مركز الإصلاح والتأهيل بوادي النطرون.. للمسجون أيضاً حقوق

السبت، 06 نوفمبر 2021 05:55 م
مركز الإصلاح والتأهيل بوادي النطرون.. للمسجون أيضاً حقوق
دينا الحسيني

منظمات حقوقية: المركز خطوة متقدمة لتفعيل الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان وتغيير فلسفة العقاب

مساعد وزير الداخلية الأسبق لقطاع السجون: مركز وادي النطرون ليس ترفيه للسجين إنما حماية للمجتمع بضمان عدم العودة للجريمة

الشئ المؤكد ان كل الإجراءات والقرارات التي تقوم بها الدولة المصرية مؤخراً لا تستهدف من ورائها البحث عن رضا "الخارج"، وإنما الهدف الأساسى الذى تضعه الدولة دوماً امامها هو تحقيق رضا المواطن اولا واخيراً، لكن إذا أقترن رضا المواطن بتشجيع وإعجاب من الخارج فلا مانع من الحديث والإشارة إلى الاشادات الخارجية، كونها في نهاية الأمر تعبر عن عين محايدة.

مؤخراً أفتتحت الدولة المصرية مركز الإصلاح والتأهيل بوادى النطرون التابع لقطاع الحماية المجتمعية بوزارة الداخلية، الذى يعد بمثابة نقلة نوعية في مفهوم وفكر الفلسفة العقابية، التي لا تقوم فقط على مجرد عقاب الجانى على جريمته، وإنما إعادة تأهيله ليعود إلى المجتمع مرة أخرى مواطناً صالحاً.

خلال الافتتاح كان هناك حضور دبلوماسي إجنبى، ومسئولين لمنظمات حقوقية مصرية ودولية، وكان الجامع بينهم هو الإشادة بما تحقق في مركز الإصلاح والتأهيل بوادى النطرون، حيث أعرب جيروم فونتانا، رئيس بعثة اللجنة الدولية للصليب الأحمر بالقاهرة، عن حالة من الرضا التام على ما شاهده خلال زيارة المركز.

وقال علاء شلبى، أمين عام المنظمة العربية لحقوق الإنسان، أن مركز الإصلاح والتأهيل بوادى النطرون يشكل نقلة حضارية كبيرة باعتباره يمثل النموذج الذى سيتم تعميمه فى المؤسسات العقابية، لافتا إلى أنه يعد خطوة متقدمة على طريق تفعيل الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، مؤكداً أن مصر تخطت أزمة كبرى تعود فى حقيقتها إلى نهاية تسعينيات القرن الماضى وبلغت ذروتها فى العام 2013 عقب المظاهرات المسلحة وغير السلمية التى نظمتها جماعة الإخوان وحلفاؤها وعبر الجرائم الإرهابية التى قوضت أمن البلاد، وقد شكلت تلك الأحداث سببا فى تفجير أزمة التكدس فى مراكز الاحتجاز وبالتالى الكشف عن القصور الذى كان فيها سابقا.

وأضاف شلبى: "أنا والزملاء فى المنظمة العربية لحقوق الإنسان أكثر الناس سعادة بهذا التطور، حيث كانت المنظمة قد أجرت بحوثا، قبل أن توجه فى 17 يوليو 2014 مذكرة إلى الرئيس عبد الفتاح السيسى فى هذا الصدد، وقدمت عددا من المقترحات العاجلة والآجلة لمعالجة الإشكاليات، وهو ما كان موضع استجابة واضحة من خلال البدء بتبنى مقترح تخصيص 6 سجون للحبس الاحتياطى الذى شكل المصدر الرئيسى للتكدس، وتطوير لوائح التعامل مع المتاعب الصحية الطارئة فى أقسام الشرطة، والتوسع فى الإفراجات سواء بالعفو الرئاسى أو بالإفراج الشرطى لتخفيض التكدسات"، لافتاً إلى أن هذا التدخل وهذه الاستجابة كانت بداية لمسار تحديث حيث تم بناء سجون جديدة لتحل محل السجون المتهالكة، كما جرى ترميم البنية التحتية لنحو 30 سجنا قديما تأسس من منتصف القرن الماضى، كما جرى التوسع فى العفو والإفراج الشرطى بمعدلات كبيرة تبلغ فى المتوسط 40 ألف سجين سنويا.

وأكد شلبى أن نموذج وادى النطرون يلبى معايير الحد الأدنى لمعاملة السجناء، ويحاكى أفضل التجارب العالمية، ويُسهم فى تيسير تدابير التقاضى فى سياق التحديث والتحول الرقمى، معربا عن سعادته بتطوير المحتوى الإعلامى لوزارة الداخلية فى المادة الإعلامية التى قدمتها والذى تبنى حماية كرامة الإنسان الحر والمحتجز، وهو ما يعكس إيمانا حقيقيا وفهما واعيا بحقوق الإنسان.

وأكد أيمن عقيل، رئيس مؤسسة ماعت للسلام والتنمية وحقوق الإنسان، أن افتتاح مركز الإصلاح والتأهيل بوادى النطرون خطوة إيجابية وجيدة تأتى فى إطار تفعيل الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، وفى إطار التزام مصر بتعهداتها الدولية، موضحاً أنه لأول مرة يتم تطبيق القواعد النموذجية الدنيا الخاصة بمعاملة السجناء.

وقال عقيل أن تلك الخطوة تعد تحول من فلسفة العقاب إلى فلسفة الإصلاح والتأهيل إلى جانب العقاب، وأن تكون فترة العقوبة فى مكان يتوافر فيه معايير التهوية الجيدة والنظام الغذائى الجيد والرعاية الصحية.

وجاء افتتاح هذا المركز في إطار مفهوم حقوق الإنسان الأشمل والأعم والأوسع التي تبنته مصر منذ ثورة شعبها المجيدة في 30 يونيو 2013 والذى وضع الوطن والمواطن والإنسان والإنسانية على قدم المساواة في الحقوق، وهو ما ظهر جلياً في كل السياسات والمواقف الداخلية والخارجية للدولة المصرية، إذ نجحت الجمهورية الجديدة بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي في إعادة صياغة قواعد حقوق الإنسان، ووضعت استراتيجية استهدفت إعلاء قيمة المواطن المصري، فلايزال ملف حقوق الإنسان على رأس أولويات الرئيس كأحد أبرز الملفات التي حققت فيها الدولة المصرية نجاحات متتالية بدأت بالقضاء على العشوائيات وتوفير حياة كريمة لملايين المواطنين، ونقلهم إلى مُدن جديدة شُيدت على أعلى مستوى.

واتساقاً مع هذه المواقف كان القرار بتطوير شامل للمنظومة العقابية وتحويلها إلى مراكز إصلاح وتأهيل، والبداية كانت بمركز الإصلاح والتأهيل بوادي النطرون، وهو واحد من أكبر المراكز الإصلاحية والتأهيلية في العالم، روعي فيه تحسين ظروف الاحتجاز، ويتم إدارته اعتمادا على المرجعيات القياسية العالمية في حقوق الإنسان للتعامل مع النزلاء وإجراء تقييم شامل للنواحي النفسية لهم بهدف تهيئة بيئة مناسبة لتصحيح مسارهم ومعالجة أسباب ارتكابهم للجرائم.

وتتم إدارة مركز الإصلاح والتأهيل بوادي النطرون، بواسطة التقنيات الحديثة من خلال مبنى القيادة المركزية المتواجد في وسط المراكز، ويتحكم في تشغيل المنظومة بأحدث تكنولوجيا في هذا المكان، وكل مركز يضم عنابر لإقامة النزلاء بأسلوب حضاري وإنساني مزودة بشاشات عرض تعرض برامج رياضية وثقافية وترفيهية وتأهيلية لتصحيح المسار الفكري والسلوكي، وأماكن مخصصة لإقامة الشعائر الدينية تمكن النزلاء من أداء العبادات، وتعلمهم الأماكن السمحة للأديان، وأماكن مخصصة لذوي الاحتياجات الخاصة، وورش للتأهيل، وقاعات للطعام، فضلا عن غرفة لتجديد الحبس الاحتياطي لجلسات المحاكمة تيسيراً عليهم، ومكتبة لتنمية المهارات الثقافية والفكرية، وفصول دراسية وفصول المدرسة الفنية ، وأماكن لممارسة الحرف اليدوية مثل الرسم والنحت والخزف، ومساحات داخلية للتريض وملاعب خارجية .

وارتكزت الاستراتيجية الأمنية في إدارة المؤسسات العقابية والإصلاحية على محاور الفلسفة العقابية الحديثة التي تقوم على تحويل أماكن الاحتجاز التقليدية إلى أماكن نموذجية لإعادة تأهيل النزلاء من منطلق أحقية المحكوم عليهم بألا يعاقبوا عن جرمهم مرتين حتى لا تتوقف الحياة بهم وبأسرهم عند ذنب اقترفوه بما يعد ترجمة واقعية للاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان والتي تم إطلاقها مؤخرا، كما شملت خطط إعادة التأهيل برامج متكاملة  شارك فيها عدد من المتخصصين في مختلف مجالات العلوم الاجتماعية والصحة النفسية تشمل الاهتمام بالتعليم وتصحيح المفاهيم والأفكار وضبط السلوكيات وتعميق القيم والأخلاقيات وصولا لتحصين النزيل من الانحراف مرة أخرى وحماية مجتمعه من أية خطورة إجرامية محتملة كانت تسيطر على سلوكه، وامتدت برامج الرعاية الإجتماعية لأسر النزلاء أثناء فترة عقوبتهم، من خلال إدارة الرعاية اللاحقة والتي تقوم أيضا بمتابعة حالات المحكوم عليهم عقب الإفراج عنهم.

ويضم المركز أيضاً منطقة الاحتجاز 6 وبها مراكز فرعية روعي في تصميمها توفير الأجواء الملائمة من حيث التهوية والإنارة الطبيعية والمساحات  بالإضافة إلى توفير أماكن لإقامة الشعائر الدينية وفصول دراسية وأماكن تتيح للنزلاء ممارسة هواياتهم، وساحات للتريض وملاعب ومراكز للتدريب المهني والفني، تضم مجموعة من الورش المختلفة، وتضم منطقة التأهيل والإنتاج مناطق «الزراعات المفتوحة - الصوب الزراعية - الثروة الحيوانية والداجنة - المصانع والورش الإنتاجية»، كما  يوجد في المنطقة الخارجية للمركز منافذ لبيع المنتجات كما يتم بيع منتجات المركز في المعارض التي ينظمها قطاع الحماية المجتمعية، حيث يتم تخصيص العائد المالي للنزيل وتوجيه هذا العائد حسب رغبته، فإما تحويل العائد أو جزء منه لأسرته أو الاحتفاظ به عقب قضاء العقوبة، كما يضم مركز الإصلاح والتأهيل مستشفى مركزي مجهز بأحدث المعدات والأجهزة الطبية - غرف عمليات تشمل كافة التخصصات – غرف للرعاية المركزة – غرف للعزل والطوارىء بالإضافة إلى صيدلية مركزية ، وقسم للمعامل والتحاليل والأشعة - وحدة الغسيل الكلوي، بالإضافة إلى العيادات التي تم تجهيزها بأحدث المعدات، ومجمع المحاكم داخل المركز والذى تم إنشائه لتحقيق أقصى درجات التأمين ويضم 8 قاعات لجلسات المحاكمة "منفصلة إدارياً بسعة إجمالية 800 فرد حتى يتم عقد جلسات علانية لمحاكمة النزلاء بها وتحقيق المناخ الآمن لمحاكمة عادلة يتمتع فيه النزيل بكافة حقوقه ، وتوفير عناء الانتقال للمحاكم المختلفة.

من جانبه أكد اللواء مصطفي باز، مساعد وزير الداخلية الأسبق لقطاع السجون، أن مركز الإصلاح والتأهيل بوادي النطرون، ليس ترفيه للسجين، إنما حماية للمجتمع لما يقوم به المركز من إعادة تأهيل وإصلاح نفسي وتقديم يد المساعدة لضمان عدم العودة للجريمة، وكذلك انخراط النزيل مع المجتمع عقب قضاء مدة العقوبة.

وأضاف اللواء مصطفى باز، في تصريحات خاصة لـ"صوت الأمة"، أن إنشاء هذا المركز خطوة هامة في تحقيق العدالة والاستقرار الأمني، خاصة أن فلسفته العقابية تقوم على شقين، الأول مالي يتمثل في توفير تكلفة ترحيل السجين من محبسة إلى مقر انعقاد المحاكمة، وتفادي ما كانت تتعرض له مأمورية الترحيل من مخاطر في التأمين مثل قطع الطريق على سيارات الترحيلات أو محاولات الهروب، فضلاً عن  توفير الأموال التي كانت تتكبدها الدولة من ميزانيتها على سيارات الترحيل، سواء الأموال التي تدفع ثمناً للوقود أو الأموال التي كانت تدفع لصيانة سيارات الترحيلات.

وأضاف مساعد وزير الداخلية الأسبق، أما الشق الإنساني فهو لصالح السجين نفسه فوجود محكمة وغرفة تجديد حبس داخل المركز تحميه النزيل من مشقة النقل خاصة إذا كان مريض لا يتحمل مشقة الجلوس داخل سيارة الترحيلات أو الانتظار داخل قاعة المحاكمة، وأيضاً تعليمة حرفة يمتهنها بعد قضاء العقوبة، وتمكينه ايضاً من مساعدة أسرته والإنفاق عليها من داخل السجن، ذلك من خلال تقاضي أجر على العمل في المشروعات الإنتاجية مثل الزراعات المفتوحة، الصوب الزراعية، الثروة الحيوانية والداجنة، المصانع والورش الإنتاجية، وغيرها من مشروعات قطاع الحماية المجتمعية.

 

 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق