يوسف أيوب يكتب: التعديات على أملاك الدولة ومنشأت الرى.. سوس ينخر في الجسد

السبت، 02 أكتوبر 2021 09:30 م
يوسف أيوب يكتب: التعديات على أملاك الدولة ومنشأت الرى.. سوس ينخر في الجسد

هدم الدول أسهل بكثير من بناءها، هذا ما علمته لنا كتب التاريخ، وأيضا الحياة العملية، والهدم هنا لا يقتصر فقط على استخدام القدرات العسكرية لتدمير دولة، بل ان الهدم في كثير من الأحوال يكون بيد أبناء الدولة نفسها، سواء تم ذلك بعدم إدراك منهم، او بتحريض من الخارج، ولنا في ذلك أمثلة كثيرة ومختلفة، لدول وحضارات سقطت وهى في أوج قوتها، لا لشئ الا لإن أبنائها تعاملوا معها ومع بنيتها ومقدراتها باستخفاف شديد، واستهتار ترتب عليه انهيار هذه الحضارات والدول، ولم تقم لها قائمة حتى اليوم.
 
هذا ما يبلغه لنا التاريخ، وعلينا أن نقراه جيداً، حتى لا نكرر أخطاء الآخرين، فالشاهد اليوم أن الدولة المصرية منذ 2014 وهى تأخذ منحى جديد في التنمية والبناء لم يكن يخطر على بال أحد، حتى اشد المتفائلين، لم يكن يتخيلوا أن تحقق مصر كل هذه النهضة العمرانية والتنموية في وقت قصير، بل ومستمرة في هذه النهضة، التي تتوازى أيضاً مع مواجهة التحديات الأكثر خطورة ومنها مكافحة الإرهاب، من خلال السير في مسارين متوازين، مسار الحرب على الإرهاب، ومسار التنمية.
 
وإذا كان الإرهاب هو الخطر الحقيقى الذى تصدت له الدولة المصرية طيلة السنوات الماضية، التي تلت ثورة 30 يونيو 2013، فهناك خطر لا يقل عنه، وهو الاستهتار أو العبث بإمكانيات الدولة، والذى تتعدد صوره، ومنها على سبيل المثال سوء استخدام مرافق الدولة، والتعامل معها وكأنها ليست ملكاً لنا، رغم أنها في الحقيقة هي ملك لكل مصري ومصرية، وعليهم ان يحسنوا استخدامها.
 
ومن الصور الخطرة أيضاً، تلك التي أشار إليها الرئيس السيسى الأسبوع الماضى، خلال افتتاح محطة معالجة المياه ببحر البقر، وهى التعدى على إملاك الدولة والأراضى الزراعية، ومنشأت الرى، والتى تسببت في تهالك العديد من مرافق الدولة، والتأثير سلباً على القطاع الزراعى، رغم أن هذا القطاع يعد أحد الدعائم الرئيسية للإمن القومى المصرى.
 
الرئيس السيسى خلال الافتتاح قال أن وقف التعديات على الأراضي الزراعية يمثل قضية أمن قومي، حيث إن عددًا كبيرًا من سكان مصر يعملون في قطاع الزراعة، محدداً 6 أشهر كمهلة امام أجهزة الدولة، سواء وزارة الداخلية أو المحافظات، لإزالة أي تعدى على منشأت الرى وكذلك أراضى الدولة، حتى وإن تطلب الأمر تدخل القوات المسلحة، وقال الرئيس السيسى بلهجة حاسمة أنه خلال ستة شهور ستتم إزالة أية تعديات وستعود الأمور إلى ما كانت عليه قبل 30 عامًا، قائلا:" هتتشال كل حاجة غلط فيكي يامصر طول ما أنا موجود في مكاني".
 
وأضاف الرئيس السيسى: "خلال 6 شهور وكافة الجسور تكون زى الكتاب ما بيقول.. وإن تطلب الأمر نزول الجيش.. ينزل الجيش يا محمد "موجها حديثه لوزير الدفاع".. والمعدات تكون موجودة سواء ألف أو 3 ألاف أو 10 معدة.. وكل الجسور ترجع تانى زى ما كانت.. وكل بيانات الناس دى تبقى موجودة معانا.. سواء تعدى على أراضى زراعية أو جسور".
 
وأشار الرئيس السيسى إلى سيتم وقف كل الدعم المقدم للحكومة من خبز أو دعم تموينى أو غيره لمن يتعدى على الأراضى الزراعية أو الترع والمصارف.
ووجه الرئيس مجموعة من الرسائل القوية للمصريين، بقوله "أننا نعمل جميعًا من أجل مصلحة الوطن لكي يأخذ مكانة أفضل مما هو عليه الآن"، مع التشديد على أن "أية ممارسات سلبية لن تكون مقبولة ولن نتغاضى عنها"، مؤكداً على أن " البلاد لا تبنى بالدلع أو الطبطبة ولكن بالجدية والعمل والانضباط والالتزام"، ومشدداً في الوقت نفسه على محاربته للفساد، وقال "بيني وبين الفساد خصومة".
 
لماذا قال الرئيس ذلك؟
 
بنظرة بسيطة على الأرقام سنكتشف خطورة الملف الذى فتحه الرئيس، فقد أظهرت أحدث بيانات صادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، حجم التعديات خلال عام 2020 وما تم إزالته موزعة على مستوى محافظات الجمهورية، حيث بلغ عدد حالات التعدي في محافظة المنيا نحو 12 ألف و802 حالة، وإجمالي ما تم إزالته 9 آلاف 553 إزالة، يليها محافظة أسيوط بنحو 4 آلاف و346 حالة تعدى، و941 حالة إزالة.
 
وتؤكد أرقام الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء أنه بلغ عدد حالات التعدى 55 ألف و626 حالة خلال عام 2020، مقابل 44 ألف و701 حالة عام 2019 بزيادة بلغت 24.4%، فيما بلغت المساحة التي تم التعدي عليها ألفي و994 فدان عام 2020، مقابل ألفي و471 فدان عام 2019 بزيادة بلغت 21.2%، وسجل عدد ما تم إزالته 44 ألف و104 إزالة عام 2020، مقابل 35 ألف و336 إزالة عام 2019 بزيادة 24.8%، كما بلغت مساحة ما تم إزالته 2469 فدان عام 2020، مقابل 2062 فدان بنسبة زيادة 19.7%.
 
هذه الأرقام خاصة فقط بالتعدى على الأراضى الزراعية، ولم تشمل التعدى على منشأت الرى، خاصة جسور الترع وردم أجزاء من مجرى النيل أو البحيرات وهى كثيرة ومتعددة، فوفق ما أكدته وزارة الرى التي أطلقت في 2015 حملة إنقاذ نهر النيل أسفرت عن إزالة أكثر من 64 ألف حالة تعدى على مجرى نهر النيل وفرعيه بدمياط ورشيد، لكن هناك تعديات أخرى، خاصة أن التقديرات لدى الوزارة تشير إلى أن إجمالي التعديات كان 120 ألف، وتبقى حوالي 56 ألف حالة تعدي سيتم التصدي لهم خلال الأشهر الستة القادمة، وأشهر التعديات وأخطرها هو ردم نهر النيل، وبالتحديد في فرع رشيد، من أجل الحصول على تلك الجوانب من أجل زراعتها أو بناءها، إضافة إلى البناء في حرم النهر، وهي منطقة ممنوع فيها البناء على الإطلاق، بالإضافة إلى التعديات المتمثلة في بناء الكافيهات والكازينوهات.
 
على الأرض بدأت أجهزة الدولة التحرك السريع لتنفيذ تكليفات الرئيس، وتوازى ذلك مع صدور توجيه من المستشار عزت أبو زيد رئيس هيئة النيابة الإدارية، بسرعة إنجاز التحقيقات في القضايا المتعلقة بمخالفات البناء والتعدي على أراضي الدولة والأراضي الزراعية، ومنشآت الري، مع التأكيد على وجوب إحالة كافة من تثبت التحقيقات مسؤوليتهم إلى المحاكمة العاجلة.
 
ولكى نلم بحجم الخطر علينا أن نركز مع بعض سوياً لنتاج عمل يوم واحد في عدد من المحافظات لنكتشف حجم المشكلة وتأثيرها، فخلال يوم الأربعاء الماضى فقط، أزالت محافظة القليوبية 24 تعديًا على حرم الترع والمصارف في مركز القناطر الخيرية على مساحة 2285 م2، تنوعت ما بين مبان خرسانية ومبان بالطوب الأحمر وأسوار وتشوينات وردم بالمجارى المائية وخلافه، وفى نفس اليوم أزالت محافظة بنى سويف 55 حالة تعد "16 قطعة أراضى أملاك الدولة، 10 حالات على أرض ولاية الآثار، 16 حالة على حرم السكة الحديد+ 13 حالة تعد على أرض زراعية"، بالإضافة إلى تنفيذ 16 قرار إزالة على مسطح إجماليه 4000 متر بزمام الإدارة العامة لحماية النيل ببنى سويف، حيث تم تنفيذ 11 قرار ازالة عبارة عن مبانى على مسطح 2500 متر و5 قرار ردم على مسطح 1500 متر بمركز الفشن محافظة بنى سويف، وفى محافظة كفر الشيخ تم تنفيذ 49 قرار استرداد أراضى أملاك الدولة، وفى محافظة الإسماعيلية، تم إزالة 65 حالة تعد بمساحة 12500 متر مربع عبارة عن مبانى غير مكتملة وأسوار بنطاق قرية الفردان، وفى اسوان تم تنفيذ حملة مكبرة لإزالة 24 حالة تعد بقرى مركز نصر النوبة بإجمالى مساحة 29 ألف و937 م، وفى القاهرة، تم تنفيذ 11 قرار إزالة من 13 قرارا بمنطقة البر الشرقى لمجرى نهر النيل ناحية ركن فاروق وكفر العلو بحلوان.
 
هذه الأرقام تؤكد خطورة الموقف، والذى يتطلب إلى جانب اليقظة الحكومية، وعى من المواطنين، بانهم جزء أصيل في بناء الدولة، وليس هدمها، وعليهم إدراك حقيقة ان استمرار التعديات بمثابة السوس الذى ينخر في جسد الدولة ولن يتركها الا بعد أن تنهار، فهل يقبلوا ذلك؟.
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة