عاش أيمن.. ومتنا نحن

السبت، 11 سبتمبر 2021 08:00 م
عاش أيمن.. ومتنا نحن
إبراهيم الديب

"اللي دفن بنفسه ابوه وامه مافيش حاجة تانيه توجعه".. أكذوبة عشتها وصدقتها لفترة طويلة أقنعت نفسي بألا شيء ولا أحد يمكنه أن يسبب لي ألما، فرحيل الأب والأم ينتزع معه جزءا من روح الإنسان وبعدها لايوجد مايمكن البكاء عليه.. حتى حدث ماعشت أخشاه بعدهما ومد أخي أيمن عبد التواب يده في أحشاء القلب مسببا جرحا جديدا أشبه بعاهة مستديمة لا يمكن مداواتها، ورحل..  رحل أيمن تاركا لي إرثا من الذكريات أثقل كاهلي.. فلم أتوقع يوما أن يفعلها الآن وهو المحارب المغوار بضحكته وسخريته في حملاته على "المرض البطال" كما أطلق عليه.

رحل أيمن عبد التواب، ولي معه حكايات ومواقف حياتية يومية أصبحت سبب ألمي بعد فراقه، فها أنا أراه أمام عيني، وأسمع صوته ونصائحه وضحكاته في كل وقت، وبت أفتقد حتى حدته عليّ في الحديث إذا ما جانبني الصواب في أمر ما.

 

لم يبخل أيمن علي ولا أحد بشيء أبدا، ولم يتأخر عن مساعدة من يحتاج إليه، دعم الجميع في أشد أوقات احتياجه إلى من يدعمه، كتم كثيرا مما كان يؤلمه ويزعجه من تقصير أو سوء معاملة للبعض وأحسن هو إليهم، فهذه هي طبيعته، مسامح وكريم ورجل حقيقي في أصعب المواقف.

 

سنوات طويلة ارتبطت بعلاقة قوية جمعتني به منذ العمل في مؤسسة فيتو حتى انتقلنا سويا إلى "دوت مصر" قبل ان نستقر معا في "صوت الأمة" رافضا تركه والعمل بدونه، فلم تكن علاقتنا مجرد زمالة عمل بل امتدت لأكثر من ذلك حتى اصبحنا إخوة بالفعل، تعاملت معه كونه اخي الاكبر فلا يمر يوما بدونه، ولا ينفذ عمل دون الرجوع إليه، ولا يؤخذ قرار دون استشارته، حتى امتدت أواصر علاقتنا إلى أسرتينا.

 

"ولادي زادوا واحد".. هكذا كانت تداعبه امي في لقائها به وحديثها إليه، احبته حبا جما، وتعلق بها أيمن بشدة وأطلق عليها "أمي الثانية" بينهما مكالمات وأحاديث كثيرة، كلا منهما يعاني مرضا نهايته موحشه، وكلا منهما يهتم بالاطمئنان على الأخر، حتى انها أوصته قبل ايام من رحيلها في اخر مكالمة بينهما "خلي بالك من اخوك" وكانت تزوره في أحلامه طالبة منه زيارة قبرها إذا ما تأخر عليها.

 

عرفته أسرتي كاملة كونه أخا لنا، وعرفتني أسرته بأنني "ابنه البكري".. هكذا دعاني دائما وهكذا جبرني بقوله "انت قبل محمد"، وأصبحنا أقرب إلى بعضنا يوما بعد يوم، إلى أن فرقنا الموت، فأصبح أيمن حيا بيننا نحن الأموات بألم الفقد.

 

سقط خبر وفاتك علي كالصاعقة.. لم أتوقع ياصديقي سوى أنها إحدى كبوات المرض الزائلة التي طالما قهرتها، ولم أتخيل أن ترحل سريعا هكذا فمازال هناك الكثير من البهجة والسرور التي دأبت على نشرها بين الجميع، ولكنه قضاء الله ولا راد له.

 

أيمن.. رحلت وتركت خلفك اخا لم تلده امك يعاني مرارة فقدك، يحاول إيقاف نهر ذكرياتكما المتدفق بضراوة فأنت شخصا استثنائيا في كل شيء ولن تجود الأيام بمثلك مرة اخرى، ولن يلتئم جرح رحيلك بسهولة، تركت في رقبتي وصيتك قبل شهور ولكن اعذرني اني لم التزم بها، واغفر لي مخالفتك لأول مره منذ أن عرفتك، فما كان باستطاعتي تركك في أخر مشوار يجمعنا سويا.

 

رحيلك مؤلم، ومراجعة احاديثنا موجع بشدة ولكن هي ماتبقت لي منك بعد أن أثرت الرحيل، أعلم أن انتظار مكالماتك ورسائلك سيطول إلى أن ألقاك، وأعلم أني سأشتاق إليك كثيرا، ولكن كلي أمل أن يجمعني ربي بك وبوالدينا في مستقر رحمته، وألا يطول انتظاري.

 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق