يوسف أيوب يكتب: برميل بارود اجتماعي قابل للانفجار في أوروبا

السبت، 20 أغسطس 2022 06:08 م
يوسف أيوب يكتب: برميل بارود اجتماعي قابل للانفجار في أوروبا

"ارتفاع أسعار الطاقة- هل ألمانيا مهددة باضطرابات اجتماعية؟"، كان هذا عنوان لتقرير أذاعته الإذاعة الألمانية "دويتش فيله" الأسبوع الماضى، قالت خلاله أن "الكهرباء والغاز والنفط، كل شيء يمكن أن يصبح أغلى بكثير في ألمانيا في شتاء عام 2022، وهناك مخاوف من حدوث اضطرابات اجتماعية رغم نفي المستشار شولتس لذلك"، مشيرة إلى أن السياسيين الألمان يشعرون بالقلق بسبب تقلص إمدادات الغاز الروسي ويدرس هؤلاء اتخاذ إجراءات بعيدة المدى لتوفير الطاقة، مثلا من خلال وقف إنارة الشوارع وخفض درجة الحرارة في المباني العامة، كما أنهم يناشدون المواطنين والمواطنات بشكل متزايد للحد من استهلاكهم للطاقة.
 
ولم تكتف الإذاعة الألمانية بذلك، وإنما أشارت إلى وجود " خشية متزايدة من احتمال وقوع احتجاجات عنيفة في الشتاء. ويحتمل أن يكون المحرض من ورائها جماعات متطرفة تريد استغلال الوضع المتوتر لتحقيق مآربها الخاصة"، ونقلت عن المستشار الألماني أولاف شولتس قوله في مؤتمره الصحفي الصيفي في الحادي عشر من أغسطس أنه لا يتوقع "حصول اضطرابات اجتماعية عنيفة بسبب ارتفاع أسعار الطاقة، لأنها بلد مزدهر يقدم الرعاية الاجتماعية لمواطنيه"، وهو رد يخالف ما سبق أن قاله شولتس في لقاء مع القناة الألمانية الأولى "ARD" حينما تحدث عن "برميل بارود اجتماعي" إذا تلقى العديد من الناس فواتير طاقة بزيادات تصل إلى عدة مئات من اليورو بحلول الخريف على أبعد تقدير.
 
وألمانيا واحدة من الدول الأوربية التي تعصف بها أزمة طاقة شديدة جراء الأزمة الأوكرانية الروسية، التي أدت إلى زيادة الطلب على الطاقة، خاصة وأن روسيا المورد الرئيسي للطاقة إلى أوربا ترد على العقوبات الأمريكية الأوربية بوقف أو خفض تدفقات النفط والغاز إلى أوروبا.
 
والحديث يدور حالياً في الأوساط الألمانية عن توفير "حزمة إجراءات اجتماعية"، لوأد أي تفكير فى "بارود اجتماعى" قد ينفجر في وجه الائتلاف الحكومى الألماني، ومن هذه الحزم تقديم مساعدات للمواطنين الألمان، وإن كان هناك اتجاهات داخل الائتلاف تؤكد أن الأموال والموارد وحدها لا تكفي للتغلب على الأزمة، خاصة في ظل ارتفاع وتيرة التضخم وأسعار الطاقة.
 
لنا أن نتخيل ما يحدث اليوم في أوربا جراء أزمة الطاقة، فاوربا اليوم تعانى أكبر أزمة ربما في تاريخها، ازمة لم تستطع ما تمتلكه واربا من أمكانيات مادية أن توفر البديل، فالقدرات المالية ليست الفيصل في هذه الأزمة، وإنما الأساس فيها قدرة هذه الدول على توفير مصادر للطاقة تكفيها الحاجة.
 
والمؤكد أن استمرار هذه الأزمة في الشتاء ستكون له عواق واثار أكثر من خطيرة، خاصة أن اوربا تعتمد على الغاز في التدفئة، وهو ما يعنى أن شتاء قارص سيكون في انتظار اوربا، واذا لم تستطع التوصل إلى حل سريع، فستكون النتيجة كارثية، وسنرى مئات بل الاف الضحايا يومياً وهم ملقون في شوارع اوربا.
 
