استشاري الأمن القومي يكشف خريطة تغلغل داعش وأمريكا في المنطقة.. طمس الهوية العربية وتفتيت الدول وتحويلها إلى كيانات صغيرة.. فرضية حدوث حرب عالمية غير واقعية.. وهذه أسباب رفض مصر للتدخل العسكري بسوريا
الخميس، 03 مارس 2016 10:14 م
قال اللواء أركان حرب محمود ضياء استشاري الأمن القومي، وزميل بأكاديمية ناصر العسكرية، إن الحرب العالمية الثالثة أصبحت الشغل الشاغل لدي المفكرين، والقادة والخبراء والمحللين السياسيين والإستراتيجيين والعسكريين بالمنطقة العربية باعتبارها مسرح الحرب العالمية الثالثة المنتظرة عبر البوابة السورية.
وفي تصريحات لـ"صوت الأمة" تساءل ضياء، إن كانت هناك حرب عالمية ثالثة فمن سيطلق شراراتها؟ ومتى ستبدأ؟ ومن أطرافها؟ وأنماط التحالفات فيها؟ وماذا سيكون الموقف المصرى من الحرب وإلى من تنحاز ويكون دعمها لمن؟ ولماذا ترفض مصر التدخل البرى فى سوريا رغم تأييدها للضربات الروسية هناك؟، وأسباب التمسك السعودى التركى بالتدخل البرى فى سوريا، وهل الصراع الدينى «السنىالشيعى» سيكون له دور فى تأجيج الحرب؟.
وأجاب ضياء بالتفاصيل على كل هذه الأسئلة، قائلا إن الحرب العالمية لا تقتصر على الحرب التى يتم خوضها بالأسلحة التقليدية ولكن تشمل تلك الحروب التى تشترك فيها قوى إقليمية عديدة وتكون عابرةً للقارات وتداعياتها واسعة النطاق على كافة الأصعدة السياسية والإنسانية والإقتصادية، وقد تؤدى إلى تغيير فى الخريطة السياسية والجيوسياسية خاصة بمسرح الحرب، وحيث إن أى حرب عالمية تحتاج لشرارة وصراع ما فى مكان ما يمس مصالح أكثر من قوة كبرى واحدة، فإن معظم السيناريوهات والتقديرات تشير إلى احتمالات أن تكون المنطقة العربية وتحديدًا سوريا هى المسرح المنتظر أن يشهد شرارة بدء هذه الحرب، إرتباطًا بإهتمام معظم القوى الكبرى بالعالم خاصة (الولايات المتحدة الأمريكية - روسيا - فرنسا) والإقليمية (تركيا - إيران - السعودية- إسرائيل)، فضلًا عن مصر، بما تشهده تطورات الأوضاع فى سوريا وإحتمالات أن تؤدى إلى نشوب صراع عسكرى عالمى يدفع بمواجهة عسكرية بين حلف شمال الأطلنطى (الناتو) وروسيا.
وأكد أنه يجب توضيح البيئة الإقليمية والدولية المحيطة بمسرح الحرب المنتظر، فنجد أن المخطط للقضاء على المنطقة العربية كمنطقة متجانسة وتحويلها إلى ما يعرف بالشرق الأوسط الكبير، أو الموسع، منذ أن أعلنت وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة "كوندوليزا رايس" أن مفهوم "الفوضى الخلاقة" سيكون الأداة التى تستخدمها الولايات المتحدة الأمريكية لمساعدة الدول العربية والإسلامية للإنتقال من الدكتاتورية إلى الديمقراطية، حيث إن نظرية «الفوضى الخلاقة» ترى أن وصول المجتمع إلى أقصى درجات الفوضى متمثلة بالعنف والرعب والدم، يخلق إمكانية إعادة بنائه بهوية جديدة.
ولفت ضياء إلى هذا المخطط يستهدف تحقيق الآتى: طمس الهوية العربية وتفتيت ما تبقى من هذه الدول وتحويلها إلى كيانات صغيرة يسهل السيطرة عليها وتوجيهها، تغيير معادلة توازنات القوى بالمنطقة لصالح إسرائيل وقوى إقليمية غير عربية، والتعظيم من أدوار دويلات صغيرة للقيام بدور القوى الإقليمية الرئيسية بالمنطقة وعلى رأسهم مصر فى محاولات لتحجيم الدور المصرى بالمنطقة، تدمير الجيوش العربية وخاصة التى على خط المواجهة مع إسرائيل للحفاظ على أمنها، وتفوقها الدائم فى القدرات والإمكانيات التسليحية من الناحيتين الكمية والنوعية على كافة الجيوش العربية مجتمعة (وقد نجحت فى تدمير الجيش العراقى، وفى طريقها للقضاء على الجيش السورى).
واستطرد: فنجد أن أولى الخطوات التى تم إتخاذها هى إستغلال الوهن العربى ودفع القيادة العراقية السابقة إلى إحتلال الجارة الكويت تحت دعاوى أنها جزء من العراق وإتخاذها ذريعة للتدخل لنصرة الكويت التى سُلبت منها أرضها، ثم الإدعاء بإمتلاك العراق روؤس نووية وبما يهدد السلم والأمن الدوليين، وما أعقب ذلك من الإحتلال الأمريكى للعراق للبدء فى تدمير الجيوش العربية، وخير دليل على ذلك أن أول قرار تم إتخاذه عقب سقوط بغداد فى مارس 2003 هو تسريح الجيش العراقى وتفكيك كافة مؤسسات الدولة.
تلا ذلك التدخل الأمريكى لتفتيت السودان الشقيق ومباركة إنفصال الجنوب عن الشمال، ليتحول إلى دولتين.
ثم بدأت الخطوة الكبرى فى نهايات عام 2010م وبدايات عام 2011م بما عُرف إعلاميًا بالربيع العربى، وحقق المخطط نجاحًا باهرا لاسيما فى ليبيا واليمن، لكنه يواجه مقاومة عنيفة فى سوريا، إرتباطًا بالتدخلات الإقليمية والدولية الواسعة التى تتصارع على الأراضى السورية تحقيقًا لمصالحها فقط وليس لصالح الأشقاء السوريين أو لنصرة المظلوم وحماية الحريات وحقوق الإنسان ونشر الديمقراطية وخلافه من شعارات رنانة وبراقة للتدخل فى الشئون الداخلية للدول.
وسعت التدخلات الأمريكية للحصول على الجائزة الكبرى بإسقاط مصر فى دائرة الفوضى، ولكن عناية الله، ويقظة جيشها الباسل وقراءته الدقيقة للتطورات التى تشهدها المنطقة، حال دون إنزلاق مصر إلى المصير الغامض الذى تواجهه عديد من دول المنطقة.
مساهمة الإتفاق النووى الإيرانى فى تعزيز مكانتها كقوة إقليمية حيث يحمل فى طياته إعترافًا ضمنيًا بإيران كقوة إقليمية نووية، وأنه لا يمكن تسوية الأزمات التى تشهدها المنطقة خاصة بكل من سوريا والعراق دون مباركة إيرانية.
ساهمت الأوضاع الداخلية غير المستقرة فى المنطقة إلى زيادة مساحة التدخل الخارجى فى الشأن الداخلى لدولها، والذى ساهم بدوره فى تعميق الخلافات العربية العربية وتغذيتها. علاوة على ذلك يفرض التدخل الخارجى تحديات تحول دون تحقيق الإستقرار بدول المنطقة، عبر مخطط التفتيت وفق أسس طائفية وعرقية ومذهبية 000 الأمر الذى يشير إلى إستمرار حالة عدم الإستقرار فى النظام الإقليمى العربى على المديين القريب والمتوسط، ويرتبط إستقرار المنطقة بصورة كبيرة بتحقيق الإستقرار فى مصر وإستعادة مكانتها الإقليمية والدولية والعربية بصورة كاملة إرتباطًا بمركزية مصر فى البنية الإقليمية العربية.
استثمار الولايات المتحدة الأمريكية حليفها الرئيسى بالمنطقة "إسرائيل" للتصعيد بالأزمات بدول المنطقة والعمل على تهيئة المناخ المناسب لزيادة مساحة التدخلات الأجنبية وبما يحقق الأهداف الإسرائيلية بعيدة المدى لتصبح القوة العسكرية الإقليمية الأولى بالمنطقة، على جانب آخر يبرز سعى روسيا لإستثمار التراجع النسبى فى الإهتمام الأمريكى بالمنطقة لتعزيز نفوذها بها، عبر البوابة السورية، وإستعادة مكانتها كدولة عظمى فى بنية النظام الدولى.
عدم رغبة القوى الدولية فى تقسيم سوريا، ارتباطًا بما أفرزته التجربة الأمريكية لتقسيم العراق من تداعيات على المنطقة ومصالح القوى الكبرى بها.
التحديات والتهديدات الأمنية والإقتصادية والإجتماعية التى تفرزها الأوضاع الحالية على الدولة التركية إرتباطًا بتدفق مئات الآلاف من اللاجئين السوريين لتركيا وإستخدامها كدولة ممر ومعبر لدول أوروبا، بالإضافة إلى الدعم الروسى للميليشيات الكردية على حدود تركيا جهة حلب لقطع الطريق على الإتصال التركى مع المعارضة السورية، ولتفجير الورقة الكردية، بدعوى أن الأكراد يحاربون "داعش".
أسباب الإصرار السعودى التركى على التدخل البرى فى سوريا
قال ضياء أن تركيا تدرك تراجع دورها بمنطقة الشرق الأوسط وتحسبها من نجاح المعارضة الكردية فى إنشاء دولة معادية على الحدود التركية، إلتزام المحور السنى (تركيا - السعودية - قطر) بمحاربة داعش، إرتباطًا بكونها قوة متطرفة تمثل إرهابا يوظف فى صالح المشروع الإيرانى بالمنطقة، دفع روسيا لتركيز ضرباتها الجوية ضد تنظيم داعش وتجنب القذف الجوى للمعارضة السورية والمدنيين والذى تسبب فى كارثة إنسانية، وتأكيدها أن الإجراءات العسكرية الروسية تشكل تصعيدًا إضافيًا، وستتسبب فقط فى تغذية التطرف والتشدد، التعثر الذى تشهده عمليات التحالف فى اليمن والذى يصب فى صالح إيران ويزيد من مساحة التهديدات على الحدود السعودية، التحسب السعودى من تحالف روسى سورى إيرانى فى المنطقة، خصمًا من المكانة السياسية والعسكرية السعودية والتى كانت تسعى لفرض سيطرتها على المنطقة، وما يشكله تنظيم "داعش" من خطر على أمن المملكة ومصالحها، بعد سيطرته على مساحات شاسعة من سوريا والعراق، وصولًا إلى حدود أراضيها، فضلا عن إلتحاق آلاف من الشباب السعودى به.
فرضية حدوث حرب عالمية خلال الفترة الحالية
غير واقعية، ولو كان المعسكر الغربى بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية يرغب فى الزج بروسيا فى أتون حرب تقضى على طموحاتها فى إستعادة أمجاد الإتحاد السوفيتى السابق لكان أولى أن يحدث بسبب التدخل الروسى فى شبه جزيرة القرم، فالحرب العالمية الأن ليست فى قاموس الدول الكبرى ؛ فسوريا معركة جانبية للغرب، ولا يوجد ما يهدد الأمنى القومى للدول الغربية ليدفعها للتورط فى صراع من هذا النوع المدمر.
الموقف المصري
ووفقا لضياء فإن الموقف المصرى، حال حدوث حرب عالمية بالرغم من إشارتنا سابقًا إلى محدودية فرص حدوثها، نرى أنه فى ضوء ثوابت السياسة المصرية التى تسعى للحفاظ على علاقات خارجية متوازنة مع كافة القوى الدولية وبما يضمن إستقلالية القرار السياسى المصرى، وحيث أن مصر إحدى أهم الدول المؤسسة لحركة عدم الإنحياز، ولها دورها المحورى المشهود له فى تأسيس، وبناء الحركة، وتطويرها، وفى دعم بقائها وإستمرارها لما تتمتع به من ثقل إقليمى ودولى كبيرين بإعتبارها تضم ما يقرب من ثلثى دول العالم الأعضاء بالأمم المتحدة (118) دولة 000 فإن الموقف المصرى سيلتزم الحياد وسيعمل جاهدًا على تجنب الدخول فى أى من الحلفين حالة نشوب حرب عالمية ثالثة.
وتتمثل أسباب الرفض المصرى للتدخل البرى السعودى التركى فى سوريا وتأييدها للضربات الروسية هناك فى الآتى:
-حرص مصر على عدم التدخل الخارجى فى الشأن الداخلى السورى، وأن التدخل الروسى يأتى فى إطار الحرب على الإرهاب ممثلة فى تنظيم "داعش" للعمل على حصره داخل سوريا (تأكيد الرئيس عبد الفتاح السيسى موقف مصر الرافض للتدخل العسكرى ضد سوريا، ودعوته لتبنى الحل السلمى والحفاظ على سلامة أراضيها 00 وكذا تصريح وزير الخارجية المصرى سامح شكرى فى 14 فبراير 2016م أن الحل العسكرى للأزمة السورية أثبت عدم جدواه، مؤكدًا أنه لا بديل عن التسوية السياسية هناك بما يحافظ على مؤسسات الدولة من الإنهيار، تحاشيا لتكرار الفوضى التى ضربت العراق فى السابق وتسيطر الآن فى ليبيا).
- إنّ تقويض تنظيم داعش، سينعكسُ حتمًا على قوّة وفاعلية الفرع المصرى ولاية سيناء، وهو التنظيم الأخطر الذى يُهددُ الأمن القومى المصرى والذى يعتمد على الدعم المباشر الذى يقدمه التنظيم الرئيسى فى محافظة الرقة السورية.
- التقدير المصرى أن جميع الفصائل المسلحة العاملة على الأرض فى سوريا منظمات إرهابية مدعومة من دول خليجية وعربية، بالإضافة إلى تركيا والولايات المتحدة الأمريكية، وهى تسعى إلى تقسيم سوريا، فى حين تنظرُ مصرَ إلى أنّ وحدة الأراضى السورية، وأمنها، هو جزء لا يتجزأ من الأمن القومى المصرى ووحدة الأراضى المصرية.
وأشار ضياء إلى أنه منذ نهایة الحرب الباردة شهد وزن وتأثیر الدین فى العلاقات الدولیة تصاعدًا مضطردًا فى خضم التحولات العالمیة التى إعتبرها البعض مسئولة عن إعادة الدین من المنفى وهو ما یعزوه البعض للجدل المصاحب للأزمة السورية والحرب على الإرهاب وتصاعد الإهتمام بالأصولیات الدینیة، لكن التدقیق فى مراجعة واقع العلاقات الدولیة والنظریات الرئیسیة یكشف عن أن الدین وإن بدا أنه تم إستبعاده لم یفقد أهمیته مطلقا كأحد ثوابت ومحددات التفاعلات الدولیة وكأداة یتم توظیفها فى العلاقات بین الدول.
واختتم لقد بدأت الأزمات تتصاعد فى المنطقة على خلفية موجات المد الثورى لما يعرف بأحداث الربيع العربى، إلا أن هذه الأزمات سرعان ما تعقدت مع تشابك خطوطها فيما بين السياسى والطائفى والقبلى، الأمر الذى زادت حدته نتيجة لتدخل العديد من الفاعلين الإقليميين والدوليين الذين تتباين مصالحهم فى الأزمات، وفى هذا الصدد يبرز البعد الطائفى كأحد أكثر جوانب هذا الصراع تعقيدًا على نحو لا يمكن معه الفصل بين كون الطائفية سببًا أم نتيجة لتفاقم الأزمات.
لكن تداعيات الأزمات خاصة الأزمة السورية فرضت تباينات مهمة فى المواقف الإقليمية حول طريقة التعامل معها، حتى وصلت إلى حرب مذهبية قسمت المنطقة بين سنة وشيعة، الأمر الذى ساهم فى تنامى الخطاب الطائفى الذى إتهم كل من إيران ومنظمة "حزب الله" اللبنانية بالوقوف وراء النظام السورى فى عملية قتله للمواطنين، والمشاركة فى القتل الطائفى، وإستثمرت المعارضة السورية الوثيقة الصلة بتركيا ودول الخليج العربى ذلك لإستقطاب تعاطف العالم السنّى، وتصوير معركة الشعب السورى من أجل الديمقراطية والحرية وكأنها معركة بين أغلبية سنيّة ضد أقلية علوية مدعومة من إيران وشيعة المنطقة، وبما يعكس أن الصراع الدينى "السنى بزعامة المملكة العربية السعودية الشيعى الذى تقوده إيران" سيساهم فى تأجيج الحرب بالمنطقة.