المنظمات الدولية والكيل بعشرة مكاييل

الأحد، 19 سبتمبر 2021 10:00 ص
المنظمات الدولية والكيل بعشرة مكاييل
حمدي عبد الرحيم يكتب:

حدثت في النصف الأول من التسعينات مشكلة بسيطة بين عائلة مسلمة وعائلة مسيحية بصعيد مصر، لم تسفر المشكلة ـ بحمد الله ـ عن ضحايا أو مصابين، وقد قام عقلاء الطرفين باحتواء الموقف سريعًا.

البلدة التي شهدت الحادث قريبة من قريتي الصعيدية، وهي بلدة مغمورة لا يعرفها سوى سكانها، وكم كانت دهشتي عظيمة بل مفجعة عندما تلقيت اتصالًا هاتفيًا من صحفي شهير راح يصرخ في أذني بأعلى: "أنت قاعد على قلبك مراوح وبلدة من بلاد مركزكم حدثت بها مصيبة".

تعجبت من سرعة وصول خبر المشكلة البسيطة التي لم تزد عن تلاسن طائفي مرفوض بطبيعة الحال، إلى الصحفي الشهير، فوقتها لم نكن قد عرفنا الفيس بوك ولا تويتر ولا الفضائيات، بل لم نكن نسمع بكلمتي موبايل أو انترنت أساسًا.

عرفت منه بعد أن هدأ صوته أن الجمعية الحقوقية الفلانية قد عرفت بالخبر فقامت بتمريره إلى الإذاعة الشهيرة والعريقة البي بي سي التي جعلته خبرًا في صدر نشراتها.

قلت في سري: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، ما هذا الجنون؟

مشكلة بسيطة انتهت على خير بدون إصابات أو ضحايا، مشكلة بسيطة يحدث مثلها في كل زمان ومكان وبين أفراد كل الأمم تصبح خبرًا يتصدر نشرات إذاعة عريقة؟

أهو جنون أم هو نفاق أم هو شيء آخر؟

سألت الصحفي الشهير: ما هذا الذي يحدث؟.

ضحك وقال: قطتنا نحن جمل!.

قريبًا من تلك الأيام كانت فلسطين تنتفض في واحدة من انتفاضاتها التي لا تكف ولن تكف عنها، فقامت قوات الاحتلال بحصار كنيسة القيامة التي هي قديس أقداس المسيحية، المسيحية التي تقول أوربا إنها دينها الأول والمعتمد.

لم يكن الحصار عاديًا، كان حصارًا خانقًا قاتلًا، وقد استخدمت قوات الاحتلال في تنفيذ الحصار أسوأ ما تفتق عنه ذهن الشر البشري.

كانت قوات الاحتلال تحاصر آباء الكنيسة وقساوستها ورهبانها، وتسلط على الكنيسة أكبر مكبرات الصوت التي تبث موسيقى صاخبة على مدار الساعة بطريقة تجعل الحياة قطعة من الجحيم.

يومها بحثت عن رد فعل المنظمات والمؤسسات الحقوقية فلم أجد إلا قبض الريح، وللحق وجدت كلامًا عائمًا غائمًا لا يسمن ولا يغني من جوع، إنه ذلك الكلام الذي يدعو الفلسطينيين لضبط النفس والالتزام بمقررات الشرعية الدولية!

أين حرمة كنيسة القيامة ومكانتها ومقاهما ومهابتها؟

لم أجد شيئًا من ذلك، لم يهتم أحد بكنيسة القيامة لأنها في أول الأمر ومنتهاه كنيسة فلسطينية حتى لو كانت ذات مكانة دولية، ولكن لأن فلسطين كل فلسطين تحت الاحتلال فلماذا لا تتجرع الكنيسة المسكينة مرارة الاحتلال؟

تلك ليست سياسة الكيل بمكيالين، إنها سياسية الكيل بعشرة مكاييل، عندما يقع تلاسن طائفي ـ نرفضه ـ في صعيد مصر تقوم الدنيا ولا تقعد، وعندما يدهس الاحتلال كل القيم الدينية والدنيوية في فلسطين أو غيرها نسمع صوت الصمت العميق!

مواخرًا تمكن ستة من السجناء الفلسطينيين من الفرار من سجنهم شديد الحراسة، وظننا أن نجاح عملية فرارهم ستفتح الباب لمناقشة أوضاع السجناء في سجون الاحتلال، ولكنه أملنا كأن كعشم إبليس في الجنة لقد تمكن الاحتلال من القبض على أربعة من الستة وبدأ معهم تحقيقًا لا يعرف أحد مجرياته وآلياته، ولم نسمع للجمعيات التي تنتفض من أجل تلاسن طائفي صوتًا فقد لزم الجميع الخرس لا السكوت.

الخوف من انتقام الاحتلال من السجناء دفع  هيئة شئون الأسرى والمحررين فى فلسطين، إلى مطالبة المؤسسات الحقوقية والإنسانية، خاصة  الصليب الأحمر، بالتوجه فورا إلى سجن "جلبوع" والكشف عن مصير أكثر من 400 أسير، نقلوا منه إلى أماكن مجهولة، فى أعقاب تمكن ستة أسرى من حفر نفق والفرار من المعتقل.

وعبرت الهيئة - في بيان صحفي، عن قلقها من التعتيم الكبير حول أسرى سجن جلبوع وظروف نقلهم، محذرةً من أن تنصب ردأت الفعل الإسرائيلية على الانتقام منهم، وذلك في محاولة للتغطية على فشل إدارة السجون وحكومة الاحتلال الناتج عن تمكن الأسرى الستة من التخطيط لهذا الهروب وتنفيذه.

وحملت حكومة الاحتلال المسؤولية كاملة عن حياة الأسرى الستة، حيث أن محاولة البحث عنهم والوصول لهم مبنية على أسس إجرامية ممنهجة، محذرة من أن المساس بحياتهم في حال العثور عليهم قد يؤدي إلى انفجار حقيقي داخل السجون وخارجها، ودعت مؤسسات المجتمع الدولي، إلى تحذير إسرائيل وجيشها من خطورة ذلك.

منذ نشر هذه المطالبة الواضحة والصريحة قبل أسبوع لم يتحرك أحد ، وذلك لأن سياسة الكيل بعشرة مكاييل ستمنعهم من التحرك!

السجون ،  المجتمع الدولي ، إسرائيل

 

 

 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق