقات المجتمع، فإنها ببساطة ناتجة عن عمليات تسريب بيانات العملاء من كبرى الشركات التى تملك حق جمع بيانات عملائه.
ويؤكد خبراء أن قانون حماية البيانات رادعا لكل شخص أو شركة قامت أو ستقوم بالتعدى على بيانات المواطن، وانتهاك خصوصيتهم، سواء كانت بيانات تتعلق بالاسم والعنوان ورقم الهاتف، أو بيانات تتعلق بالحالة الوظيفية أو مستوى الدخل، أو حتى بيانات تتعلق بالحالة الطبية للمواطن، وتصل العقوبات إلى ملايين الجنيهات بجانب الحبس حتى 3 سنوات.
وتعد شركات الاتصالات هى أكثر الشركات التى تمتلك بيانات شخصية عن المواطنين، ووفقا لآخر الأرقام فإن 95 مليون مواطن مصرى يحملون شريحة محمول، وهي كارثة بكل المقاييس ترك تلك البيانات بين أيدى موظفى الشركات ليتلاعبوا بها كيفما شاءوا، وبالتالي يسهل عليهم تنغيص حياة المواطنين.
ووفقا للقانون، فإنه يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة، كل من اعتدى على حرمة الحياة الخاصة للمواطنين في غير الأحوال المصرح بها قانونا أو بغير رضاء المجني عليه، وتنص المادة (25) من قانون الجرائم الإليكترونية، تنص على يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن 6 أشهر، وبغرامة لا تقل عن 50 ألف جنيه، ولا تجاوز 100 ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من اعتدى على أى من المبادئ أو القيم الأسرية فى المجتمع المصرى، أو انتهك حرمة الحياة الخاصة أو أرسل بكثافة العديد من الرسائل الإلكترونية لشخص معين دون موافقته، أو منح بيانات شخصية إلى نظام أو موقع إلكترونى لترويج السلع أو الخدمات دون موافقته، أو نشر عن طريق الشبكة المعلوماتية أو بإحدى وسائل تقنية المعلومات معلومات أو أخبارًا أو صورًا وما فى حكمها، انتهاك خصوصية أى شخص دون رضاه، سواء كانت المعلومات المنشورة صحيحة أو غير صحيحة.
ولا يتوقف الأمر على انتهاك الخصوصية بالرسائل النصية أو المكالمات الهاتفية بل يصل إلى حسابات مواقع التواصل الاجتماعي، حيث تعمد عدة جهات إلى رسائل الترويج للمنتجات دون اعتبار لخصوصية أو إذن من المتلقي.
وكفل الدستور حرمة الحياة الشخصية، كما أن القانون حمى أيضًا الحياة الشخصية على وسائل التواصل الاجتماعى فليس من حق أى شخص الكتابة عن قضية أو موقف يمس الآخرين دون دلائل، فما بالك باقتحام الرسائل الشخصية وإرغام الشخص على عروض مشروعات ومنتجات معينة، وأن الحرية الشخصية للفرد فى مسكنه وعمله وفى أى مكان مالم يتعد على حريات الآخرين، أما فى حالة انتهاك الآداب العامة هناك جهات مسئولة منوطة بالتحقيق فى مثل هذه الوقائع.
ولم يكتف الدستور بالمادة 54 فقط للحث على صون الحرية الشخصية بل أشار فى المواد 57 و58 و59 وغيرها إلى تأكيد حماية الحرية الشخصية للفرد، وعلى أن كل اعتداء على الحرية الشخصية وغيرها من الحقوق والحريات العامة جريمة لا تسقط الدعوى الجنائية الناشئة عنها بالتقادم ، ورغم ذلك لا تتورع تلك الشركات والجهات من انتهاك الخصوصية عبر وسائل التواصل الإجتماعى في جريمة صارخة يعاقب عليها القانون.
جريمة في حق المجتمع
يشير أستاذ علم النفس الاجتماع أحمد مراد إلى أن تلك النوعية من الرسائل التي تأتي إلى المواطنين بطريقة عشوائية، وبالتالي فإن البسطاء يقعون فريسة تحت الضغط النفسي، ما يولد شعورا بالحقد الطبقي والكراهية بين أفراد المجتمع.
ويوضح مراد، في تصريح خاص لـ"صوت الأمة"، أن أي انتهاك لخصوصية الأفراد أو حياتهم الشخصية هو بالطبع يؤثر على الحياة الاجتماعية بوجه عام، أولا من ناحية الشعور بعدم الأمان باختراق حياته الشخصية بهذه الطريق إما عن طريق الرسائل أو المكالمات، وثانيا تخيل أن هذه الرسائل التي تعرض شراء منتجات مثل فيلا أو شاليه بملايين تأتي لموظف مسؤول عن أسرة بسيطة الحال، لن يصبح أمامه للتعامل والخروج من الضغط النفسي من هذه العروض سوى السخرية والتهكم وإذا لم يفعل ذلك فإنه ينفجر بالغضب.
ويؤكد مراد أن أغلب الأحيان التي ترد فيها مثل هذه الرسائل إلى مواطنين بسطاء الحال، تكون ردود الأفعال عنيفة ويخرج غضبهم عن السيطرة وقد يؤدي إلى كوارث، وطبعا دون حساب للجهة المسئولة عن انتهاك الخصوصية بهذا الشكل، أو يمكن القول تلك الجهات المؤصلة إلى الحقد الطبقي في المجمتع.