كل هذا الذى حدث وأيضاً متوقع حدوثه مستقبلاً يعيدنا إلى مصر، لندرك أن الدولة المصرية قبل سنوات كانت تتحسب لأزمات دولية قد تؤثر سلباً على الوضع الاقتصادى، وأيضاً على إمدادات الطاقة، لذلك فإنها حينما اطلقت العديد من المبادرات الرئاسية المرتبطة بتطوير وتنمية قدرات الدولة، وأيضاً البحث عن موارد جديدة للطاقة، تركزت بداية في توسيع نطاق البحث والتنقيب عن البترول، والغاز الطبيعى، وربطه بمشروعات أقليمية تعيد بالنفع على الجميع، ومن هنا جاءت الفكرة المصرية بإنشاء منتدى غاز شرق المتوسط، الذى أصبح اليوم أحد المحاور التي تعتبرها أوربا قادرة على تغذيتها بالغاز الذى يكفل لها القدرة على مواجهة الأثار المترتبة على انقطاع الغاز الروسى.
 
وتواصلت التحركات المصرية الاستباقية التي لم تهمل قطاع الا واخترقته، وكأن الدولة المصرية كانت تستشرف المستقبل، وتعلم أن العالم مقبل على أزمة كبرى ستصل تأثيراتها إلى كافة مناحى الحياة، ولن تنجو منها دولة، أيا كان تصنيفها "متقدمة او عالم ثالث".
 
واذا نظرنا إلى مجال الطاقة تحديداً، سارعت الدولة المصرية في عمليات التنقيب، كما سبق وأشرت، وبالتوزاى مع ذلك تم إنشاء اكبر شبكة للكهرباء في الشرق الأوسط، ومتنوعة، حيث انضمت لها مصادر للطاقة الجديدة والمتجددة، ومنها على سبيل المثال أكبر محطة للطاقة الشمسية "محطة بنبان" بأسوان ومزارع الرياح في الزعفرانة، وغيرها الكثير، وكان من نتاج كل هذه المشروعات مشاركة مصر بفاعلية في جميع مشروعات الربط الكهربائي الإقليمية، حيث ترتبط مصر اليوم كهربائياً مع دول الجوار شرقاً (مع الأردن) ، وغرباً (مع ليبيا)، وجنوباً (مع السودان) ويتم حالياً العمل علي زيادة قدرة الربط، كما يجرى تنفيذ مشروع الربط مع السعودية لتبادل 3000 ميجاوات الذي يعتبر اكبر خط ربط كهربائي في المنطقة، ولا ننسى أن هناك اتفاق لربط كهربائى مع قبرص واليونان بحيث تكون مصر جسراً للطاقة بين أفريقيا وأوروبا. 
 
والشاهد أن كل هذه الجهود والتحركات جاءت ضمن الاستراتيجية التي تقوم على تنويع مصادر إنتاج الطاقة الكهربائية والاستفادة من ثروات مصر الطبيعية، خاصة مصادر الطاقة الجديدة والمتجددة، وتم هنا التعاون مع أحد بيوت الخبرة العالمية لوضع استراتيجية للمزيج الأمثل فنياً واقتصادياً للطاقة فى مصر "بترول ـ كهرباء" حتى عام 2035، التي تتضمن تعظيم مشاركة الطاقة المتجددة فى مزيج الطاقة لتصل نسبتها إلى ما يزيد عن 42% بحلول عام 2035، كما ان مصر دخلت في تعاون مع شركات عالمية للبدء فى المناقشات والدراسات لتنفيذ مشروعات تجريبية لانتاج الهيدروجين الاخضر في مصر كخطوة اولى نحو التوسع في هذا المجال وصولا الى امكانية التصدير.
 
هذا جزء من كثير قامت به الدولة المصرية في مجال الطاقة على وجه التحديد، استطاعت من خلالها الدولة المصرية أن تؤمن نفسها من اى اضطرابات دولية في مسارات الطاقة.
 
ولم تكتف الدولة بذلك، وإنما أطلقت مبادرة لترشيد استهلاك الطاقة، وهى مبادرة تؤكد أن الدولة المصرية تستبق دوماً الأحداث، وتفكر بشكل مستقبلى.
 
من ربط ما يحدث في أوربا حاليا، وما قامت به الدولة المصرية وهى تتعامل مع ملف الطاقة تحديداً، يؤكد للجميع ان التخطيط السليم هو الأساس الذى سارت عليه الدولة في مصر، وهو ما جعلها تستشعر الخطر قبلها بسنوات، وهو ما جعلها بمنأى عن التأثيرات المباشرة لهذه الازمة، فلله الحمد لم يحدث ان عانت الدولة ولن يحدث، ان تعانى من ازمة طاقة سواء كانت كهرباء أو بترول، لإن التخطيط من البداية كان صحيحاً، وتوقع بالأزمات واستعد لها قبل أن تحدث.
  
 
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة