الآلية الثلاثية المصرية القبرصية اليونانية تعيد رسم خريطة شرق المتوسط

السبت، 23 أكتوبر 2021 06:00 م
الآلية الثلاثية المصرية القبرصية اليونانية تعيد رسم خريطة شرق المتوسط
محمد الشرقاوي

القمة التاسعة بأثينا تبنى حائط صد ضد التهديدات والإرهاب وتطلق دبلوماسية التنمية 
 
استضافت العاصمة اليونانية "أثينا" القمة التاسعة آلية التعاون الثلاثي بين الرئيس عبد الفتاح السيسي، ونيكوس أناستاسياديس، رئيس قبرص، وكيرياكوس ميتسوتاكيس، رئيس وزراء اليونان.
 
وتعتبر آلية التعاون الثلاثي بين مصر وقبرص واليونان واحدة من أفضل أطر التعاون والتنسيق النموذجي بين الدول التي تحترم وتحقق مصالح شعوبها، منذ بدؤه في 2014، فالرئيس السيسي عزز القوى الإقليمية وكذلك الدولية لمصر، مما جعل من البلد ركيزة استقرار ومصدر أمان يسعى الكل لنسج العلاقات الفاعلة معها.
 
وتندرج الآلية الثلاثية "مصر – قبرص – اليونان" ضمن نمط الانفتاح على دوائر غير تقليدية للسياسة الخارجية المصرية لا تنظر إلى أوروبا باعتبارها كتلة واحدة، وإنما ثلاث دوائر تتحدد وفقًا درجة الاستجابة والتماهي مع الشواغل الأمنية والسياسية المصرية، بحيث تنقسم إلى دائرة شرق المتوسط، ودائرة شرق ووسط أوروبا، ودائرة غرب أوروبا التي كانت المستهدف التقليدي للسياسة الخارجية سابقا، كما تُمثل آلية التعاون الثلاثي نموذجًا لمأسسة التعاون والتكامل الإقليمي.
 
ورسخت الشراكة المصرية القبرصية اليونانية نمطًا جديدًا من التحالفات في منطقة شرق المتوسط، وأصبحت بمثابة حائط صد ضد أية تهديدات تؤثر على مصالح تلك الدول بشكل خاص، واستقرار الإقليم بشكل عام، وتحولت إلى شكل من أشكال التحوط –السياسي والعسكري والأمني- للدول الثلاث في إقليم شهد نوعًا من الاضطراب والتوتر كاد أن يصل لحد المواجهة العسكرية خلال العام الفائت.
 
كما حرصت الأطراف الثلاثة على تعزيز العلاقات فيما بينهما على كافة الأصعدة والمستويات، عبر عدد من التفاهمات واللقاءات، ومن هنا جاءت القمة الثلاثية التاسعة التي جاءت وسط سياقات مؤثرة، إذ يجري إعادة ترتيب وهندسة التفاعلات في المنطقة سواء في الشرق الأوسط بشكل عام أو فيما يرتبط بمنطقة شرق البحر الأبيض المتوسط بوصفها إقليمًا فرعيًا يحظى باهتمام عدد من القوى الإقليمية والدولية، وذلك لعدد من الاعتبارات يأتي في مقدمتها الوفرة الهيدروكربونية والطفرة التي حققتها اكتشافات الغاز الطبيعي في تلك المنطقة.
 
وبخلاف الزيارات المتبادلة تجتمع الدول الثلاث ضمن إطار عدد من التحالفات الجماعية لعل أبرزها مساهمة مصر وقبرص واليونان في تدشين منتدى غاز شرق المتوسط وتحويله إلى منظمة إقليمية مقرها القاهرة. وكذلك يعد تدشين منتدى الصداقة في أثينا (فبراير 2021) دليلًا على رغبة تلك الأطراف في دعم وتعزيز التحركات الجماعية.
 
وتنطلق التحركات المصرية نحو منظومة شرق المتوسط الناشئة وفقًا لمقاربة جديدة لسياستها الخارجية يُمكن تسميتها بـ "دبلوماسية التنمية"، جوهرها تطوير نمطًا من العلاقات الإقليمية قائمًا على الانخراط في مشروعات تنموية اقتصادية وتجارية تحقق المنفعة المشتركة لكافة أطرافها، بما يؤكد دورها كشريك أمني وسياسي رئيسي والعمل كضامن للأمن والاستقرار ومحفزًا للتنمية. فضلًا عن كونها تعكس نهج تشكيل التكتلات الإقليمية والتحالفات متعددة الأطراف الذي فضلته الدولة المصرية مؤخرًا للتعاطي مع التحديات المتصاعدة والتهديدات المحدقة بمنظومتي الأمن القومي المصري والعربي، بما يُمكنها من لعب أدوار سياسية وأمنية محورية وإحداث خروقات بالملفات المُعقدة وتحقيق مكاسب اقتصادية وتجارية طويلة الأمد.
 
وخلال القمة التاسعة أشاد السيسي بالنجاح الكبير الذي حققته آلية التعاون الثلاثي بين البلدان الثلاثة حتى الآن، وبأهمية التشاور الدوري والتنسيق الوثيق حول الملفات الإقليمية والدولية المؤثرة على البلاد وكافة شعوب المنطقة، والذي أثمر بعد ذلك عن مشروعات كبيرة شيدت على أرض الواقع، في مختلف القطاعات الاقتصادية والثقافية والأمنية والعسكرية. وتهدف القمة إلى دعم وتعميق التشاور السياسي بين الدول حول سبل التصدي للتحديات التي تواجه منطقتي الشرق الأوسط والشرق المتوسط.
 
وقال الرئيس السيسي أنه استناداً إلى حرص مصر المتبادل على الاستفادة القصوى من الإمكانيات والموارد التي تؤهلها لتحقيق تطلعات شعبها نحو المزيد من الرفاهية والرخاء، فقد أسهمت آلية التعاون الثلاثي في الاتفاق على مشروعات للتعاون في قطاعات الطاقة والسياحة والنقل والزراعة والبيئة ومواجهة التغير المناخي. وهذا إن دل على شيء فهو يدل على قوة العلاقات بين الدول الثلاث التي تعكس قوة التلاقي السياسي بينهم، كما تحدث الرئيس عن تعزيز التعاون بين الدول الثلاث ولا سيما في مجال الطاقة الواعد والذي توليه مصر اهتماماً خاصاً سواءً بشقها التقليدي أو ارتباطاً بمصادرها المتجددة. هذا وقد تم توقيع الاتفاق الثلاثي في مجال الربط الكهربائي، وذلك بعد إبرام اتفاقيتين ثنائيتين لربط الشبكة الكهربائية في مصر مع كل من اليونان وقبرص على المستوى الثنائي، تمهيداً للهدف المشترك القادم وهو الربط الكهربائي مستقبلاً مع بقية أرجاء القارة الأوروبية. 
 
وأشار الرئيس السيسي إلى أهمية تأسيس منتدى غاز شرق المتوسط ذلك الكيان الذي نعول عليه جميعا من أجل حسن التخطيط لمشروعات التعاون الإقليمي، وتعظيم الاستفادة من مخزون الغاز الطبيعي والثروات الهيدروكربونية من قبل الدول الأعضاء وشعوب المنطقة، وأنه علينا إيجاد زخم موازٍ فيما يتصل بمسعى إنشاء خط أنابيب بحري لنقل الغاز الطبيعي من حقل " أفروديت" القبرصي إلى محطتي الإسالة المصريتين بدمياط وأدكو، وذلك لتوريد الغاز المسال من مصر إلى اليونان، ومنها لاحقاً إلى كثير من أسواق دول أوروبا، وذلك بما يتسق مع قواعد القانون الدولي ومبدأ احترام سيادة الدول على أقاليمها ومواردها.
 
وخلال القمة التاسعة ما تحدث الرئيس السيسي وشركائه عن خطورة ظاهرة الإرهاب التي تحرم شعوب المنطقة امن أبسط حقوقها الإنسانية، وهو حق الأمن والعيش الكريم، فمصر تبدأ بمكافحة الأيدلوجية الخاطئة للفكرة، مروراً بالتمويل لها ووصولاً إلى الفعل الإرهابي، فهي بالفعل مثال يحتذى به في هذا الملف، والعالم ينظر باحترام كبير للتجربة المصرية في مواجهة آفة من الآفات التي واجهتها وهي الإرهاب وما فعلته من تعطيل التنمية وضرب المشروعات الاقتصادية ومنع لاستثمار من التدفق وإشاعة حالة من عدم الاستقرار في المنطقة. وتحدث عن الهجرة الغير شرعية التي لا تقل عن الارهاب خطورة وما يرتبط بها من أنشطة الجريمة المنظمة والاتجار بالبشر. وأعرب عن تفهمه للأهمية التي يوليها الشركاء اليونانيين والقبارصة أمام هذه الظواهر المهددة للاستقرار، وأن علينا بذل كل جهد ممكن للحد من تداعياتها وأن مصر تتحمل جميع الأعباء المادية لمواجهة هذه الظواهر عن طيب خاطر، إسهاما منها في دعم الاستقرار المالي والدولي.
 
وأشاد رئيس الوزراء اليوناني في خطابه بالموقف الهادئ الذي تتبعه مصر التي لم تطلب أي مقابل في مجال معالجة تدفقات اللاجئين بل إنها تحارب شبكات تهريب اللاجئين، فمصر نموذج يحتذى به بعيداً عن أي سلوكيات تحاول استغلال هذه القضية.
 
وأضاف أن هناك آلية تعاون وثيقة بين الدول الثلاث في مجال الطاقة، مشيراً إلى أن مصر تعد مركزا مهمًا للطاقة في منطقة شرق المتوسط، كما أن هناك تعاون في مجال مكافحة فيروس كورونا، موضحا أن اليونان أهدت مصر 250 ألف جرعة من اللقاحات، كما أن هناك تعاون في مجال التغير المناخي على المدى الطويل وأيضاً مصادر الطاقة المتجددة، مما يعكس آفاق التعاون الواسعة بين الدول الثلاث.
 
وقال إن الطاقة لا تعد فقط نقطة التقاء للمصالح المشتركة بين اليونان ومصر وقبرص أو أولوية استراتيجية للدول الثلاث فقط ولكن جسر تعاون بين مصر وأوروبا، مؤكدا أن مصر تقوم بدور محوري في نقل الطاقة لأوروبا خاصة في ظل الاضطرابات الجسيمة التي تحدث في سوق الطاقة، مضيفا ان مصر تقوم بدور فعال في شبكة نقل الطاقة والغاز الطبيعي.
 
وأشار رئيس وزراء اليونان، إلى أن اليونان ومصر وقبرص ملتزمة باحترام الشرعية الدولية، موضحا أن الدول الثلاث أبرمت اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بعد جهود استمرت على مدار فترة زمنية طويلة، واصفاً هذه الاتفاقية بأنها نموذج يحتذى به بعيداً عن أي تعسف أحادي من أي جانب ينتج عنه تهديدات بالحرب وهو ما لا يتفق مع مفهوم القرن الحادي والعشرين.
 
وأضاف أن الدول الثلاث أكدت على أهمية التحول الديمقراطي في ليبيا والأخذ بمبادرات التعاون الاقتصادي موقع التنفيذ وهو ما سيتبلور في المؤتمر المقرر انعقاده في باريس حول ليبيا، مشدداً على أن مصر واليونان وقبرص تدعم الاستقرار في أفغانستان بشكل عاجل، كما ناقشت القمة قضية اللاجئين، لافتًا إلى أنها قضية تشغل اليونان أمام تدفقات بشر يعانون ولكن أصبحوا أداة في يد أطراف أخرى وهم المهربون، مشيداً بالموقف الهادئ الذي تتبعه مصر في هذا الشأن والذي لم تطلب فيه أي مقابل في مواجهة تدفقات المهاجرين ولا تحاول استغلال هذه القضية.
 
رئيس قبرص: رؤى متطابقة 
 
وأكد الرئيس القبرصي، نيكوس اناستاسيادس، على تطابق المواقف بين الدول الثلاث (قبرص واليونان ومصر) فيما يتعلق بالقضايا ذات الاهتمام المشتركة، مضيفاً أن هناك تعاونا مشتركا في مجال الطاقة، كما أن هناك اتفاقا على ضرورة مواجهة الإرهاب وقضايا إحلال السلام والاستقرار في المنطقة.
وأكد الرئيس القبرصي أن اجتماعات القمة الثلاثية والاجتماعات الأخرى والربط مع الاتحاد الأوروبي والتعاون، لا تستهدف أي طرف ولا تقصي أي طرف.
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق