مصطفى الجمل يكتب: الأخير زمانه

السبت، 01 يناير 2022 06:46 م
مصطفى الجمل يكتب: الأخير زمانه

فإني وإن كنتُ الأخيرَ زمانَهُ لآتٍ بما لم تستطعهُ الأوائلُ.. الشاعر العربي العبقري أبي العلاء المعري، عندما كتب هذا البيت معبراً عن ثقته العالية في نفسه، وقدرته على إتيان أمور لم يسبقه لها أحد لم يكن يتوقع أن يأتي بعد وفاته بما يقرب من ألف عام رجلٌ يفوقه في ثقته بنفسه، ولكنه لن يحدث قومه بها كما فعل الشاعر العبقري، مضيفاً لمحاسن خلقه حسنة جديدة وهي التواضع. 
 
أتى بعد أبي العلاء المعري بألف عام رجل غير من وجه مصر، وأعاد روابط القومية العربية، ووقف عموداً لخيمة المنطقة، الكل يستند عليه بمنتهى الأمان والطمأنينة، لا أحد يخشى على نفسه طالما استظل بظله. 
 
 فعل ما لم يفعله أحد من قبله، دون أن ينطق بكلمة فيها شيء من الإحسان على قومه ولم يتبع فعله في أي وقت وتحت أي ضغوط بمن ولا سلوى. 
 
أتى الرئيس السيسي ليكشف لنا عورات ما سبقوه من حكام للمحروسة، تهاونوا في حق شعبها وممتلكاته ومقدراته، لا لشيء سوى أن يحافظوا على عرشهم، غير عابئين بأن هذه البلد ستعاني بعدهم من كل جنباتها، وسينفجر شعبها يوماً، بعدما يذوق الفقر ألوان، وتنهكه القيود التي فرضوها عليه طوال فترات حكمهم.
 
خلال الأسبوع الماضي، حل الرئيس على أهل الكرم بجنوب مصر مفتتحًا لعدد غير مسبوق من المشروعات القومية، التي ستضيف كثيراً لهذه المنطقة التي عانت كثيراً وطويلاً من التجاهل المقصود وغير المقصود، وتخلل هذه الافتتاحات مداخلات للرئيس، أكدت على أمور نعلمها عنه منذ اللحظة الأولى لتوليه حكم مصر، ولم نكن بحاجة للتأكيد عليها، وكأنه لم ينطق بها إلا ليطمأن قلبنا.
 
تحدث الرئيس بمنتهى الشفافية والمكاشفة عن سبب المشكلة الحقيقية التي واجهت مصر عندما تولى أمرها، وأُنفق على حلها وقتاً وجهداً ومليارات الجنيهات، وهي أنه كان هناك من يخاف على جلسته على عرش مصر أكثر بكثير من خوفه على مصر، فكان يظهر مرتعشاً في قراراته متردداً لا يقدم على خطوة إلا ويتراجع فيها بغض النظر عن مدى المصلحة العامة التي سيجلبها هذا القرار، ومدى استفادة الأجيال المقبلة من هذا القرار. 
 
من أول لحظة وكاشف الرئيس شعبه بأنه لن يفعل أمراً إلا ابتغاء مرضاة الله ومصلحة شعبه ومستقبل الأجيال المقبلة، ولن يخشى في ذلك لومة لائم، ولن يعيقه عن ذلك شيءٌ ولو تضرر البعض لوقت معين من هذه القرارات، وسار بهذا النهج حتى وصلنا لمرحلة جني الثمار على مدار عامي 2020 و2021، وتحولت الآراء المعترضة على القرارات حين صدورها لمصفقة الآن لنتائجها، ومعتذرين عن رؤيتهم التي كان بها قدر لا بأس به من القصور وعدم استشراف للمستقبل. 
 
لم يقدم الرئيس يوماً على تقديم وعود زائفة مدهونة بالزبدة إن طلع عليها النهار ساحت واستحالت عدماً لا يغني ولا يسمن من جوع. 
 
 لم يقدم لشعبه سوى ما يناسب قدرات الدولة في كل مرحلة، وما يمكن تنفيذه، مع التشديد بالرقابة الصارمة على ضرورة إزالة المعوقات وسرعة الإنجاز، وعدم التراخي والمتابعة المستمرة، واختصار السنوات المخططة للمشروعات في شهور، حتى يمكن تعويض ما فات، والاستعداد جيداً لما هو قادم. 
 
لا يتحرج الرئيس من الرد على أي أحد طالما أنه يحدث العامة بأمر يخص مصر، فلم يتحرج مثلاً من الرد على رجل أعمال خرج مثيراً للبلبلة بأمر منافسة الحكومة للقطاع الخاص في المشروعات القومية. 
 
 كشف الرئيس للشعب كله أن الشركة المملوكة لرجل الأعمال هذا وأسرته، عملت بـ 75 مليار جنيه خلال 7 سنوات، أي ما يقارب 11 مليار جنيه في السنة الواحدة، تخيل أن شركة واحدة عملت في عام واحد بـ 11 مليار جنيه، وتخرج تصدر شكوى عن منافسة الحكومة لها في العمل.
 
وقف الرئيس حاسماً لطلب أحد أصحاب الشركات الطالب لمنحة من الحكومة لعمالها الذين يأتون من الدلتا ليعملون بالصعيد، فقال له الرئيس نصاً: «أنا مبهاديش حد ومبديش فلوس لحد.. اكرموهم انتم»، سن الرئيس سنة حسنة، فصاحب المال والأعمال هو راعي عماله، وعليه أن يقدم لهم ما يعينهم على تقديم كل جهدهم لإخراج منتج جيد، ولا يجب أن يعتمد صاحب العمل والمحصل الأكبر للأرباح المتحققة بفضل جهد هؤلاء العمال على الدولة في إعانتهم.
 
ولعل أبرز ما جاء في هذه المداخلات والأكثرها إبهارا واستحقاقاً للتوقف والدراسة والترويج، ما ذكره الرئيس السيسي بشأن أن هذه المشروعات التي تفتتح بتوشكى يرجع الفضل الكبير فيها إلى الدكتور الراحل كمال الجنزوري، رئيس وزراء الأسبق، فقال الرئيس نصاً: «احنا معملناش حاجة اكتر من اللي كان مخططلها الدكتور الجنزوري»، مطالباً دولة رئيس الوزراء بإطلاق اسم الجنزوري على محور توشكى. 
 
لم نعتد في حكامنا على أن يأتي من يكمل ما بدأه سابقوه، اعتدنا فقط على أن من يأتي يرى خطط كل من سبقوه غير صالحة للتنفيذ وإن كانت، ولابد من شطبها وإعدامها سراً وعلانية، إلا أن الرئيس السيسي لم يكمل مشروعات كانت موجودة قبل توليه أمر البلد فقط، بل نسب الأمر لصاحبه وأعطاه حقه علانية، ووجه له الشكر والتقدير، وظل لدقائق معدداً فضله حتى بعد رحيله. 
 
أتى الرئيس السيسي بأمور كثيرة لم نعتدها في حاكم قبله لمصر، ومن الصعب أن ينافسه فيها رجل يأتي بعده، فلا الظروف التي عمل فيها الرئيس قابلة للتكرار مستقبلاً، ولا الإمكانات التي كانت مقتربة من الصفرية جائز حدوثها في أي زمن آخر، ولا حجم الإنجاز الذي وقع بعد كل الظروف التي مرت بالبلاد منذ عام 2011 وحتى ما قبلها، وكادت أن تودي بها وثرواتها؛ يُمكن أن ينجح مستقبلاً قائدٌ غير الرئيس عبدالفتاح السيسي في السيطرة عليها، وتحويلها من عثرات إلى درج يصعد عليه حاملاً على كتفيه بلده إلى المجد.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق