الرئيس وجنود الحراسة!

السبت، 30 أبريل 2016 06:39 م
الرئيس وجنود الحراسة!
حسين شمردل

استوقفني الحوار الذي دار بين الرئيس عبد الفتاح السيسي من ناحية ، و وزير الداخلية واحد معاونيه من ناحية اخري خلال افتتاح المقر الجديد لوزارة الداخلية ، والذي توسعت المواقع والفضائيات في بثه ، ورأت فيه دلالة علي حرص الرئيس علي تخفيض النفقات والحفاظ علي المال العام .
حسم الرئيس الامر بكلمات خرجت كالطلقات ، وتلاشت محاولات مساعدي الوزير لإقناعه باهمية تواجد الف مجند يتوزعون علي اسوار المقر لحمايته ، وبدا الرئيس متحمسا لفكرة الاستعانة بوسائل التأمين الحديثة كبديل لأبراج الحراسة التقليدية ، وهكذا وصلت الرسالة للمواطنين بأن الرئيس دائما ما يسبق الوزراء بخطوات ، وتتفوق رؤيته علي كل من حوله حتي لو كان هو الذي اختارهم .
لم افهم مغزي مسارعة إعلام الرئاسة بنشر الحوار ، ولا ازعم أنني خبيرا امنيا لأفتي فيما اذا كان الكشف عن اساليب الحراسة وطرق التامين لهذا المبني الاستراتيجي مما يجوز البوح به امام الملأ ام لا ، ولكني اخمّن ان احدهم تخيل ان نشر حوار يتضمن قدرا من الحدة لا يخفي علي احد - بين الرئيس ووزير الداخلية ربما يضفي هيبة علي الرئيس الذي لا شك في احترام الجميع له ، وإيمانهم بحزمه واحاطته بكل الملفات .
ولكني قرأت الموقف من زاوية اخري ، ارجو الا تكون مفاجئة او صادمة لأحد ، فالسيد الرئيس تحدث عن نفقات التأمين وقال انها تتجاوز 12 مليون جنيها ، ولكنه لم يتحدث عن حقيقة ان توجيهاته بالاستغناء عن جنود الحراسة لن توفر هذه الملايين ، لانها مدفوعة بالفعل سواء استعانت بهم الوزارة في حراستها ام ظللوا في عنابرهم وثكناتهم باعتبار انهم مجندون ، تلتزم الدولة بتوفير المأكل والملبس والمأوي لهم ، كما تدفع لهم مرتبات شهرية طوال فترة خدمتهم ، بالطبع لا ينكر احد اهمية الاستعانة بالتقنيات الحديثة وتدريب طلبة كلية الشرطة علي اعمال الحراسة كما طالب الرئيس ، الا ان ذلك ينبغي ان يتم من باب التطوير وليس توفيرا النفقات .
الغريب انه لا وزير الداخلية ولا رئيس الوزراء الذي تابع الحوار صامتا لفت نظر السيد الرئيس الي هذه الحقيقة البديهية بل ان دفاع الوزير دار حول ان المبني جديد ويتطلب حماية مكثفة في بدايه تشغيله حتي ينتظم العمل ، وهو التبرير الذي رفضه الرئيس بحسم لينتهي الحوار بالتزام علني بإعادة النظر في خطة التأمين بالكامل .
اذا تغاضينا عن هذا الجانب من المشهد الذي يكشف عن الارتباك والتسرع من ناحية ، كما يكشف عن نوعية النقاشات التي تتم في دوائر السلطة من ناحية اخري ، فقد اظهر الحوار ان السيد الرئيس شديد الاهتمام بالتفاصيل ولديه قدرة عالية علي التقاط مواطن الخلل في اداء الوزراء وبصفة خاصة وزير الداخلية ، مما يطرح تساؤلا يبدو منطقيا : الم يعلم الرئيس بحملة الاعتقالات العشوائية التي سبقت وتزامنت مع احتجاجات 25 ابريل ضد التفريط في تيران وصنافير وما صاحبها من حصار نقابة الصحفيين لأول مرة في تاريخها ؟
بالـتأكيد يعلم بها وموافق عليها ، ويمكنني ان اجزم بذلك رغم النفي الرسمي الذي اصدرته الرئاسة لخبر نشرته احدي الصحف يفيد بان الرئيس امر بمنع أية مظاهرات احتجاجية يوم 25 ابريل ، ولأن السيف اصدق انباء من الكتب ، فلن يستطيع اي مسئول ان يتجاهل مظاهر الفزع التي اصابت الساحة السياسية بسبب ممارسات اجهزة الأمن ، ومسارعتها بالقبض علي رواد المقاهي وعدد من النشطاء تنفيذا لتوجيهات عليا ! .
************
ان كان الامر كذلك ، نأتي للسؤال الثاني :
اين ذهب الحديث عن تمكين الشباب وإعادة دمجهم في الحياة السياسية الي حد الاعلان بأن 2016 هو عام الشباب ؟
وعن اي نوع من الشباب تتحدث الحكومة ؟ هل هم من تم شحنهم في اتوبيسات من القري والاقاليم ليحتفلوا في ميدان عابدين بذكري تحرير سيناء - وبالمرة يكيدوا العزال – ويخرجوا السنتهم للشباب " الخائن ! " الذي حمل علم بلاده - وليس علم بلد اخر - ثم تجرأ بعضهم علي " الجهر بالصياح " بان تيران وصنافير مصرية ، ويلقنوهم درسا في الوطنية والانتماء وطاعة اولي الامر في المنشط والمكره ؟
واين التزام الدولة بحرية التعبير التي نص عليها الدستور صراحة في اكثر من مادة وتكفلها القوانين والتي تم الاطاحة بها بقرار حكومي لا سند قانوني او سياسي له ؟
************
لن نتوقف عن التأكيد بأن القطاع الاكبر من المصريين لا يزال يساند الرئيس ، ويحدونا الامل جميعا ان يوفق بالفعل في تلبية مطالب الملايين الذين انتخبوه بارادتهم الكاملة وحملوه علي الاعناق ، بل واعتبروه بطلا تاريخيا سوف ينتشلهم من البؤس والفساد ، ويحقق لهم الحرية والامن والتنمية التي يحلمون بها ، ولا نبالغ في القول ان الثقة لاتزال قائمة في ان يغير الرئيس بوصلة النظام ، وينجح فيما بقي له من مدة حكمه الاولي - في إستعادة حالة التلاحم الحقيقي مع مختلف الاطياف السياسية والقوي الاجتماعية التي راهنت عليه وساندته في معركة وطنية كبيرة ضد العدو المشترك وهو الفاشية باسم الدين .
غير ان ذلك لا يمنعنا من التنبيه علي حالة الانفصام التي اصبحنا نعاني منها الان ، متمثلة في ممارسات قديمة واداء مخيب للامال في ملفات عديدة يقابلها تصريحات وردية مغلفة بالسكر والعسل تدغدغ العواطف ، وتجّمل الواقع الذي يتراجع بوتيرة متسارعة ، فالنظام الذي اصيب بالفزع بسبب دعوات الاحتجاج علي قرار منفرد اتخذه في غفلة من المواطنين بشأن تيران وصنافير ، لم يظهر القدر نفسه من الفزع ازاء الارتفاع الصاروخي للدولار ، والانفلات غير المبرر في اسعار السلع التي تهبط في العالم كله ولكنها ترتفع في مصر ، ولم يتعامل بالقبضة الحديدية ذاتها التي تعامل بها مع المتظاهرين مع جشع المستورين ومضاربات التجار وسارقي قوت الشعب ، كما اننا لم نشهد حرصا علي المليارات التي تضيع في الانفاق الترفي والعبثي يوازي الحرص المبالغ فيه علي الملايين القليلة التي يتقاضاها المجندين البسطاء في وزارة الداخلية .
والي ان تضبط الحكومة اداءها ، ويستعيد النظام توافقه مع القطاعات الشاردة من معسكر 30 يونيو لا أملك الا ان أقول " اسمع كلامك اصدقك .. اشوف امورك استعجب ! "

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق