قصص مروعة من حادث تدافع الحجاج بمنى - تحقيق

السبت، 26 سبتمبر 2015 04:15 م
قصص مروعة من حادث تدافع  الحجاج بمنى - تحقيق

وسط أجواء من الروحانيات المرتفعة بين الحجاج أثناء آداء مشعر منى، تزلزلت القلوب في الصدور، و سادت حالة من القلق والتوتر، إثر بدء إحساس الحجاج بثقل الزحام الذي بدأ يثير القلق.

حتى علت الصيحات والصرخات من كل من توافد إلى شارع 204 في منى، حيث فوجئ الجميع باندفاع عنيف يباغتهم من الخلف، ليدهس البعض ويلقي بالبعض جانبًا، لتتحول ملابس الإحرام البيضاء كفنًا لذويها.

فشاهد الحجاج رفقتهم تبددها قوة التدافع، وتهدهسها أقدام الخوف التي تحاول النجاة بأي طريقة، وإن كانت طمس البعض تحت الأقدام، فلم تسعف الأجسام الضخمة أصحابها، ولم تفلح الحيلة في تخطي هذه العقبة، فالموت أتى على الجميع ولم يفرق، بل هي العناية الإلاهية التي إختارت أن تنقذ البعض، ليروى لنا قصة الدماء التي سالت، ويبكي على أطلال من فقد.

«لن أترك يد زوجي»

تلك الحاجة ذات الملامح الآسيوية، أبت أن تترك يد زجها، ورفيق حجها، رغم محاولات المنقذين المستميتة لإقناعها بضرورة إسعافها، إلا أنها كانت ترفض بالمقدار الضئيل من الوعي الذي تبقى لديها.

فما كان من المنقذين إلا أن صاحوا فيها وهم يبكون: «اتركيه يا حاجة، وافرحي له فهو شهيد، شهيد.

فَقَد أبناءه

ذاك الحاج المصري الذي جلس بين جنبات أكوام الضحايا، يبكي ويندب حظه وسط معمعة البكاء والعويل المتواصل، كان يبكي أولاده الذين فقدهم في الزحام.

ولكن مسؤول الخيام العربية عرفه وطمأنه قائلًا: «كف بكاء يا حاج، أولادك بأمان في المخيم، وأنا أوصلتهم بيدي»، ليرد صاحب المصيبة باكيًا: «لم أرهم في كل المخيمات»، فطمأنه قائلًا: «عُد وستراهم، إنهم هناك».

بلال يبكي زوجته

جلس «بلال»، الحاج البنغالي، يلفه إحرامه الأبيض الذي راحت منه بهجة المناسك وغطته دموع الآسى، يسند ظهره المتهتك، وعظامه اليابسة على جدار سور مستشفي منى الجسر، يملق الجميع بنظرات غارقة في الدموع، وكل ما رأى من يتسم بجلدته البنغاليه يسأله: «هل رأيت زوجتي؟!»

أين هي؟ أين حبيبتي؟ أين رفيقتي؟ لقد وعدتني أن تظل بجانبي في كل لحظاتي، أرجوكم ابحثوا لي عنها، أريد أن آراها.

وما وجد صديقه «عبد العيلم» حيلة بيده بعد أن غص لحال صديقه وأجهش في البكاء، إلا أن يربط على كتفيه ويحتضنه لتتعانق دموعهما سويًا، وهو يحاول تهدئته بما فتح الله عليه من آيات القرآن، مستحثًا إياه على الصبر و الجلد.

وما أن هدأ بلال حتى بدأ في الحديث مع من حوله عن زوجته التي نطقت الشهادتين أما عينيه و هي ترفع سبابتها إلى السماء، قائلًا: «زوجتي رحلت ولم تنهِ مراسم الحج، زوجتي رحلت أمام عيني، ولم ترَ أولادها الثلاثة»، حيث عمل بلال طوال العشرون عامًا الماضية فقط لكي تستطيع زوجته أن تؤدي فريضة الحج.

وكان بلال يحاول تطيب خاطر نفسه قائلًا: «إن ما يضمد ألم الفراق وصعوبة هذا الموقف أن زوجتي ستدفن في أطهر البقاع، وستلقى ربها وهي شهيدة، توفيت بإحرامها شاخصة إليه وراغبة في رضاه»، وسكت للحظات ليبدأ في البكاء المرير مرة أخرى.

دموع تحتضن طفلًا

كل إنسان له طاقة للتحمل وهبها له الله لتكون في عونه وقت المصاعب، أما من لم تهب له طاقة بعد، فما وجد أمامه غير حضن وذراعين مفتحوين، وعين حنون دامعة لأحد المسعفين، تحتضنه وتواسيه: «أنت في آمان الآن يا عزيزي».

كلمات ينطقها لسان حال أحد المسعفين الذي احتضن طفلًا صغيرا توفي كلا والداه في الحادث الأليم، وظل يبكي هائمًا تائهًا وسط ركام الضحايا، في صورة هزت كيان الإنسانية، اجتمع فيها الإخلاص في العمل مع الأخلاق الكريمة.

غير العرب في تيه

وإذا وجد العربي في المسعفين الملاذ والسؤال، فقد تاه الأفارقة المصابون، ولم تسعفهم الدموع ولا الإشارة، فتغلبت عليهم حرقة فقدان ذويهم، وجلسوا في تيه عظيم غير قادرين على بذل القليل حتى.

ولكن هيهات، فكانت دموع المنقذين ترد على دموع المصابين، فالمصاب واحد، وإن إختلفت الأجناس واللغات.

ماتوا وهم يتكفنون بزي الإحرام، في أطهر بقاع الارض، مكة، مدينة الرسول «صلى الله عليه وسلم»، والتي قال عنها: «لولا أن قومك أخرجوني منك، ما سكنت غيرك»، فها قد سكن ترابها الطاهر أجساد شهداءٍ توافدوا إليها من شتى بقاع الأرض، ولكنهم لم يعرفوا ان توافدهم ذهاب فقط، بلا عودة.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق