يوسف أيوب يكتب: اتفاق السودانيين في 21 نوفمبر امتداد لقرارات 25 أكتوبر

السبت، 27 نوفمبر 2021 08:00 م
يوسف أيوب يكتب: اتفاق السودانيين في 21 نوفمبر امتداد لقرارات 25 أكتوبر

البرهان وحمدوك يحددان مسارات التصحيح وإدارة المرحلة الانتقالية بالسودان بصناعة سودانية خالصة بعيدة عن الضغوط الخارجية والداخلية
 

الأحد 21 نوفمبر، يوم فاصل في تاريخ السودان الحديث، كونه اليوم الذى شهد سلسلة تصحيح المسار الذى بدأته الجارة الشقيقة يوم 25 أكتوبر الماضى، حينما أصدر الفريق عبد الفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة السوداني والقائد العام للقوات المسلحة السودانية، القرارات التي استهدفت في الأساس إعادة الأمور إلى نصابها الصحيح، بعدما شهدت البلاد حالة من الجمود السياسى، استتبعتها أزمات اقتصادية أثرت بشكل مباشر على الشارع السودانى.

في 25 أكتوبر خرج الفريق البرهان معلناً قرارات إعلان حالة الطوارئ في جميع أنحاء البلاد، والتمسك الكامل والالتزام الام بما ورد في الوثيقة الدستورية، وتعليق العمل بالمواد الـ 11 و12 و15 و16 و24-3 و71 و72 من الوثيقة الدستورية مع الالتزام الكامل بها بالاتفاقيات والمواثيق الدولية التي وقعت خلال فترة الحكومة الانتقالية، وحل مجلس السيادة الانتقالي وإعفاء أعضائه، وحل مجلس الوزراء، وإنهاء تكليف ولاة الولايات، وإعفاء وكلاء الوزارات، وتكليف مدراء العموم بتيسير دولاب العمل، وتجميد عمل لجنة إزالة التمكين حتى تتم مراجعة أعمالها وتشكيلها على أن تكون قرارتها نافذة، مؤكداً في الوقت نفسه أحقية شباب وأهل السودان فى أن يكون لهم وطن يحلمون به، مشددا على أن القوات المسلحة ماضية في إكمال التحول الديمقراطي حتى تسليم قيادة الدولة لحكومة مدنية منتخبة تحقق طموحهم في هذه الشعارات.

وشدد البرهان في خطابه للسودانيين على أهمية العمل "جميعا حتى قيام الانتخابات في يوليو 2023 من أجل توفير الأمن والطمأنينة والبيئة المناسبة لتعمل الأحزاب للوصل إلى الموعد المحدد للانتخابات وهى أكثر جاهزية واستعداد لتتولى شئون الدولة، كما جاء في الوثيقة الدستورية".

بعد إصدار هذه القرارات أنخرط السودانيين في عملية تفاوضية داخلية، بعيداً عن أية ضغوط أو ممارسات خارجية، رافعين شعار "الحل السودانى"، الذى يستهدف حل جميع المشاكل والأزمات السياسية والاقتصادية، دون خطوط حمراء أو فرض اشتراطات من احد، لذلك لم يكن مستغرباً أن تتوصل هذه المفاوضات إلى ما شاهدناه الأحد الماضى، حينما جلس رئيس مجلس السيادة الفريق اول عبد الفتاح البرهان ورئيس الوزراء عبدالله حمدوك على منصة واحدة، ليعلنوا للسودانيين قبل العالم أن الجميع توافق على إعلاء مصلحة السودان، والتوصل إلى اتفاق سياسي نص على الغاء القرار الخاص بإعفاء حمدوك، والتأكيد على أن الوثيقة الدستورية لسنة 2019 والمعدلة في 2020 هي المرجعية الأساسية القائمة لاستكمال الفترة الانتقالية، مع مراعاة الوضعية الخاصة بشرق السودان والعمل سويا على معالجتها في إطار قومي يضمن الاستقرار بصورة ترضي أهل الشرق، مع التأكيد أيضاً على ضرورة تعديل الوثيقة الدستورية بالتوافق بما يحقق ويضمن مشاركة سياسية شاملة لكافة مكونات المجتمع عدا حزب المؤتمر الوطني المحلول.

هذا الاتفاق يؤكد أن الأشقاء في السودان لم يكن لديهم من هدف الا السودان نفسها، بدليل أن البرهان وحمدوك يعودون معاً يداً بيد لبناء المستقبل.   

وشهد القصر الجمهوري السودانى الأحد الماضى، التوقيع على الاتفاق السياسي بين البرهان وحمدوك، تم خلاله التأكيد من الجانبين على أن الشراكة الانتقالية القائمة بين المدنيين والعسكريين هي الضامن والسبيل لاستقرار وأمن السودان، لذلك تم الاتفاق والتوافق على تكوين حكومة مدنية من الكفاءات الوطنية المستقلة "حكومة تكنوقراط"، وأن يكون مجلس السيادة الانتقالي مشرفاً على تنفيذ مهام الفترة الانتقالية الواردة بالمادة (8) من الوثيقة الدستورية دون التدخل المباشر في العمل التنفيذي، مع التأكيد على ضمان انتقال السلطة في موعدها المحدد بنهاية الفترة الانتقالية في يوليو 2023، على أن تكون إدارة الفترة الانتقالية بموجب إعلان سياسي يحدد إطار الشراكة بين القوى الوطنية "السياسية والمدنية والمكون العسكري والادارة الأهلية ولجان المقاومة وقوى الثورة الحية وقطاعات الشباب والمراة والطرق الصوفية".

ومن مزايا هذا الاتفاق نصه على أهمية بناء جيش قومي موحد للسودان، وأيضا اطلاق جميع المعتقلين السياسيين وتنفيذ اتفاق سلام جوبا واستكمال الاستحقاقات الناشئة بموجبة، وكذلك الاتفاق بضرورة الاسراع باستكمال جميع مؤسسات الحكم الانتقالي ذلك بتكوين المجلس التشريعي والمحكمة الدستورية وتعيين رئيس القضاء والنائب العام، على أن يلى ذلك تكوين المفوضيات ومؤسسات الانتقال الأخرى ومباشرة مهامها فورا وفق جداول زمنية محددة، على أن يتزامن ذلك كله مع بدء حوار موسع وشفاف بين كافة القوى السياسية والمجتمعية وقوى الثورة يؤسس لقيام المؤتمر الدستورى، بالإضافة إلى إعادة هيكلة لجنة تفكيك نظام الثلاثين من يونيو مع مراجعة أدائها في الفترة السابقة.

ولأنه جمع كل النقاط التي كانت محل خلاف، وأثارت مشاكل خلال الفترة الماضية، حظى اتفاق الأحد الماضى بدعم دولى قوى، وكانت مصر أول الدول اعلاناً بترحيبها بالتوقيع، وأشادت من خلال بيان رسمي لوزارة الخارجية "بالحكمة والمسئولية التي تحلت بها الأطراف السودانية في التوصل إلى توافق حول إنجاح الفترة الانتقالية بما يخدم مصالح السودان العليا"، كما أعربت عن أملها في أن يمثل الاتفاق خطوة نحو تحقيق الاستقرار المستدام في السودان بما يفتح آفاق التنمية والرخاء للشعب السوداني الشقيق.

كما أكدت البعثة الأممية بالسودان "اليونيتامس" أن شركاء الانتقال سيحتاجون إلى معالجة القضايا العالقة على وجه السرعة لإكمال الانتقال السياسي بطريقة شاملة، مع احترام حقوق الإنسان وسيادة القانون، ودعت جميع أطراف العملية السياسية في السودان إلى ضمّ أصوات الشباب لتلبية مطالب الشعب السوداني، فيما أعرب الأمين التنفيذي للهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية "إيجاد" عن امله في أن تؤدي الاتفاق إلى تشكيل حكومة شاملة لخدمة الشعب وبناء سودان ديمقراطي جديد يستجيب الي التطلعات المشروعة لجميع قطاعات المجتمع.

وحتى تكون الصورة أكثر وضوحاً بشأن ما تم الاتفاق عليه، علينا أن نستعيد ما قاله البرهان وحمدوك عقب التوقيع، لنقف على النقاط الأساسية، فقد أكد الفريق أول عبد الفتاح البرهان أن الاتفاق السياسي الذي تم التوقيع عليه يعد واحدا من خطوط الدفاع عن الثورة السودانية المجيدة، وأنه يؤسس لفترة انتقالية في البلاد، مقدماً شكره للشعب السوداني الذين ظلوا على جهد متواصل منذ شهور من أجل التقارب والتواصل، موضحاً أن التنازلات التي تمت كانت من أجل حقن الدماء وتحقيق آمال وتطلعات الشعب السوداني، مشدداً على ضرورة التوافق على استكمال الفترة الانتقالية، مؤكدا أنه لا إقصاء لأحد في هذه الفترة الانتقالية، إلا ما تم التوافق على إقصائه وهو المؤتمر الوطني. وقال البرهان "عهدنا أن نستكمل المسار الذي بدأناه إلى حين الوصول إلى انتخابات حرة في البلاد".

فيما قال حمدوك أن التوقيع على الاتفاق السياسي يفتح الباب واسعا على كل قضايا الانتقال، موضحاً أن هناك تحديات كبيرة تواجه الواقع السياسي، مشدداً على ان الاتفاق تم بناء على نقاط محددة تتمثل في حقن دماء السودانيين، كما أنه يتيح إمكانية المحافظة على مكتسبات العامين الماضيين، واشار إلى أن الاتفاق يحصن التحول المدني الديمقراطي عبر توسيع قاعدة الانتقال.

من جملة ما قاله طرفا الاتفاق يمكن التوصل إلى حقيقة مفادها أن ما تم كان صناعة سودانية خالصة، بعيدة كل البعد عن أية ضغوط سواء خارجية او داخلية، وأن هذه الصناعة تمت من خلال التوافق بين الطرفين على إبعاد المصالح الشخصية والتركيز على المصلحة السودانية العليا، حتى وإن أدى الأمر إلى تنازل كل طرف عن بعض من مطالبه التي لا تتوافق مع هذه المصلحة.

كما أن حديث البرهان وحمدوك يؤكد وجود توافق بين الطرفين على صعوبة المشهد السودانى الداخلى بل وتعقيداته التي أوجبت على الجميع الجلوس على طاولة مفاوضات واحدة، تبحث في أسباب ما حدث في الماضى، وتبنى لمستقبل يتمناه السودانيين مشرقاً لهم، وهو ما حدث فعلياً وكانت نتيجته هذا الاتفاق الذى إذا نظرنا إليه من زاوية قرارات 25 أكتوبر الماضى، سنجد أنه استمد غالبية بنوده من هذه القرارات، وهو ما يؤكد أن ما أصدره الفريق البرهان في أكتوبر الماضي كان بالفعل ضرورة ملحة لتجنيب السودان أزمات متتالية، والا ما توافق "حمدوك" على غالبية هذه القرارات وتضمينها في اتفاق 21 نوفمبر.

الشاهد الآن أن السودان يسير خطوات مدروسة نحو المستقبل، من خلال تكاتف أبنائه، وصولاً إلى الانتهاء من المرحلة الانتقالية وتسليم السلطة لحكومة منتخبة من الشعب، وهى اللحظة التي ينتظرها الجميع، وهناك امل كبير في قدرة الأشقاء على الوصول إلى هذه النقطة بأمان وسلام، خاصة ان أشقاء السودان يمثلون قوة دفع قوية نحو استقرار السودان وضمان أمنه وسلامته وسيادته على أراضيه، وهو ما تعمل عليه مصر والقيادة المصرية التي تؤمن بأن استقرار السودان هو استقرار لمصر وللأقليم بأكمله.

 

 

 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة