نهلة عبد السلام تكتب: مصمصات وصعبانيات

الأحد، 19 نوفمبر 2017 02:00 م
نهلة عبد السلام تكتب: مصمصات وصعبانيات
الجدران

بعضهن يصيبهن الجدران بالاختناق، ومن ثم يطيرن للفضاء غير مباليات بوثاق العيب، يقصصنه، ويضربن به عرض الحائط فى طوله، فيحصلن على مساحة مربعة منزوعة المخاوف، مزروعة وسط براح، تغمره الشمس، ويداعبه الهواء، بينما تُغرس فيه شوكة، كلما مر به إنسان، تارة يخفيها بحزمة من ورود، تضفى عليها تهذيبا مغرضا «متحررة منطلقة متفتحة»، وتارة يجليها، ولا يدع فى نفسه شىئا يخفيه، فتأتى فظة غليظة «منحلة فاسدة ساقطة»، وتلازمها مصمصة الشفاه مع كل إدارة للمفتاح فى الباب.. مع كل زائر.. مع كل تأخير.. مع كل لوك جديد، الضحك تهمة، والبكاء أيضا تهمة، فالمصدر واحد، والدليل دامغ ومتفق عليه من شهود، لم يشهدوا سوى سكناها بمفردها، غاضين طرفهم عن أى ظرف أو وضع، فالمدافعون يمتنعون.. يلوذون بالصمت، بينما حائزو السلاح ومطلقو الرصاصات، مرحب بهم على الدوام، وأعيرتهم تصم الآذان.
 
ويأتى فى المقابل قطار بلا مكابح، لا يتورع عن دهس من قضين عمرهن، يتبتلن فى محراب أهلهن، يتمسحن بجدرانه للتبرك، مسلمات زمامهن لقادة، ربما لا يصلحن لأكثر من قيادة «توك توك»، ولكن سنة الحياة، تقضى بنزول الركاب، فمهما طال المشوار، لابد من انفراط العقد، وكل حبة تذهب حيث وجدت المحبة، وعندها تحل عليها اللعنات، وتهبط على أم رأسها الألقاب «حفن» وأكوام «عانس وحدانية غلبانة»، وتقترن الصعبانية باسمها، ولا تكاد تخلو جلسة من ذكرها، وندب حظها، وشجب ميلة بختها، وحسرة الأحياء والأموات على حالها، وكل محادثة شفقة، وكل زيارة مواساة، العزاء لا ينفض، والجنازة مفعمة باللطم، وعروض الطبطبة لا تنضب والصيد مهيأ لإلتقاط الطعم والسفينة بانتظار قبطان، يقودها حتى ولو لحتفها وتقديمها وجبة للقروش، التى قد تبدو لها أنيابها وقتها أقل حدة من بنى جنسها.
 
وما بين جدران ساعة محراب، وأخرى قضبان، وما بين قطار وبراح ودهس وطيران، وما بين اختيار للوحدة وإجبار عليها يذهب خلق، ويأت جديد، معتنقا نفس الدين، ليتكاثر القيل والقال، وتبقى المصمصات والصعبانيات، وهن وضدهن أنفسهن وغيرهن.
مهندسة اتصالات

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق