عبد الفتاح علي يكتب: "شالو" محلب و"حطو" إسماعيل
الجمعة، 18 سبتمبر 2015 05:02 م
على الرغم من الاتصالات العديدة التي تلقيتها عقب الإعلان عن خبر إقالة استقالة المهندس إبرهيم محلب، إلا أني لم أكن فرحا بالخبر، بقدر تعجبي الشديد من الإعلان عن اسم رئيس الوزراء الجديد المهندس شريف إسماعيل.
أسباب عدم فرحتي بإقالة المهندس إبراهيم محلب لا يرجع لاقتناعي بأدائه التمثيلي، أو تحركاته التي لم تتمخض حتى عن فأر، أو لأني طريقة إقالته كانت مهينة كما أراد البعض أن يصور لنا الأمر.
بل على العكس تماما، فطريقة الإقالة كانت شديدة التهذيب والتحضر والرقي أيضا، فهناك حكومات تمت إقالتها، دون علم رئيسها سوى عن طريق الصحف والاتصالات الشخصية.
فقرار الإقالة جاء متأخرا جدا، ويعكس الورطة التي وضع الرئيس نفسه فيها باختياراته التي يشوبها عدم الدقة والإمعان، سواء في إعادة تكليف إبراهيم محلب ثم في تكليف شريف إسماعيل.
أما سبب تعجبي من تسمية شريف إسماعيل رئيسا للوزراء وتكليفه رسميا بتشكيل وزراي، هو شخصية المهندس شريف إسماعيل الذي قد أخذ نصيبه من انتقاداتي، عندما كان رئيسا لشركة جنوب الوادي القابضة للبترول، ومعه المهندس محمد لطيف رئيس الشركة القابضة للغازات الطبيعية.
في ذلك الوقت دفع بهما وزير البترول الأسبق سامح فهمي لعقد مؤتمر صحفي للرد على اتهامات سبق ونشرتها حول عقد بيع الغاز الطبيعي المصري لإسرائيل بثمن بخس للغاية، على خلفية انفراد الكاتب الصحفي الكبير عادل حمودة بنشر نص العقد المبرم مع شركة غاز المتوسط المملوكة لحسين سالم والوسيط بين مصر واسرائيل، والتي كانت تتحصل على دولار واحد من كل متر مكعب من الغاز المصدر إلى إسرائيل.
في ذلك المؤتمر الصحفي الشهير خرج شريف إسماعيل عن صمته الملازم له طيلة حياته، وأخذ يبرر سرية العقد، خاصة فيما يتعلق بالكميات والأسعار، وقتها قلت له هذا ليس غاز أبوك وأمك كي تمنع معرفة الملاك الحقيقيين للغاز وهم الشعب المصري، ثمن وكميات الغاز المباعة برخص التراب للعدو الإسرائيلي، الذي لم يكتفي بقتل أبنائنا من الشهداء، واحتلال أرضنا، بل نهب ثرواتنا طيلة الفترة التي اغتصبوا فيها سيناء، ولم نحصل منهم حتى الان على ثمن ما سرق أوتعويضات عما سرقوه ونهبوه.
غضب إسماعيل جدا من المقال وذهب به إلى وزير البترول الأسبق سامح فهمي، واشتكاه من تبجحي وقلة أدبي وتجاوزي بالألفاظ في حق السيد والده والسيدة والدته رحمهما الله، وهو أمر غير صحيح على الإطلاق.
فقد قلت في المقال وقتها، ان سيدنا عمر بن الخطاب عندما علم أن عمرو بن العاص قد تلقى هدايا من الولاة عندما كان واليا على مصر، فقال له ابن الخطاب: لو كنت في بيت أمك ما أرسلوا إليك هذه الهدايا فأمر بردها لبيت المال.
واستنادا لهذا الواقعة المثبتة في التاريخ بأسانيد قوية وصحيحة، فأنا لم أتجاوز معه بالقدر الذي تجاوز فيه سيدناعمر مع عمرو بن العاص، بل على العكس.
الواقعة التاريخية تتعلق بهدايا مهما زادت قيمتها فلن تؤثر في ثروات البلد وقتها، أما ما حدث في وزارة البترول في عهد سامح فهمي فيعد إهدارا لثروات البلاد دون سند أو حجة، ومع ذلك خرج المهندس شريف إسماعيل ليدافع عن رئيسه الوزير سامح فهمي.
بعد سنوات تم ترقية اللذان خرجا ليدافعا عن سامح فهمي، ويصبحا وزيري للبترول، ثم تم ترقية الثاني ليصبح رئيسا للوزراء.
إذا من يسمع الكلام ويطيعه طاعة عمياء، ثم يتحمل خطايا رئيسه مسرورا، تكتب له حسنة في سجله السياسي، ويصبح من المرضي عنهم، ويكون محل تقدير من كل رئيس يدخل قصر العروبة من مبارك وحتى السيسي.
أنا أعلم جيدا أن شريف إسماعيل لم يكن يملك من أمره شيئا عندما خرج يدافع عن سامح فهمي، وأعلم جيدا أن سامح فهمي نفسه لم يكن يملك من أمره شيئا في ما يتعلق بقرار تصدير الغاز إلى إسرائيل، (أو حتى استيراده منها) لأن قرار مثل هذا، له علاقة بالرئاسة، التي كلفت وقتها عمر سليمان رئيس جهاز المخابرات العامة بالإشراف على ملف العلاقات مع إسرائيل، وبالتالي فمن يسأل عن قرار بيع الغاز المصري لإسرائيل ليس إسماعيل وليس لطيف وليس فهمي وإنما اثنين الأول في رحاب الله، والثاني في رحاب مستشفى المعادي.
شريف إسماعيل شخصية لم يصلني عنها ما يلوث سمعته المالية، ولم اعلم عنه فسادا، ولم تلوك الألسنة ذمته بما يسود يده، لكني أجده شخصية، ليست بالمسيطرة، وليست بالقائدة، وليست بالمبادرة، وليست بالمفكرة، وليست بالمنجزة.
هو موظف دمث الخلق، عفيف اللسان، هادئ الطباع، قد يجلس بجوارك ساعات دون أن تخرج من فمه كلمة واحدة، وهذه الشخصية لا يمكن ان تصلح حالا قد خرب، أو تقاوم فسادا قد استشرى، أو تواجه وضعا قد استفحل، أو تحارب قوى ظلامية قد أحكمت سيطرتها على مقاليد هذه الدولة.
ورغم الأنباء التي تداولت حول كون شريف إسماعيل إحتياطي لعدد من المرشحين لرئاسة الوزراء، مثل مهاب مميش، أو هاني سري الدين أو هشام رامز، والأنباء التي تداولت أيضا عن كم الاعتذارات الرهيبة لمرشحي الوزرات خاصة التعليم والإسكان، فإن هذا أيضا لا يبرر للرئيس اختيار شخصية غير مقاتلة في وقت حرب على الإرهاب وعلى الفساد وعلى الرجعية.
ويكفي امتعاضا، أن يستمر، مسلسل الاستعانة بالمهندسين في رئاسة الوزراء بعد الثورة، فمن صدمة عصام شرف، الى ورطة محلب، الى خذلان إسماعيل، الذي كان سببا مباشرا في عدم انجاز مشروع المليون فدان، بسبب عدم قدرته على توفير حفارات آبار المياة.
ومع ذلك، ورغم عدم اقتناعي التام بقدرات المهندس شريف إسماعيل في إدارة شئون الحكومة، إلا أني سأمسك يدي عن الكتابة شهرا عنه، لأمنح نفسي فرصة أن أكون مخطئا، في حق الرجل، لعله يفاجئنا بوحش بداخله يواجه، ومارد يخرج من قلبه يحارب، وسياسي مخضرم يناور الخصوم، ليكون معينا لهذا البلد الذي ذاق ويلات سوء الاختيار، دناءة الخصومات، وتفاهة الصراعات.