بطانة النجوم وأكاذيبهم

السبت، 26 فبراير 2022 07:47 م
بطانة النجوم وأكاذيبهم
كتب- حمدي عبد الرحيم

معظم ما لحق بالشاعر الكبير إبراهيم ناجي من شائعات وأكاذيب كان تلميذه وصديقه صالح جودت مصدرها.

لأمر لا يعلمه إلا علام الغيوب، يبتلي النجوم أنفسهم ببطانة، تفسد ما بينهم وبين الناس، بل أحيانًا تفسد تلك البطانة ما بين النجم وبين ذاته وخاصة أهله، وهذا معروف مشهور نشاهده بعين اليقين لا بعين الظن والتخمين.

في كتابها" إبراهيم ناجى.. زيارة حميمة تأخرت كثيرًا "توقفت مؤلفته وحفيدة الشاعر الكبير إبراهيم ناجي الدكتورة سامية محرز طويلًا عند واحد من بطانة ناجي، وهو الشاعر الشهير صالح جودت.

الأستاذ صالح جودت "12 ديسمبر 1912 - 22 يونيو 1976" لم يكن ينقصه شيء لينصف أستاذه وصاحبه إبراهيم ناجي.

كان صالح صحفيًا وكاتبًا وشاعرًا، وغنت له أم كلثوم فحاز المجد من أطرافه، ولكن الدودة في أصل الشجرة، كما قال الراحل الكريم صلاح عبد الصبور. ولكي تكون على بينة من أمر الأستاذ صالح جودة، فسأضع بين يديك ما سبق لي كتابته عنه مستندًا إلى كتاب "الأرشيف السري للثقافة المصرية" للدكتور غالي شكري.

كتبتُ: "كان النشاط الفني للفنانة مديحة يسرى، قد تقلّص، فرأت أن تؤسس شركة للتسجيلات الفنية تحت اسم «شركة الموارد الثقافية والفنية»، شركاؤها كانوا من الكويت، ولذا فإن المقر الرئيسي للشركة كان فى الكويت. ذات يوم هاتفها رجل من جهاز أمنى مصري طالبًا منها الاتصال بالشاعر الأستاذ صالح جودت. هنا انتبه: صالح جودت ليس عابرًا فى كلام عابر، إنه شاعر غنت قصائده أم كلثوم، وتغنى هو بكل الحكام من فاروق إلى السادات!

أحسنت ثورة يوليو لجودت، فكان صحفيًّا لامعًا ورئيس تحرير وشاعرًا بالعامية والفصحى، هل سمعت أغنية وردة العذبة «روحي وروحك حبايب من قبل دا العالم والله»، إنها من تأليفه ومن ألحان فريد الأطرش، اختصارًا لم تؤذِ يوليو جودت أدنى أذى، ولكن ما فى القلب يظل فى القلب وقلب جودت كان ممتلئًا حتى حافته بكراهية يوليو، فما إن مات عبد الناصر حتى اندفع جودت يهجو كل فعلٍ يوليوىّ حتى لو كان فى عظمة بناء السد العالي، جودت كان يخمّر لفتنة أهلية عندما كتب معادلته الشهيرة التى تقول: "الماركسيون ملحدون، والمصريون متدينون، إذن الماركسيون ليسوا مصريين".

نعود إلى سياقنا فنرى أن مديحة يسرى قد اتصلت بصالح جودت كما أمرها رجل الأمن، فرد عليها جودت قائلًا: «لقد ألّفت كتابًا عن الرئيس الراحل، وبيقولوا ممكن تنشريه وتسجّليه كمان بصوتي، ماتفكريش فى الفلوس من ناحيتي".

كانت الدهشة ستشق مديحة إلى نصفَين، صالح جودت عدو يوليو ومفجرها كتب كتابًا فى مدح عبد الناصر، بل سيسجله بصوته على أشرطة كاسيت!

جودت الحريص على حقوقه المادية لا يهتم بالفلوس!

الذي اتصل بمديحة كان بطبيعة الحال قد رتّب الأمر مع جودت، وجاء له بحقوقه، اثنا عشر ألف جنيه مصري. "انتبه نحن فى مطلع السبعينيات عندما كان الدينار الكويتي بجنيهَين".

فى نوفمبر 1970، ظهرت نسخة الكتاب الجودتى ومعها شريطا كاسيت سجل عليهما صالح جودت كتابه المادح فى حياة الزعيم الراحل جمال عبد الناصر البطل المغوار القائد الضرورة و.........

وكما تم التأليف والتسجيل بسرعة، جرى إخفاء جثث النسخ والأشرطة".

انتهى ما كتبت ونعود للدكتور سامية محرز التي نبشت تاريخ جدها، لكي تتعرف هي على نفسها وعلى جذورها الضاربة في عمق التربة المصرية والعربية.

كتاب الدكتورة سامية أخطر وأهم وأعمق وأثرى من أن يكون كتاب تعديد لمناقب ناجي، إنه كتاب يبحث عن جذور ناجي، متى جرى غرسها وكيف شبت حتى أصبحت الحديقة الغناء التي نعرقها باسم إبراهيم ناجي.

ولأن الدكتورة سامية كانت تبحث عن الحقائق في بهاء اكتمالها لا عن أنصافها ولا أرباعها، فقد قرأت ما كتبه الأستاذ صالح جودت عن أستاذه الذي هو جدها.

بجملة واحدة منصفة فإن معظم ما لحق ناجي من شائعات وأكاذيب يعد صالح جودت هو المصدر الأول له.

نستمع للدكتورة سامية تقول للأهرام: "مع تطور المادة التى صارت بين يدي وجدت أشياء تجعلني أتشكك، مثل رواية الملهمة الأولى التى يؤكد جودت أنه يعرفها بشكل شخصي وأنها عنايات محمود الطوير، فى حين أن الصدفة جعلتني التقى حسين عمر حفيد علية الطوير الملهمة الحقيقية لناجى، ليحكي لي بشكل قاطع كذب رواية جودت ويوصلني بأميرة ابنة علية التى تكشف لي القصة وتؤكد أن اسم صالح جودت لم يتردد يوما فى بيتهم".

هل كف الأستاذ صالح يده عن تراث وميراث ناجي بعد تلك الواقعة؟

الحقيقة تقول: لا.

تواصل الدكتورة سامية:" الله أعلم صالح جودت فعل هذا لماذا، لكن التركيبة كلها غريبة جدا، فمثلا يستهل جودت كتابه عن ناجى بمقدمة لعباس العقاد الذي كان قد هاجم ناجى فى حياته مع طه حسين ويتهمه فيها افتراء بسرقة أبيات من شعره ثم ينتقص من مكانته الأدبية واصفا إياه بشاعر الرقة العاطفية ومصنفا ديوانه الشعرى بديوان الشاعر الظريف ثم يضفي بعض الشكوك على شعر ناجى مؤكدا أن بعض القصائد التى نُسبت إليه هي فى الواقع قصائد لصالح جودت نفسه".

هذا بعض ما فعله صالح جودت بأستاذه بعد رحيله بسنوات، ولولا بحث الدكتورة سامية لظل كتاب صالح جودت هو المصدر المعتمد لكل باحث في حياة ناجي وشعره.

فمتى يتخلص النجوم من سموم بطانتهم؟

 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق