التجارة الروسية في الأمس واليوم
الثلاثاء، 10 نوفمبر 2015 05:27 ص
شهدت بنية الصادرات الروسية تغيرات حادة في القرن الأخير، ومن أسباب ذلك التطورات التقنية، والحروب، وارتفاع أسعار المواد الخام.
بدأت التجارة في روسيا القديمة تتطور بنشاط ملحوظ في القرنين 14– 15. وآنذاك بدأت تتشكل الأسواق المحلية. تاجرت مناطق الشمال الروسي الساحلية بالفراء، وتاجرت ريازان بالحبوب، وموسكو بمنتجات الحرفيين المحليين. ومع تطور التجارة الداخلية بدأت العلاقات مع البلدان المجاورة.
ومورست التجارة مع مستعمرات جنوة والبندقية على الساحل الجنوبي لشبه جزيرة القرم، ومع الأورطة (الذهبية)، وإيران، وآسيا الوسطى. وفي القرن 15 كانت روسيا تصدر الفراء، والجلود، والخيش، والسروج، والسهام، والسكاكين، والدهون، والشمع، والكتان، والزبدة.
وبعد مئة عام، أخذت التجارة تنشط أكثر مع بولونيا والسويد وليتوانيا، فكانت روسيا تنقل إلى أسواق تلك البلدان الفراء والجلود والقماش والأسلحة. وعند أواسط القرن السادس عشر ظهر اهتمام انكلترا بروسيا، حتى أن الإنكليز أسسوا شركة خاصة للتجارة مع الدولة الروسية. وعلى الطريق نفسه سارت هولندا.
كان الإنكليز والهولنديون يثمنون البضائع الروسية، وأرادوا أن يكونوا وسطاء بين روسيا وبقية العالم. وتاجر الروس أساسا عبر انكلترا وهولندا، اللتين كانت تجنيان الأرباح من القيام بدور الوسيط. وكذلك تاجروا مع بلاد فارس. وفي القرن الثامن عشر، تغير كل شيء مع اعتلاء بطرس الأول سدة الحكم في روسيا.
دور بطرس الأول
تمكنت روسيا في القرن الثامن عشر من إيجاد مخرج لها إلى بحر البلطيق، وضمان فرص جديدة للتجارة. ولكن التجار الروس كانوا حتى ذلك الحين ما يزالون على قدر من الخمول، فلم يقيموا علاقات جديدة. وتدخلت الحكومة، التي قررت أن تمسك بتجارة مجموعات مختلفة من البضائع، التي كانت تحظى بطلب أكبر عند الدول المجاورة.
صارت تجارة القنب، والكتان، والدهن، والشمع، والقطران، والدبس، والكافيار، حكرا على الدولة. وفي أواخر حكم بطرس الأول فاقت صادرات روسيا مستورداتها مرتين. ولعبت التعرفات الجمركية العالية دورا كبيرا في حماية السوق الداخلي. وبعد وفاة بطرس الأول وتغير السلطة، تواصلت العمليات التي أطلقها الإمبراطور الروسي الشهير.
وحتى نهاية القرن الثامن عشر كان الكتان والمنتجات المصنوعة منه، في المرتبة الأولي بين الصادرات الروسية. كما أن الحبوب كانت لها مكانة وطيدة في التجارة الخارجية ذاك الزمن، وكذلك الفراء السيبيرية.
تطور الرأسمالية
مع تطور الرأسمالية زاد تخصص مختلف المناطق الاقتصادية في البلاد. وخلال النصف الأول من القرن التاسع عشر نمت الصادرات بمقدار الضعف تقريبا.
والحصة الأساسية فيها كانت لا تزال للكتان، والقنب، والفراء، والصوف، والجلود، والدهن. وواصل نموه تصدير الحبوب، فازداد بحدة في أربعينات القرن بعد مواسم سيئة متتالية في البلدان الأوروبية. أما حصة الأقمشة والمصنوعات المعدنية فكانت تعادل نسبا زهيدة. وهذه البضائع كانت تصدر إلى الصين وآسيا الوسطى وتركيا أساسا.
ومع تشكل الاحتكارات تغيرت أيضا التجارة، التي أخذت تلعب دورا متزايدا فيها الاتحادات الصناعية والبنوك التجارية الكبرى. وفي الربع الأخير من القرن 19 حدثت قفزة حادة في الانتاج، فدخلت روسيا دائرة البلدان الطليعية في صناعة الآلآت.
الثورة والعهد السوفيتي
في بداية عهد السلطة السوفيتية كانت البلاد تصدر الحبوب والأخشاب والفراء. وفي تلك الفترة بدأ تصدير النفط. وارتفع تصدير الآلات إبان الخطط الخمسية لفترة ما قبل الحرب. ونحو العام 1938 كانت الآلات، والقاطرات البخارية، وعربات القطارات، والسيارات، والمواد الكيميائية، تشكل 70% من الصادرات.
فرضت الحرب العالمية متغيراتها، فقد تم التوصل إلى اتفاقية مع بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية حول إمدادات من الأسلحة والبضائع الضرورية لتنفيذ العمليات الحربية. وبعد الحرب تاجر الاتحاد السوفيتي بنشاط مع بلدان كتلته الاشتراكية. وبحلول سبعينات القرن العشرين باتت للاتحاد السوفيتي علاقات تجارية مع 115 بلدا، كانت الحصة الأساسية من تجارته معها تعود لمنتجات الصناعة، والآلات والمكائن، وكذلك للمواد الخام، وخاصة النفط ومشتقاته، والغاز.
وكان الاتحاد السوفيتي يصدر إلى البلدان النامية ما يقارب ثلث حاجاتها من الآلات والمعدات. وظهرت ضمن صادراته مواد جديدة مثل الألماس والمجوهرات وخدمات تخصيب اليورانيوم. وكان الاتحاد السوفيتي يصدر إلى البلدان المتطورة أساسا النفط والمشتقات النفطية، وكذلك المعادن والسيللوز والأخشاب والمنسوجات. وبالتدريج راحت تتزايد حصة النفط في الصادرات. وبحلول العام 1987 وصلت هذه الحصة إلى 46.5%، وبذلك تضاعفت ثلاث مرات خلال 15 عاما.