جامعة « الأمير عبد القادر» أكبر جامعة إسلامية بالجزائر.. شيدتها العبقرية المصرية بصبغة التراث الإسلامي.. مساحتها تفوق الـ«200» هكتار.. ورأس أول مجلس علمي لها الشيخ محمد الغزالي

الأربعاء، 16 مارس 2016 07:54 ص
جامعة « الأمير عبد القادر» أكبر جامعة إسلامية بالجزائر.. شيدتها العبقرية المصرية بصبغة التراث الإسلامي.. مساحتها تفوق الـ«200» هكتار.. ورأس أول مجلس علمي لها الشيخ محمد الغزالي
جامعة « الأمير عبد القادر»

لا يمكن للزائر لمدينة قسنطينة الجزائرية أو مدينة "الجسور المعلقة" كما يطلق عليها أن يمر بأزقتها و يعبر جسورها الخمسة و أن يدخل حواريها الضيقة دون أن يتساءل عن أكبر صرح إسلامي جزائرى تظهر منارته من بعيد في قلب عاصمة الشرق الجزائري قسنطينة ويبلغ ارتفاع مئذنتيه لكل واحدة 107 أمتار وارتفاع قبته 64 مترا.

فالجامعة الإسلامية " الأمير عبد القادر " تبقى علامة خاصة بالمدينة لكونها أكبر جامعة إسلامية فى أنحاء الجزائر هو ما يجعل الزائر دائما يتساءل عن مصمم ومنفذ " الجامعة الإسلامية " ليتفاجأ أنه ليس جزائريا و لكنه مصريا وهو المهندس مصطفى موسى كما رأس أول مجلس علمي للجامعة الشيخ محمد الغزالي لمدة أربع سنوات متتالية.

في الطريق من العاصمة الجزائرية إلى قسنطينة نسمع الكثير عن مدينة الدين و العلماء و طبعا هذه التسيمة التصقت بمدينة قسنطينة لأنها أنجبت " الشيخ عبد الحميد بن باديس "مؤسس جمعية العلماء المسلمين الجزائرية لكن عندما تبدأ الرحلة التي تمتد على مدى 495 كيلومترا شرقي العاصمة الجزائرية فإن كل كيلومتر يجعلنا نتخيل صورة المدينة التي ارتبط اسمها بمدينة الجسور المعلقة و جامعتها الإسلامية التي أصبحت منارة علوم الدين في افريقيا.

الطريق كان طويلا ولكنه رائع فالمسافر لا يجد عناء في الإطلاع على معالم مدن عديدة تربط ولايات الشرق الجزائري بمناظرها الخلابة فمن العاصمة نحو ولاية بومرداس الى البويرة ثم سطيف فمدينة "العلمة" الى مدينة " عين السمارة " فالخروج من مدينة " عين السمارة التابعة اداريا الى مدينة قسنطينة.

وأول انطباع تيرسخ فى ذهن الزائر للوهلة الأولى لجامعة الأمير عبد القادر التى أقيمت على مساحة تفوق 200 هكتار أن المبنى يضم جميع الفنون المعمارية الإسلامية للزخرفة سواء كانت المشربيات المصرية أو الأرابيسك المغربى أو النقوش التركية كما يضم المبنى مسجدا و جامعة إسلامية ومدينة جامعية تتكون من ثلاث طوابق ذي هندسة معمارية متميزة اقيمت على هضبة تسمح برؤيتها من مسافات بعيدة و على مشارف المدينة.

ولقد أنجزت الجامعة بهذا التصميم على النمط المشرقي الأندلسي بل و بذكاء كبير تمكن المهندس المصرى مصطفى موسى من ربط بين الفن المعماري المشرقي و الأندلسي واشترك فى تنفيذه مهندسون من الجزائر و المغرب الذي تمكنوا من انجاز لوحة فنية .

وقبل الولوج إلى داخل الجامعة الإسلامية يتسنى للزائر أن يقرأ على لوحة منقوشة و مصنوعة بالرخام اسم المهندس المصري مصطفى موسى و هي لوحة تعريفية لكل من يريد أن يطلع على تاريخ الجامعة الإسلامية.

كما أن الكثيرين ممن زارو قسنطينة طرحوا سؤالا واحدا و هو لماذا أطلق على الجامعة الإسلامية بقسنطينة تسمية "الأمير عبد القادر" بالرغم من أن المدينة لديها الكثيرون من المشاهير ورجال الدين و العلم و حتى السلاطين الذين حكموها في العهد العثماني إلا أن الرئيس الجزائرى الراحل هواري بومدين ارتأى أن تحمل اسم " الأمير عبد القادر " لأنه مؤسس الدولة الجزائرية الحديثة و هو عبد القادر ابن محي الدين المعروف بالأمير عبد القادر أو عبد القادر الجزائري ، بل أصبحت تسميته الأخيرة في مختلف الكتب و المقررات الدراسية باسم عبد القادر الجزائري المناضل الذي ولد في السادس من سبتمبر 1808 حيث تم أنشاء مؤسسة باسمه.

و يحتفل في كل سنة في الجامعة بقسنطينة بيوم ميلاده ولقد ترك الأمير عبد القادر الذي توفي في مايو 1883 بدمشق بصمة على الجزائر ، كما أنه اشتهر بمناهضته للاحتلال الفرنسي و كان من المقاومين الأشداء فضلا عن كونه عالم دين و شاعرا و سياسيا وفيلسوفا ، و تبقى صوره و لوحاته و حتى التماثيل تخلده في كل مكان بل و سميت الساحات و الشوارع و المناطق و المدارس و المؤسسات التربوية باسمه ليومنا هذا و لكن تبقى تسميته التي ارتبطت بها الجامعة الاسلامية لها دلالات كثيرة أهمها أنه بداية لنشر العلم و الدين في ربوع الجزائر.

وفى البداية أوضح الدكتور عبد الله بوخلخال رئيس جامعة ومسجد الأمير عبد القادر السابق أن الرئيس الجزائرى الراحل هوارى بومدين كلف الإدارة الهندسية بشركة "سوناطراك " عملاق صناعة النفط الحكومية بالجزائر بإعداد تصميم الجامعة والمسجد فى الستينيات ثم فى عام 1971 وضع الرئيس هواري بومدين الحجر الأساس لإنجاز جامعة وجامع الأمير عبد القادر بعد أن اختيار المهندس المصري مصطفى موسى للإشراف على تصميم وتنفيذ الجامعة والجامع وتسارع إنجاز الجامعة بعد عام 1974 حيث كان المشروع محل زيارات متكررة من قبل الرئيس هواري بومدين الذي كان يحرص على تفقد مراحل الانجاز ومدى تقدمها في كل مناسبة ، وحرص على إخراج مبنى الجامعة في شكل معماري اسلامي يليق باسم ومكانة الجزائر.

ويضيف الدكتور عبد الله بوخلخال – الذى تولى رئاسة الجامعة لمدة 18 عاما- أنه فى 14 أكتوبر 1984 دشن الرئيس الجزائرى الأسبق الشاذلي بن جديد الجامعة رسميا بعدما وقع في شهر أغسطس من نفس السنة المرسوم التنفيذي لإنشاء الجامعة وانطلقت الجامعة الإسلامية في الدراسة لأول سنة جامعية في الموسم الجامعي إلى 1984/1985 ، وتخرجت أول دفعة من طلبتها في يونيو 1988 فيما تم تدشين المسجد فى أول نوفمبر عام 1994 على يد رئيس الوزراء الأسبق مقداد سيفى ويسع ل 1500 مصلى.

وأشار إلى أن الجامعة استضافت منذ تدشينها أكثر من عشرة آلاف طالب ما بين جزائرى وعربى وأفريقى كما أن الجامعة أقامت مركزا وطنيا للبحث العلمي في مجال العلوم الإسلامية يعتمد على باحثين و أساتذة من مختلف الدول.

وأوضح أن الجامعة تتكون من ثلاث كليات هي أصول الدين و الشريعة والاقتصاد والآداب والحضارة الإسلامية كما تضم الجامعة قاعة كبير بها 800 مقعد ، بالإضافة 8 مدرجات ومخبرين للترتيل واللغات وقاعة للتعليم المتلفز والتعليم عن بعد ، ومطبعة حديثة ومكتبة تضم أكثر من 23 ألف عنوان كتاب من بينها كتب للمكفوفين إضافة إلى مكتبة خاصة بمؤلفات الشيوخ والعلماء التي تم إهداؤها إلى الجامعة وتضم 14 مكتبة بإجمالي أكثر من ستة آلاف كتاب وتنظم الجامعة بشكل مستمر سلسلة من الملتقيات والندوات الفكرية والأدبية والعلمية المتخصصة.

وأشار إلى أن المهندس مصطفى موسى أصبح صديقا الرئيس الراحل هواري بومدين كما أنه قام بتصميم كل من فندق "الأوراسي " التي يتوسط قلب العاصمة الجزائرية و كذا بتصميم قصر الأمم " بنادي الصنوبر بمنطقة سيدي فرج 8 كيلومترات غرب العاصمة الجزائرية .

وقال أن جميع الولايات الجزائرية أصبحت تضم الآن أكثر من 60 جامعة ومركزا جامعيا بالإضافة 80 مدرسة للتعليم العالي تضم جميعا مليونا ومائتي ألف طالب وطالبة .

وحول دور العلماء المسلمين المصريين للمشاركة فى إدارة جامعة "الأمير عبد القادر " ، قال الدكتور عبد الله بوخلخال أنه باقتراح من الشيح عبد الرحمن شيبان وزير الأوقاف الأسبق كلف الرئيس الأسبق الشاذلي بن جديد فى بداية افتتاح الجامعة فى عام 1984 الدكتور عمار طالبى أول رئيس للجامعة من "1984 إلى 1989 " بالتوجه الى قطر لتقديم طلب الى جامعة قطر لإعارة الشيخ محمد الغزالي إلى الجامعة الإسلامية بقسنطينة ، حيث عين بعد مجيئه رئيسا للمجلس العلمي لجامعة الأمير عبد القادر .

قضى الشيخ محمد الغزالي في الجامعة من عام 1984 إلى 1988 وهى الفترة التي شهدت فيها تخرج دفعات كثيرة من الطلبة وتحولت الى منارة علمية وحضارية هامة ..مؤكدا أن الشيخ محمد الغزالي رحمه الله تعلق به الآلاف من طلبة الجامعة وشدتهم بلاغته وحنكته ...مشيرا إلى أن الجامعة مازالت حتى هذه اللحظة تستعين بعلماء الأزهر الشريف سواء فى التدريس أو الندوات
ومن المعالم الأخرى التي ترك فيها المهندس مصطفى موسى بصمته و أثره واضحا في البناء و التخطيط و التصميم أيضا " فندق الأوراسي " التي فتح للزبائن في يونيو 1975 ، و هو الفندق الذي يطل على الواجهة البحرية للعاصمة الجزائرية ، يتوفر فندق الأوراسي على455 غرفة، أي ما يعادل775سريرا .

وسمي بالأوراسي حسب أستاذ التاريخ بجامعة الجزائر " محمد القورصو " نسبة لمنطقة "جبال الأوراس" بالشرق الجزائري حيث أطلقت أول رصاصة في الثورة الجزائرية في أول نوفمبر 1954 لذا أطلق الرئيس الراحل هواري بومدين هذه التسمية على أول فندق العاصمة تيمنا بالمنطقة التي عرفت الكثير من العمليات المسلحة ضد الاستعمار الفرنسي .

وقد احتضن الفندق عدة لقاءات دولية كبرى منذ إنجازه و أهمها اجتماع جبهة الصمود والتصدي سنة 1978 واجتماع منظمة الدول المصدرة للبترول سنة 1981 واجتماع منظمة الدول العربية المصدرة للبترول سنة 1981. و قمة رؤساء الدول العربية سنة 1988 .

كما أن أنامل المهندس المصري لم تصمم جامعة و فندقا فقط بل كانت بصمتها موجودة في "قصر الأمم "بنادي الصنوبر ، بالضاحية الغربية للعاصمة الجزائرية حيث يعد من مفاخر البنايات الموجودة في العاصمة عقب استقلال الجزائر في سنة 1962 ، حيث فتح لأول مرة في سنة 1973 و كان أول اجتماع شهده القصر كان عقد القمة العربية من نفس السنة.

ويقول المؤرخ الجزائرى محمد بوازدية في تصريح له أن مبنى "قصر الأمم " وملحقاته يعد منتجعا سياحيا بفيلاته الفخمة وشققه وتتسع قاعة القصر لثلاثة آلاف شخص ، وقد شهد " قصر الأمم " بنادي الصنوبر العديد من المحطات التاريخية العربية و الدولية حيث شهد حدثا تاريخيا كبيرا وهو إعلان الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات قيام الدولة الفلسطينية في المنفى عام 1988 كما احتضن "اتفاقية الجزائر" عام 1975 لفض النزاع الحدودي بين العراق وإيران، إذ عقد الرئيس الجزائري الراحل هواري بومدين آنذاك جلسة مصالحة بين نائب الرئيس العراقي آنذاك صدام حسين وشاه إيران محمد رضا بهلوى فضلا عن ابرام معاهدة السلام بين إثيوبيا وإريتريا .

من جهته ...قال السيد سميح السيد إبراهيم عميد الجالية المصرية بالجزائر أنه كان حريصا على زيارة مختلف مراحل إنجاز "جامعة الأمير عبد القادر " فى السبعينات كما تربطه علاقة قوية بعدد كبير من المهندسين المصريين الذين كانوا يعملون فى هذا المشروع.

وأضاف إن المهندس مصطفى موسى رغم إشرافه على العديد من المشروعات العملاقة بالجزائر إلا أن القدر لم يمهل المهندس المصري لحضور افتتاح العديد هذه المشروعات حيث توفى فى السبعينات بعد حياة حافلة فى الجزائر وهو ما حدا بالرئيس هوارى بومدين بتخصيص طائرة لنقل الجثمان إلى القاهرة ليدفن هناك.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة