ثلاث قراءات في مسرحية "أيامًا معدودات في الجنة" للكاتب هشام شعبان

الإثنين، 21 مارس 2022 10:16 م
ثلاث قراءات في مسرحية "أيامًا معدودات في الجنة" للكاتب هشام شعبان
محمد أبو ليلة

 
في وقتنا الراهن، قليلا ما تجد كاتبًا يجمع بين فنون الآداب "الرواية، القصة القصيرة، والنص المسرحي"، فقد أضحى التخصص سمة الكثير من الأدباء الآن، ولم يعد الأمر كما كان في خمسينيات وستينيات القرن الماضي حين كتب توفيق الحكيم على سبيل المثال في المسرح، والرواية، والقصة، وغيرها.. 
الأديب الشاب هشام شعبان، يبدو وأنه يعارض فكرة التخصص، إذ في مسيرته القصيرة كتب مجموعة قصصية وثلاث روايات وكتاب ساخر، وأخيرا مسرحية هي "أيامًا معدودات في الجنة"، التي صدرت نهاية العام الماضي عن دار فضاءات للنشر والتوزيع في الأردن.
 
"أياما معدودات في الجنة" مسرحية تراجيدية مكوَّنة من أربعة فصول، وكل فصل منها مكون من مشهدين أو ثلاث مشاهد، وكما جرت العادة في الأعمال المسرحية، يذكر صاحب النص بداية أسماء شخوص العمل ووظيفة كل منهم، ثم وفي مطلع كل فصل يصور خشبة المسرح الذي سيتدور عليه أحداث الفصل، بحيث ينقل للقارئ صورة الموقع على خشبة المسرح.
 
تحكي المسرحية قصة رجل ذا جاه ومال وفير (باشا)، يملك مزرعة ضخمة ولديه من الخدم والحشم. يعيش وحيداً بلا زوجة ولا ولد. كان فيما مضى له تجربة زواج فاشلة مع امرأة أحبها فخانته، جعلت النساء كلهن في عينيه على صورتها، لا يأمن لأي منهن. شعر بأن نهايته قد اقتربت، ولا يريد أن يترك كل هذا المال الوفير دون وريث يهتم به. سيطلب من خادمه المخلص المطيع والذي بدوره كان صاحب الاقتراح، سيطلب منه أن يشتري له ولداً فتياً بصفات محددة. يذهب الأخير إلى نخاسة ويكون للباشا ما أراد.
62183c76-e424-4624-b636-e20f5e94a992
 
فريد ابنه المتبنى سيكون وفياً مخلصاً محباً للباشا أبيه، إلى أن يأتي اليوم الذي يرغب فيه فريد بالزواج من فلاحة أحبها. يعارض الباشا فكرة الزواج كلياً ولكونها فلاحة أيضا. في النهاية يوافق محذرا فريد من النساء وأنهنَّ "أفاعٍ متلونة".
 
تتحقق نبوءة الأب (الباشا)، وتبدأ الزوجة بالتأثير على فريد؛ فينقلب على أبيه، وحين يطرده الباشا وزوجته، ترفض الزوجة الخروج من الجنة التي اعتادت ترفها، لتكتمل المأساة فتخرج سكينا وتقتل نفسها، ويبقى الباشا وحيداً في جنته صحبة خادمه المخلص، متيقناً بأن ابنه لا بد سوف يعود للجنة.
 
هذا موجز لأحداث المسرحية، التي يمكن قراءتها بأكثر من منظور ومن أكثر من زاوية، فمثلا يرى الناقد شعبان يوسف أن المسرحية تقدم تجسيدًا لدور المرأة النهمة والطامعة في مال زوجها، من خلال ما تحيكه الزوجة "شوكران" من دسائس بين الزوج "فريد" وبين أبيه، ولكن الأب ينتبه بغريزته، وبخبرته المدرّبة على إدراك ذلك النوع من الأفاعي، فيوقف تلك المهزلة والمأساة، وتدور آلة الصراع وتشتد، حتى تنهي "شوكران" حياتها، بعد أن فشلت في تحقيق غرضها.
لكن قراءة أخرى، ربما تأخذنا إلى أن صاحب النص أراد من مسرحيته إسقاط أسطورة (خلق آدم) وخروجه من الجنَّة على قص سرديته المسرحية، وإنما بقالب بشري طبعاً.
05f78143-f774-4eca-a37b-29385423d55e
 
وفي استرسال آخر، يقدم الكاتب محمد بسيوني تصورا وقراءة ثالثة ربما أكثر عمقًا، حين يرى أن إلها بطريق ما اصطفى امرأة (مريمة)، منذورة للرب منذ ولادتها وكانت في خدمته قديسة، ويبدو لها أن "أفعوانيتها" البشرية الغريزية زيّنت لها أن تنازع الإله فرادنيته ووحدانيته، لكنها محكومة بخلقها الأنثوي، "وليس الذكر كالأنثى"، فخانت العهد الموثوق مع الرب، وأنجبت بشريا تدّعي أنه بلا أب، "فلم يمسسها بشر ولم تك بغيا"، وارتضى الإله أمام غواية الفكرة أن ينسب الابن إليه، وليكن ظلًا من ظلال ألوهيته، وليدخل تحت ظل الابن وجناحيه رعايا بلا حصر (رعايا الكنيسة)، فتزدهر وتعمّر جنته، لكنه بقي على لعنته لكل أنثى، وها هو الابن أمام نكران (شوكران) وجحود سلسال حواء يكرر ويعيد نفس خطيئة آدم، فحواء تسلمّ الراية لمريم، ومنها إلى شوكران.
 
تبقى الفكرة في ظاهرها كلاسيكي، إلا أنها تحوي أكثر من مغزى، وقد استطاع الكاتب ببراعة أن يكثّف اللغة والمشاهد في حركة سريعة ودالة وموحية، كما حرص على إيجاد تفاعلٍ نصيٍّ (تناصّ) ما بين نصِّه، ونص القرآن في بعض المواضع، لنحصل على عمل مسرحي رائع يقدم مزيجًا مكثفًا من الدراما الممتعة والهادفة في الوقت نفسه.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق