كشف "حساب" رجال الرئيس
الجمعة، 22 يناير 2016 06:18 م
أتابع قدر الإمكان علاقة الرئيس بمن حوله من معاونين، يجوز اطلاق مسمى "رجال الرئيس" عليهم، سواء كانوا على رأس أجهزة مهمة أو في وزارات سيادية، أو حتى بداخل القصر الرئاسي.
العلاقة بينهم وبين الرئيس أحيانا يشوبها بعض الشوائب، تحمل قدرا من الشد والجذب، قد يغضب الرئيس عن من حوله فترة، وقد يقرر زيادة في المسافات بينه وبينهم والتي كانت حتى وقت قريب قصيرة للغاية، ثم يقلص تلك المسافات بحسب رؤيته للنتائج.
لكن في أغلب الاوقات تكون قراراته هادئة، يشوبها البطئ، ويغلفها التأني، فهو يدرك أنه يدير دولة عبارة عن شخوص تحرك أجهزة ومؤسسات.
الرئيس يبدأ أولا بوضع تكليفات محددة لرجاله، ويملك القدرة على متابعتها بدقة واستمرار وصبر، وأحيانا تتم هذه المتابعة عن بعد وعبر طرق مختلفة، منها الملاحظة لمباشرة ومنها التقارير الرقابية ومنها المراقبة الخفية.
قد يظن هؤلاء أن الرئيس "هبطت" حماسته من هذا الملف، أو تلك القضية، لكن كثير من الرجال يفاجأوا أنه يحاسبهم على تفاصيل لم تكن تخطر بباله أن يصل إليها أو أن يعلم عنها شيئا.
جزء من معاقبة الرئيس لرجاله هي الإبعاد، والإبعاد في لغة الحكم قد تكون أشد قسوة من الإقالة أو الإيعاز بالاستقالة، كأن يلتقي الرئيس وبشكل مباشر عدد كبير من الوزراء دون وجود رئيس الورزاء ودون معرفته باللقاء إلا من خلال وسائل الإعلام.
وقد يعقب الإبعاد اقتراب كبير ينتهي بإقالة شديدة الوطأة على الرجل، تكون عملية التقريب هذه الاختبار الاخير والحاسم، يعقبها أقالة، ثم منح المسئول المقال منصبا يصبغ عليه حماية سياسية، كما حدث مع إبراهيم محلب رئيس مجلس الوزراء السابق ومساعد رئيس الجمهورية الحالي للمشروعات القومية.
قبل الإقالة بوقت كاف، يكون الرئيس قد أخذ قراره بنسبة 50%، وظلت النسبة المتبقية "رهنا" بتصرفات محلب، لكن الأخير لم يكن بالحنكة والحكمة والدراية التي تجعله يبقى فترة أطول في منصبه، بجوار رئيس له شعبية، وصفات كان من "الحكمة" الابتعاد عنها، ولا ننافسه فيها.
لكن محلب أكمل ما كان يعتقد أنه صحيح، واسمر في ما ظن أنه الفرصة التي قد لا تلوح في العمر إلا مرة واحدة فقط، فظل ينزف من رصيد نقاطه حتى بلغ "الصفر" في الجلسة التي جمعته بالرئيس وأعقبها خبر الإقالة.
شخصية أخرى يبدو أنها قطعت شوطا كبير من مسيرة محلب، لكنها تداركت الخطأ، التي وقعت فيه، والتقصير الذي لحق بعملها، فتحملت "الإبعاد" في صمت، وظلت تساير الأمور وتصحح الأوضاع التي جعلتها فريسة لعقوبة الإبعاد، فعاد مرة أخرى إلى دائرة المقربين من الرئيس، لكن هذه المرة بحنكة وحكمة ودراية افتقدها رئيس الوزراء السابق.
ويبدو أن رئيس الوزراء الحالي المهندس شريف إسماعيل قد تعلم جيدا من أخطاء سابقه، فقرر أن يسير في الاتجاه المعاكس لسلفه، فلم ينافس الرئيس في شعبيته، ولم يظهر بدور الرجل الثاني "القوي" الذي يجمع حوله رجال أعمال وإعلام ودولة، ليبدوا أنه مؤهل – أمام الرأي العام- لمنصب أعلى شأنا.
لكن ما جرى مع محلب ليس بالضرورة سيجري مع إسماعيل، فتاريخ رؤساء الوزارة يؤكد أن أكثرهم بقاءا في منصبهم هو أكثرهم صمتا، وصبرا، وتحملا للنقد وسخرية الإعلام، وهو الراحل عاطف صدقي (9 سنوات)، الذي صار على دربه أحمد نظيف فظل في منصبه 6 سنوات ونصف وكان مقدرا له الاستمرار أكثر لولا قيام الثورة.
في حين أن أكثر رؤساء الحكومات الذين نافسوا الرئيس (مبارك) في الشعبية والإعلام كان كمال الجنزوري الذي لم يكمل السنوات الأربع في الحكم، وخرج وحوله سلك شائك لا يقدر على الاقتراب منه أو الخروج من سجنه الاعتباري إلا بحساب، حتى قامت ثورة يناير.
هناك بالطبع استثناءات، لكنها غالبا ما تمنح القاعدة صك الدوام والاستمرار.
الاستمرار قد لا يكون مرادفا للاستقرار، وهو أمر نعاني من ندرته في مصر بعد ثورة يناير، لكننا في ذات الوقت نخشى من عودته، لأنه فضلا عن كونه لصيقا بطابع حكم الثلاثون عاما، هو أيضا طريقا مفروشا بالورود للفساد وتجاره.
لا يلعب الرئيس (السيسي) بالرأي العام كما كان يفعل (مبارك)، وغالبا ما يستجيب للموجة الرافضة للأوضاع، الراغبة في التغيير، لكنه أيضا يرغب في نسبة من الاستقرار التي تمنحه فرصة العمل والإنجاز، لذا فأغلب أوراق هذا الإنجاز بعيدا عن حسابات الحكومة.
لكنه في الوقت ذاته مجبر على منح بعض الملفات للحكومة، خاصة التي لها علاقة بأطراف خارجية، مثل ملف سد النهضة، وملف الاستثمار، فأبقى على وزير الري ووزير الاستثمار (مجبرا) حتى حين، وإن كان قرار إقالتهما تقريبا مكتوب وجاهز للتوقيع في درج مكتبه.
إدارة الرئيس لرجاله، قد يعتقد البعض أنها يومية، لأنه دائم الاتصال بجميع الوزراء والمسئولين مرة على الأقل في اليوم، لكنه يبدو أنه يعمل معهم بطريقة تجميع النقاط، يتم تدوينها بشكل يومي، بطريقة أشبه بأعمال السنة وليست على طريقة الثانوية العامة، اختبار واحد إما يطيح بالآمال، أو يفجر المفاجاة.
مثل وزير التموين والتجارة الداخلية، خالد حنفي أحد أعلى الحاصلين على درجات في كشف أعمال السنة الرئاسي، وإن كان مشروع الحبوب قد أنقص من درجاته كثيرا، لكن في المقابل تقبع المجموعة الجديدة التي جاءت مع رئيس الوزراء الجديد في مؤخرة كشف الوزراء، لأسباب عديدة، أهمها الضعف الشديد الذي يتسم به أدائهم الوزاري، ثانيا، عدم قدرة رئيس الحكومة على توجيه الوزراء الجدد، ففاقد الشئ لا يعطيه.
على جانب آخر وفي كشف مستقل يأتي ترتيب الوزارات والأجهزة المهمة في كشف آخر مستقل، يأتي في قمته وزير الدفاع الفريق صدقي صبحي، في حين أن شريف إسماعيل ينفرد بمؤخرة هذا الكشف.
وما بين الإسمين درجات متفاوتة وشخصيات عديدة، يفضل الرئيس أن يكونوا تحت ملاحظته بشكل دائم ومستمر.
المفاجأة أن هناك كشف ثالث يضع فيه الرئيس أسماء شخصيات عديدة لا علاقة لها بأي مهام تنفيذية معلنة، ولا هم في مناصب رسمية، منهم شباب، ورجال أعمال وسياسيين وصحفيين.
ليس بالضرورة تكون متابعة الرئيس لهم، تمهيدا لتقلدهم مناصب رسمية، بل في غالب الظن، هم مؤشر الرضا الشعبي عن الأداء الرئاسي، وقد تكون المتابعة، تمهيدا لعملية تغيير (تحت السيطرة) يأمل في أن تشمل قطاعات عديدة في البلد المنهك من العشوائية التي تضرب كل شرايينه.