يوسف أيوب يكتب: طرفا المقص.. الحرب والتنمية

السبت، 18 سبتمبر 2021 08:30 م
يوسف أيوب يكتب: طرفا المقص.. الحرب والتنمية

مصر خاضت الحرب على الإرهاب ومعركة التنمية بتوازى.. وعينها على استقرار دول المنطقة

خبير دولى: أغلب الدول التي حققت إنجازات تنموية كبيرة كانت موجودة في مناطق وبيئة سلمية.. وتسأل: إذا استمرت النزاعات المحيطة بالدولة المصرية كيف يمكن أن تؤثر بالسلب عليها؟

خلال إطلاق تقرير التنمية البشرية لمصر 2021، الثلاثاء الماضى بالعاصمة الإدارية الجديدة، وبحضور الرئيس عبد الفتاح السيسى، ومشاركة دولية كبيرة، تمثلت في ممثلين لمكاتب الأمم المتحدة في مصر، وغيرهم، استوقفنى ما قاله الدكتور عادل عبد اللطيف، مدير مكتب الأمم المتحدة للتعاون ما بين بلدان الجنوب، ومستشار تقرير التنمية البشرية لمصر، حينما أشار إلى ما أسماه بقضية العامل الإقليمى وتأثيره على التنمية في مصر.

الدكتور عادل قال إن قضية العامل الإقليمى مهم أن يتم أخذها في الاعتبار حينما نتحدث عن التنمية في أي دولة، وتسائل: "إذا استمرت النزاعات المحيطة بمصر كيف يمكن أن تؤثر بالسلب على مصر؟"، شارحاً الغرض من سؤاله بقوله إن أغلب الدول التي حققت إنجازات كبيرة في التنمية، كانت موجودة في مناطق وبيئة سلمية داعمة لهذه الإنجازات، موضحاً أن التعاون الإقليمى بين الدول العربية وإفريقيا لايزال مفتقداً، وأنه حال الاتفاق على زيادة هذا التعاون سيؤدي إلى التسريع بحد كبير من الزيادة الاقتصادية والنمو الاقتصادى في مصر، وقال "لو تخيلنا أن هناك حركة رؤس أموال وحركة انتقال العمالة وحركة التجارة في المنطقة العربية، فإن هذا من الممكن أن يساهم في إحداث التنمية في مصر والدول العربية، لذلك من ممكن ان نبنى سيناريوهات خاصة بذلك في حالة السلم، كيف يمكن أن يؤثر ذلك بشكل ايجابى على مصر وايضا على القارة الافريقية والدول العربية".

ما قاله الدكتور عادل عبد اللطيف، ورغم أنه جاء في سياق الحديث عما استطاعت الدولة المصرية أن تحققه طيلة السنوات السبع الماضية، من تنمية في قطاعات متعددة ومختلفة، رغم الظروف الإقليمية والدولية المحيطة بها، والتي أدت في دول أخرى إلى إيقاف عجلة التنمية، فإن مصر إذا استقر الإقليم المحيط بها، ستحدث انطلاقة أكبر مما تحققه اليوم بكثير، لأنها في هذه الحالة، لن تتحرك بمفردها، وإنما ستكون هناك قوة دفع إقليمية، تستفيد منها أيضا كل دول الإقليم.

الرئيس السيسى، وكعادته، استمع جيداً لما قاله الدكتور عادل، واتخذه بداية لحديثه الموجه للمصريين من خلال مشاركته في الاحتفالية، وقال موجهاً حديثه للمشاركين في إعداد تقرير التنمية البشرية المصرى: يا ترى هل وضعتم في الاعتبار ما يدور في الإقليم من تحديات كاعتبار من الاعتبارات التي يمكن أن تؤثر على مسار التنمية في مصر؟. يا ترى كتقرير في الديباجة تحدثنا عن كل التحديات التي مرت بمنطقتنا بما فيها مصر؟".. مستطرداً: أنا بقول للمصريين، كان المسار المحتمل الذى ممكن كل الناس والمتخصصين أن يرشحوه لنا للسير فيه هو مواجهة الإرهاب والتطرف والحرب الصعبة التي مرت على مصر خلال الـ7 أو الـ8 سنوات الماضية، وهذا مسار كان له منطقه، بأننا مشغولين بمواجهة الإرهاب، وبالتالي تتوقف عجلة التنمية في مصر هذه المدة.. لكننا لم نفعل ذلك، واعتبرنا أن حربنا ضد الإرهاب في مصر والمنطقة هي حرب مبنية أيضا على البناء والتنمية والتعمير بكل ما تعنيه هذه الكلمة من عنف في الأداء".

واستفاض الرئيس في شرح عددٍ من التحديات التي كانت تواجه مصر، ولا تزال تواجه دول الإقليم، وقال إن الدولة المصرية اعتمدت فى مواجهة الإرهاب على حشد قوي للدولة مع البناء والعمل من خلال فلسفة شاملة، حيث تم العمل على مسارات الدولة بالكامل للتنمية والبناء، وكل القطاعات تم العمل فيها بمنتهى القوة والشمول والعمق، مشدداً على أن تقرير التنمية البشرية عن الدولة المصرية لعام 2021 شهادة للمصريين البطل الحقيقى، متابعا: "تمرير خطة الإصلاح الاقتصادى وقبولها من الرأى العام كان السبب فى نجاحها الشعب المصرى".

وأضاف الرئيس: أقدم التهنئة للمصريين على قدرتهم من خلال التضحية والصبر والتحمل في ظهور هذا التقرير بهذا الشكل.

وأشار الرئيس إلى أحد التحديات الإقليمية التي كان لها تداعيات على مصر، والمتمثلة في عدم الاستقرار السياسى والأمنى الذى تعانى منه دولاً بالمنطقة، جعلت النسبة الأكبر من مواطني هذه الدول يتركونها ويبحثون عن ملاذ آمن لهم ولإبنائهم، وهو ما زاد من استفحال ظاهرة اللاجئين العرب، واستغلال دول إقليمية لهذه الظاهرة في تحقيق أهداف سياسية واقتصادية خاصة بها، لكن مصر سارت على عكس هذا التيار، وقال الرئيس أن " مصر تستضيف 5 إلى 6 ملايين لاجئ على أراضيها، وأن هذا الرقم يعادل حجم دولتين لهما إنفاقهما العام"، مضيفا: "عندنا ملايين كثير تعدت 5 مليون إنسان في بلدنا مصر مش بتشفوهم في معسكرات.. معندناش معسكرات للاجئين في مصر عندنا ضيوف بيعيشوا في وسطنا".

وأضاف الرئيس "لما يكون 6 مليون في دولة فيها أكثر من 100 مليون محتاجين يتقدملهم خدمات والأمور الحياتية التي تقدم ..الرقم ده حجم دولتين تلاتة ليهم انفاقهم العام.. حط في الاعتبار عندما يقرأ هذا التقرير الديباجة اللى بنحطها تبقا عبارة عن رصد للحالة التي مرت بمصر".

ما قاله الدكتور عادل عبد اللطيف، وبغض النظر عن كونه مصري، فهو كان يتحدث بصفته الدولية التي أتاحت له النظر للمنطقة بشكل أوسع من خلال عمله في الأمم المتحدة، وهو ما يعطي لحديثه القوة، كونه مطلعاً بحكم عمله في المنظمة الدولية على مجريات ما يحدث في الإقليم، وما يواجه دوله من تحديات وصعاب، فهو الأقدر من غيره على رسم الصورة الصحيحة، لذلك حينما تحدث عن تطور التنمية في مصر خلال السنوات القليلة الماضية، والتي حدثت رغم ما أحيط بمصر من صعاب داخلية وأقليمية، فهو بمثابة شهادة دولية على نجاح الخطة التي سارت عليها الدولة، محققة بذلك المعادلة الصعبة التي فشلت دولاً أخرى أن تحققها، لإنها أرتضت ان تبقى داخل مربع التحديات، دون أن تنظر خارجه لمصلحة الدولة او مواطنيها.

وأيضاً جاء رد وتعليق الرئيس السيسى، شارحاً المنهجية والفلسفة التي سارت عليها مصر منذ 2014 وحتى الآن، ومستمرة فيها، وهى الفلسفة التي تعتمد على استكمال مسار التنمية الداخلية، وفى نفس الوقت مساعدة دول الإقليم للخروج من أزماتها الداخلية، حتى تنعم هذه الدول بثمار التنمية التي تحدث في مصر، ولتتحقق الاستفادة للجميع.

والشاهد في هذه الفلسفة أنها ليست مقتصرة على الأقوال، وإنما هي فلسفة قوامها الاساسى الأفعال، وليس أدل على ذلك من تحركات الرئيس السيسى نفسه، المعروف عنه اهتمامه بالأمن القومى العربى والاقليمى، لذلك لم يكن مستغرباً ان يخرج الرئيس الثلاثاء الماضى من احتفالية إطلاق تقرير التنمية البشرية لاستقبال كل من عقيلة صالح رئيس مجلس النواب الليبي، والمشير خليفة حفتر القائد العام للقوات المسلحة الليبية، بحضور الوزير عباس كامل رئيس المخابرات العامة، وبعدها بيوم يستقبل محمد الحلبوسى، رئيس مجلس النواب العراقى، وذلك بحضور المستشار حنفى جبالى، رئيس مجلس النواب، وقبل هذه الاحتفالية بيوم يستقبل في مدينة شرم الشيخ رئيس الوزراء الإسرائيلي "نفتالى بينيت"، فهذه اللقاءات التي تمت في ثلاث أيام فقط، وما سبقتها من لقاءات أخرى ومشاركات رئاسية في مؤتمرات دولية وأقليمية تهدف في الأساس إلى مناقشة قضايا الأقليم الملتهبة والساخنة والتي تسعى مصر من خلال تحركاتها إلى إرساء قواعد الاستقرار والأمن في هذا الأقليم الملتهب، والذى يتطلع مواطنيه إلى عودة الهدوء لدوله، لكى ينعموا بهذا الاستقرار ويستفيدوا من مقدرات دولهم وثرواتهم، بدلاً من أن يتحولوا إلى "لاجئين" واسر متفرقة بين دول مختلفة.

فمن خلال المتابعة الدقيقة للتحركات المصرية طيلة السنوات الماضية، وما نتج عنها من نتائج، سيلمس أن القيادة المصرية تركز منذ 2014 وحتى اليوم، على مواجهة ظاهرة الإرهاب التي باتت تهدد دول المنطقة بأكملها، محذرة منذ البداية من خطر هذه الظاهرة على الجميع، فالإرهاب ستطال ناره الجميع، وليس الدول المستهدفة فقط، وإنما سيشمل إن لم يكن اليوم وإنما غداً دولاً أخرى تظن نفسها اليوم أنها بمنأى عن هذا الخطر، لذلك طرحت مصر استراتيجية واضحة لمجابهة الإرهاب، تشترك فيها كل دول المنطقة، حتى تلك التي تظن انها بعيدة عن خطره، وحينما تقاعست هذه الدول عن الدور المطلوب منها، تحركت مصر بمفردها، ونابت عن العالم كله في مجابهة هذا الخطر، واستطاعت مصر أن تحقق في هذا المجال نجاحات متكررة، ظهرت أثاره سريعاً على مصر، التي استطاعت في سنوات قليلة، أن تقضى على آفة الأرهاب، وتواصل مسيرة التنمية.

وإذا عدنا الحديث عن جزء من التحركات المصرية الأسبوع الماضى، سنجد أنها تركزت على 3 قضايا رئيسية في المنطقة، تخص الفضية الفلسطينية، وليبيا والعراق، والهدف الرئيس الذى تسعى له مصر من هذه التحركات أن تستعيد دول الإقليم عافيتها، لتتفرغ للمهمة الأصعب، وهى التنمية.

في لقاءه الأثنين الماضى مع رئيس الوزراء الإسرائيلى "نفتالى بينيت"، أكد الرئيس السيىس الموقف المصرى الواضح تجاه القضية الفلسطينية، من خلال دعم مصر لكافة جهود تحقيق السلام الشامل بالشرق الأوسط، استنادا إلى حل الدولتين وعلى أساس قرارات الشرعية الدولية، بما يسهم فى تعزيز الأمن والرخاء لكافة شعوب المنطقة، مع الإشارة إلى أهمية دعم المجتمع الدولى جهود مصر لإعادة الإعمار بالمناطق الفلسطينية، بالإضافة إلى ضرورة الحفاظ على التهدئة بين الجانبين الفلسطينى والإسرائيلى، لاسيما مع تحركات مصر المتواصلة لتخفيف حدة التوتر بين الجانبين بالضفة الغربية وقطاع غزة.

وخلال استقباله الثلاثاء، عقيلة صالح رئيس مجلس النواب الليبي، والمشير خليفة حفتر القائد العام للقوات المسلحة الليبية، أكد الرئيس السيسى مواصلة مصر جهودها للتنسيق مع كافة الأشقاء الليبيين خلال الفترة المقبلة، بما يساهم في ضمان وحدة وتماسك الموسسات الوطنية الليبية، وصولاً إلى إجراء الاستحقاق الانتخابي الهام برلمانياً ورئاسياً المنتظر بنهاية العام الجاري، فضلاً عن منع التدخلات الخارجية التي تهدف بالأساس إلى تنفيذ أجنداتها الخاصة على حساب الشعب الليبي، وكذا إخراج كافة القوات الأجنبية والمرتزقة من الأراضي الليبية، مثمناً في الوقت ذاته بحرص القيادتان الليبيتان الدائم على إنفاذ إرادة الشعب الليبى الشقيق وصون مصالحه الوطنية، وذلك بهدف استعادة الأمن والاستقرار في ليبيا، إلى جانب الحفاظ على سيادة ووحدة الدولة الليبية.

ومن المهم هنا الإشارة إلى ما قاله حفتر وصالح عقب اللقاء، حيث أعربا عن تقديرهما الكبير لدور مصر الرائد، وجهودها الحثيثة والصادقة في دعم ومساندة أشقائها في ليبيا منذ اندلاع الأزمة وحتى الآن، في إطار العلاقات الممتدة والأخوية التي تربط البلدين والشعبين الشقيقين، معربين عن عميق تقديرهما للرئيس السيسى والشعب المصري للوقوف بجانب أشقائهم الليبيين في إدارة المرحلة الانتقالية، ومساندتهم في المسئولية التاريخية الملقاة على عاتقهم، خاصةً عن طريق المساهمة في توحيد الجيش الوطني الليبي، فضلاً عن الدور الحيوي لنقل التجربة المصرية التنموية إلى ليبيا والاستفادة من خبرة وإمكانات الشركات المصرية العريقة في هذا الصدد.

كما أكدا اتساق مواقفهما مع المنظور المصري لإدارة المرحلة الانتقالية الليبية، خاصةً ما يتعلق بضرورة ضمان عقد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية قبل نهاية العام الجاري، وذلك بالتوازي مع تعزيز المسار الأمني من خلال إلزام الجهات الأجنبية بإخراج العناصر المرتزقة من داخل الأراضي الليبية حتى تتمكن المؤسسات الأمنية الليبية من الاضطلاع بمسئوليتها ومهامها، وهو الأمر الذي من شأنه أن يساهم في تعزيز جهود استعادة الأمن والاستقرار في سائر أنحاء ليبيا.

 وفى اليوم التالى، وتحديداً الأربعاء، وخلال استقباله لـ"محمد الحلبوسى"، رئيس مجلس النواب العراقى، أكد الرئيس السيسى، حرص مصر على مواصلة تطوير التعاون مع العراق في جميع المجالات وعلى مختلف الأصعدة الرسمية، استثماراً لقوة الدفع الحالية التي تشهدها العلاقات المشتركة وتبادل الزيارات لكبار المسئولين بالبلدين، مشيرا إلى استعداد مصر الكامل، لنقل خبرة تجربتها التنموية إلى العراق الشقيق لمساندة ودعم الحكومة العراقية في جميع جهودها، من أجل بلوغ الهدف الاستراتيجي لاستقرار العراق، واستعادة مكانته التاريخية ودوره العربى والإقليمى الفاعل، وترسيخ موقعه فى العالم العربى، مشدداً أيضاً على الأهمية البالغة للانتخابات البرلمانية القادمة فى رسم ملامح الفترة المستقبلية في العراق وتقوية مؤسساته الوطنية، فضلاً عن رفض مصر كافة التدخلات الخارجية في شئون العراق، مع الالتزام بمبادئ الاحترام المتبادل لسيادة الدول، والامتناع غير المشروط عن التدخل في شئونها الداخلية.

وخلال اللقاء نقل محمد الحلبوسي إلى الرئيس السيسى تحيات الرئيس برهم صالح ومصطفى الكاظمي رئيس الوزراء العراقي، مثمنًا دور مصر الداعم فى استعادة الاستقرار بالعراق، ومساهماتها في تنميته وترسيخ أمنه، وذلك فى إطار نهج مصر الثابت تجاه الأمة العربية، وكذلك على الصعيد الإقليمي، مع الإعراب عن التطلع لتطوير التعاون بين البلدين الشقيقين في مختلف المجالات، خاصةً على المستوى البرلماني، والاستفادة من الخبرات المصرية في مجال التنمية وبناء مؤسسات الدولة.

هذه اللقاءت والتحركات المصرية، تأتى ضمن الفلسفة المصرية التي تستهدف أساسا استقرار الأقليم ودوله، حتى تحدث التنمية اثارها المرجوة ليس في مصر فقط، وإنما في كل الدول العربية، أخذا في الاعتبار أن مصر منذ 2014 وهى ترفع شعار العمل المشترك، وتقوية المؤسسات الوطنية للدول، حفاظاً على مقدرات هذه الدول، وهى سياسة اعتقد ان مصر هي الدولة الوحيدة التي تعمل بها، حتى مع الدول التي كانت تضع نفسها في مواجهة مصر، لكن القيادة المصرية لم تواجه هذه الدول بسياستهم، بل صبرت مصر إلى أن أيقنت هذه الدول خطأ مساراتها، وصحة الموقف المصرى.

بالتأكيد أن مصر لم تكتفى فقط بالعمل الاقليمى ودعم استقرار الدول العربية، بل كانت تركز بشكل كبير على الداخل، من خلال ملحمة البناء والتنمية التي سارت عليها الدولة ومستمرة عليها، والتي لم تترك مجالاً الا ووضعت يدها فيه، وهو ما أشار إليه تقرير التنمية البشيرية لمصر 2021، الذى تم إعداده من خلال برنامج الأمم المتحدة الإنمائى، والذى يعد بحق وثيقة تاريخية مهمة، فرغم توقف إصدار التقرير منذ 2010 أي منذ 11 عام، عادت مصر إلى إصدار التقرير مرة أخرى من خلال إتاحة المعلومات المطلوبة أمام القائمين على التقرير، لكى يقيموا ما حدث، ويصيغوا من خلال رؤيتهم للمستقبل الذى يرونهم مناسباً لشكل الدولة المصرية وفق مؤشرات التنمية.

وترافق هذا التقرير مع إطلاق مصر للاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان التي تستحق منا الوقوف أمامها كثيراً، فرغم ان مصر ليست مطالبة بهذا الإجراء، الا أنها ومن واقع عدم خوفها من شيء، بادرت بفتح باب النقاش والحوار المجتمعى الذى شكل الحكومة ومؤسسات المجتمع المدنى وهيئات ومؤسسات أخرى بهدف إقرار استراتيجية تحدد مسار الدولة خلال الخمس سنوات المقبلة.

والجديد في هذه الاستراتيجية من وجهة نظرى، فضلاً عن كونها نتاج عمل جماعى، كان للحكومة فقط دور التنسيق فيه، ممثلة في وزارة الخارجية، أن هذه الاستراتيجية أعادت الاعتبار لحقوق أخرى كادت أن تكون في طى النسيان رغم اهتيمها، فعلى مدار السنوات الماضية تركز الاهتمام الحقوقى على مسألتين فقط في حقوق الإنسان وهما الحرية والديمقراطية، في محاولة لتصدير صورة بأنهما مترادفنتان لحقوق لأنسان، ولا قيمة لأية حقوق أخرى، لكن مصر ومن خلال العمل على الأرض اعادت الاعتبار للحقوق الإنسانية، كونها تعلى على أىة حقوق أخرى، فالإنسان لا قيمة له اذا لم يجد مسكنا مناسبا، وتعليما ملائما، ومستشفى يتلقى فيها العلاج، وهو ما أكدت عليه مصر، وتسير عليه.

وجاء إعلان الاستراتيجية ليؤكد للجميع دلالتين، الأولى أن مصر أصبح لديها مؤشر بمجالات حقوق الإنسان المختلفة سواء كانت اقتصادية او اجتماعية أو سياسية أو حريات دينية أو قضايا المرأة والشباب، هذا المؤشر يجعل أية مؤسسة بالعالم تستطيع تقييم مصر في هذه القضايا من خلال ما ألزمت نفسها به من خلال هذه الاستراتيجية.

والدلالة التانية هي أن مصر الدولة الوحيدة بالمنطقة التي تطلق مثل هذه الاستراتيجية لتوضيح رؤيتها لهذه القضايا في إطار العهد العالمي لحقوق الإنسان واتفاقيات الدولية التي أُقرت بالأمم المتحدة، وهو ما يمثل ردا عمليا على ما يشاع ضد مصر من مخالفات وانتهاكات بحقوق الإنسان، وتأكيد لحرص الدولة المصرية على توضيح رؤية الحكومة لهذه القضايا للعالم أجمع والأدوات التنفيذية التي تتم والتشريعات المطلوبة لاستكمال هذه الاستراتيجية.

في المجمل فإن مصر وضعت مفاهيم جديدة لحقوق الإنسان، بإطلاقها الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، مفاهيم ومعايير ملموسة على أرض الواقع، تتسق مع ما تعمل عليه الدولة فى بناء الإنسان المصرى، وضمان الحق فى حياة كريمة والتعليم والصحة والسكن وغيرها من الحقوق.

لكن وكما قال الدكتور عادل عبد اللطيف، فإن كل الذى تحقق في مصر، سيكون له تأثير إيجابى أكبر اذا انعم الإقليم المحيط بنا بالامن والاستقرار، وهو الهدف الذى يسعى له الرئيس السيسى دوما، ليس فقط لصالح مصر، وإنما لصالح الشعوب العربية بأكملها.

الشاهد الآن أن الدولة المصرية تحت قيادة الرئيس عبد الفتاح السيسى، تخوض معركتين، الأولى الحرب على الإرهاب، والثانية معركة التنمية، والجديد في التجربة المصرية أنها تسير بين المعركتين بتوازى، ولكنهما قد يلتقيا في بعض الأوقات كطرفى المقص.

 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق