هل يصلح الوعظ ما أفسده المتهربون؟

الأحد، 03 أكتوبر 2021 09:50 ص
هل يصلح الوعظ ما أفسده المتهربون؟
حمدي عبد الرحيم يكتب:

تجبرنا بعض التصرفات على مناقشة البديهيات، ومن البديهيات الكلام عن أهمية الضرائب التي هي عمل سيادي لأي دولة ولا تفرضها سوى الدولة وبمقادير معينة تختلف من دولة لأخرى حسب ظروف الدولة ومواطنيها الاقتصادية. 
 
والضرائب في أي دولة من الدول تلعب دورًا رئيسيًا في التنمية وفي تقديم الخدمات الضرورية التي لا يستطيع المواطن القيام بأعبائها مهما بلغ حجم ثروته، فمن منا يستطيع بناء الجسور أو تمهيد الطرق أو إقامة منظومة الصحة والتعليم والأمن والعدلة والمواصلات وغير ذلك من خدمات تحتاج إلى المليارات بل إلى التريليونات؟ 
 
وقصتنا نحن مع الضرائب قصة قديمة جدًا ففي صدر الإسلام لم يكن مسمى الضرائب معروفًا، كان الزكاة والصدقات تقوم مقام الضرائب، مع ملاحظة أن الزكاة غير الصدقة لأن الزكاة مفروضة ولها أنصبة شرعية منصوص عليها.
 
ثم رسخت الدولة الإسلامية وتطورت الخدمات التي تقدمها للمواطنين فأصبحت الزكاة ركنًا لا غنى عنه لمواصلة الدولة القيام بأعبائها، وبعد رحيل رسولنا الكريم رأت بعض القبائل أن تمتنع عن دفع الزكاة للدولة ، وقد ذكر تفاصيل تلك الواقعة الصحابي الجليل أبو هريرة فقال :" بعْدَما ارتدَّ وكَفَر مَن كَفَر مِن العَرَب بعْدَ موتِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، عَزَم الخليفةُ أبو بَكرٍ الصِّدِّيقُ رَضيَ اللهُ عنه على إرسالِ الجُيُوشِ لِمُقاتَلَتِهم وإجْبارِهم على دفْعِ الزَّكاةِ، فقال له عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ رَضيَ اللهُ عنه مُستَنكِرًا قِتالَهم: كيف تُقبِلُ على قِتالِهم وإهدارِ دِمائِهم وهم يَشْهَدون أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ، وقد أَخْبَر صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّ مَن قالها فقد عَصَم دمَه ومالَه إلَّا إنِ استَحَقَّ ذلك، وحِسابُه بعْدَ ذلك على الله؟! فقال له أبو بكرٍ رَضيَ اللهُ عنه: «واللهِ لَأُقاتِلَنَّ مَن فرَّق بيْنَ الصَّلاةِ والزَّكاةِ؛ فإنَّ الزكاةَ حَقُّ المالِ».
 
ثُمَّ قال رَضيَ اللهُ عنه: «واللهِ لو مَنَعُونِي عَنَاقًا كانوا يُؤَدُّونها إلى رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لَقاتَلْتُهم على مَنْعِها»، والعَنَاقُ: هي الأُنثَى مِن المَعْزِ، وفي رِوايةٍ: «عِقَالًا»، والعِقَالُ: هو الحَبْلُ.
 
أقرأ ما كان ثم أنظر إلى ما هو كائن فأقرأ كغيري خبرًا جاء فيه:" كشفت عريضة القضية رقم 62 لسنة 2016، تهرب (اسم شهير جدًا) من دفع 513 ألف جنيه، من الضرائب المستحقة على إنتاجه الفني، فى الفترة من 2009 حتى 2013.
 
كيف سأصدق فلانًا هذا عندما يتغنى بالوطن بينما هو متهرب من دفع ما عليه من حقوق؟
 
ثم وهذا عجيب جدًا أقرأ في ذلك الملف المتخم بقضايا بشعة فأجد أن تهرب فلان هذا لا يساوى جناح بعوضة بالقياس لغيره، فقد نشرت المواقع الإخبارية المعتبرة أن يوم الرابع والعشرين من يوليو من عامنا قد شهد قسام الأجهزة المعنية من ضبط (1406) قضية من قضايا التهرب الضريبي بمبالغ مالية بلغت (1,691,698,398) جنيه – قيمة تعاملات مالية مخفاة لم يقم الممولون بإخطار مصلحة الضرائب بها".
 
ماذا يصنع النصف مليون الذي تهرب فلان من سداده أمام أكثر من مليار ونصف المليار التي تهرب بعضهم من سداده؟
 
ثم تقرأ أن الأجهزة المعنية قد تمكنت من ضبط قضايا تهرب في أسبوع واحد تبلغ جملتها أحد عشر مليار جنيه!
 
ثم تقرأ أن حجم المتأخرات الضريبية في مصر يقدر بأكثر من 130 مليار جنيه، فيما يبلغ حجم التهرب من الضرائب نحو 400 مليار جنيه.
 
والحال كما ترى أجدني ملزمًا باعتذار لذلك الشهير الذي تهرب من سداد نصف مليون، لأن الأمر أكبر وأخطر من تهربه، ثم لا أجدني قادرًا على طرح حل يواجه تلك الكارثة لأن ضخامة الأرقام المستحقة تجعل الدولة لا تواجه حالات فردية يمكن التعامل معها، فكأن هناك مافيا منظمة تعمل وفق منهج وسياسية، وتفكيك تلك المافيا واختراقها ليس بالأمر السهل الهين، فالذي يرى في دهس حقوق وطنه إنجازًا لن يسمع لنصيحة أو تردعه عظة.
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة