بالصور.. «دموع ودماء».. حكايات وسط ركام «الرويعي»
الثلاثاء، 10 مايو 2016 09:43 م
«دموع، انهزام، بكاء، عويل»، وأصوات تشدو بأحزان ولوم، مخلوطة برائحة الحريق، محاولة طي صفحات طيها ليس بالإمكان، كتبت عليها بـ«دماء وعرق»، مشهد تجسد في نيران لم تنطفئ، بثت في قلوب الموجودين حقدًا وكرهًا ودفعت البعض إلي الجنون.
ووسط الزحام تعالي صوت خطف قلوب الحاضرين، أم تبحث عن نجلها، قائلة: «نحمد الله علي نجاة أولادنا»، محاولة طمئنة الموجودين، ومتسائلة عن نجلها الغائب الذي لم يتصل ويطمئن عليها منذ يوم الحريق، وفي مرارة اقترب منها أحد الموجودين، وبصوت هامس طالب منها الجلوس.
نزلت الكلمات علي الآم وكأنها سيف أخترق قلبها، وانساب من عينها بحر من الدموع، وكلمات مكررة: «أبني فين؟.. أبني فين؟.. هو عايش ولا مات»، ولكن ما من مجيب، فانتفضت صارخة: «حد يرد عليا.. أبني فين؟»، عم الصمت المكان.
وانتابت الآم الغاضبة حالة من الهستيريا والبكاء والتشتت، مندفعة للبحث عن نجلها، قائلة: «انتو بتكدبو عليا.. انتو بتكدبو عليا.. أبني عايش.. هو قالي أنه مش هيتاخر وهيرجع تاني.. وبعدين هيروح فين؟.. وعياله يعملو أيه من غيره»، كلمات استدعت من الجميع الخشوع والصمت، ودفعت المتواجدين للالتفاف حولها، في محاولة للتهدئتها.
وبعد ساعة، تمكن أحد المتواجدين من تهدئتها، وجعلها تجلس بجوار إحدي محلات الباعة المحترقة بشارع «الرويعي»، فيما علق آخر «رحمة الله عليها.. مات وهو بيحاول ينقذ أكل عيشه».
التفتت إليه الآم وفي عيناه العديد من التسائلات، ولكن يعجز لسانها علي السؤال، اقترب منها الشاب، قائلاً: «وقت الحريق احنا لقيناه بيجري علي المخزن.. كان بيحاول ينقذ الفرشة.. حاولنا نمنعه.. ولكن مقدرناش.. وبعد فترة.. عرفنه أنه مات»، كانت الكلمات بمثابة سيل من الحمم تتساقط علي قلب الآم، انفطر قلبها، وامتلائت عيناه بالدموع.
مشهد أثر في كل الموجودين، فصرخات الآم الغاضبة كانت صامتة، لم يسمع لها الحاضرين صوتا، ماحولة السيطرة علي نفسها، ولكن الدموع تنهمر من عينيها، وكانها سيل لا يتوقف، ثم طالبة بالموت وكانه هو البديل.
دموع كثيرة ملئة «سوق الرويعي»، فقدان الآبن كانت أبرزها، وآخرها ويلة خسارة «المال، والعمل»، التي جسدها جميع أصحاب المحلات، مشاهد اثارة الجميع، فما بين شخص يرفع انقاض «مورد رزقه»، وآخر كانت الصدمة كفيلة بأن يكتفي بالنظر إلي «حُطام» ما ظل يعمل علي بناءه طوال عمره.
عجزة الكلمات عن وصف أحساس اصحابها، فما بين شخص يحاول أن يروي ما يشعر به، وآخر عجز عن الكلام، كانت الدمعات المكتوم أبرز ما يراه الجميع، وفي ظل صمت أصحاب المحلات، خرج «طارق» عن صمته قائلًا: «أنا شفت مكان أكل عيشي وبضعتي بتضيع قدام عيني»، رسالة تخللها الصمت لبرهة.
ثم انفجر «طارق»، قائلًا: «لو كنت مت كان احسن من اللي انا فيه دلوقتي»، مشيرا إلي «لافتة»، وتابع: «إنتي السبب في ضياع شغلي وحياتي»، ثم توجه إلي الداخل، وبدء في رفع الانقاض، وعيناه تملئها الحسرة، وتحجب دموع يخجل أن تسيل.
وبدء في توجيه اللوم إلي قوات الحماية المدنية، قائلًا: «المطافي تأخرت في إطفاء الحريق، ومحلي مكنش مولع، اللافتة كانت مولعة، وقلتلهم المحل من جوة سليم، ولكن رفضو انى افتح المحل، واطلع البضاعة، وخوفي منعني انى اقرب من المحل، وبعد شوية شفت محلي كله بيولع، وبضعتي بتتحرق قدام عيني».
سقطت أم لتعلن حزنها ويأسها علي فراق نجلها، وسقط اصحاب «العين» آلم وحسرة علي خسارة أموالهم، والنداء الوحيد: «أرحمنا يارب».
صمت خيم على ميدان العتبة، بعد صراع وزحام على «لقمة العيش»، والحماية المدنية لا تزال تحاول إطفاء نارا اشتعلت في قلوبهم ظلت 3 ايام.