بطولات غائبة عن الترند

السبت، 20 أغسطس 2022 06:56 م
بطولات غائبة عن الترند
حمدي عبد الرحيم

- قصص بطولات وتضحيات حريق الكنيسة تستحق التخليد لأنها يجب البناء عليها واستثمارها في استنفار روح المحبة والتعاون

 
يتعرض وطننا -شأن أي وطن- لحوادث يقع مثلها أو ما هو أفدح منها في كل بلاد الدنيا، ولكن نحن لأمر لا أعرفه ننفخ في حوادثنا حتى يصبح قطها جملًا.
 
يقتل أحدهم فتاة، فتقوم الدنيا ولا تقعد جلدًا لعموم الذات المصرية وسبًا لكل أخلاق كل الشبان المصريين، وكأن هذا أول حادث قتل وكأنه آخر حادث ثم بعده ستقوم القيامة ويفنى العالم.
 
لكل جريمة أساب يجب مناقشتها وعلاجها بهدوء وروية، ولكن ما يحدث هم إثارة للفزع العمومي ونشر للتخويف والتخوين، بحيث يصبح كل شاب مرشحًا لأن يكون قاتلًا وتصبح كل فتاة مرشحة لأن تكون قتيلة.
 
والذي ينظر إلى مصائب الآخرين ستهون عليه بدون شك مصائبه، ففي دول عظمى يطلق ملتاث النار على تلاميذ الابتدائي، هكذا لوجه الشيطان ومع ذلك لا نسمع سبًا لشعب تلك الدولة ولا جلدًا لذاتها الوطنية، ويتم معالجة الأمر أمام القضاء ثم تمضي الحياة.
 
لسبب لا أعرفه أصبح الترند مقصورًا على الخارجين على القانون وحقًا حصريًا لمرتكبي الجرائم، أما العظماء النبلاء الذين يضحون بأرواحهم وزهرة شبابهم لينهض هذا الوطن فلا يظهرون إلا ظهورًا عابرًا وخاطفًا حتى أن ملامحهم لا تبقى في الذاكرة الجمعية إلا لساعات ثم يسقط الجميع في جب النسيان العميق.
 
لدينا مثل حاضر وجاهز وهو حريق الذي تعرضت له كنيسة أبو سيفين بحي إمبابة بالجيزة، الحريق نتج عن ماس كهربائي، وقد خلف العديد من الضحايا، رحمهم الله جميعًا ومنّ على المصابين بالشفاء العاجل.
 
ذلك الحادث أكد مجددًا ما هو مؤكد، أكد سلامة وقوة الجذر المصري العفي الطاهر الذي يقاوم بكل ثبات كل عوامل الضعف والتفرقة ، الجذر المصري المعبر عن مخزون حضاري وإنساني يظهر لامعًا براقًا نظيفًا في أوقات الشدائد، فها هو الإمام الأكبر شيخ الأزهر يسارع بفتح مستشفيات جامعة الأزهر أمام المصابين، ثم يرسل وفدًا رفيع المستوى من قيادات الأزهر لتعزية أهالي الضحايا، ثم يأمر بصرف إعانة مالية عاجلة لأسر الضحايا والمصابين، وفي هذا ما فيه من الدلالة على سلامة الجذر وحيويته التي تجعلنا نطمئن على صواب رهاننا على الإنسان المصري، الذي يعرف بفطرته السلمية من الشقيق ومن العدو ومن الذي يحبنا ومن الذي يناصبنا العداء.
 
وقبل مواقف الإمام الأكبر هناك موقف وبطولة الشاب محمد يحيي الذي كان يجب أن يكون الترند لأيام بل لأسابيع، لقد ظهر محمد يحيي ظهورًا خاطفًا على شاشات الفضائيات ليقص بسرعة وبدون تفاخر أو ادعاء قصة بطولته في إنقاذ أطفال الكنيسة.
 
قال محمد ما ملخصه: "أنه فوجئ بدخان كثيف يخرج من الكنيسة في الساعة الثامنة والنصف صباحًا. والدخان كان يخرج بطريقة غربية في الدورين الثالث والرابع للكنيسة، وأحد العاملين بالكنيسة قفز من الدور الخامس ثم توفاه الله.
 
فتحنا الباب الخاص بالكنيسة ووصلنا إلى الدور الثالث، وبسبب الدخان الكثيف لم نتمكن من الدخول، قلعت التيشيرت وبليته مياه وطلعت، أول ما دخلت مسك في رجلي رجل كبير في السن وأخرجته من المبنى.
 
نقلت طفلة تبلغ من العمر 7 سنوات، وأخرى 10 أعوام، إضافة إلى 5 أطفال آخرين.
 
انتقلت بعد ذلك إلى الدور الرابع، والتقيت برجل كبير في السن يدعى جورج ويبلغ من العمر 65 عامًا، كان بين الحياة والموت، شيلته ونزلت بيه للدور الثالث وبسبب مياه المطافئ اتزحلقت بيه، قلت لهم الحقوا الراجل مش فارق معايا أموت أو لا المهم ننقذ الناس، بعدها أغمى علي بعد الإصابة بالكسور.
 
وختم محمد كلامه قائلًا: «كان أهم حاجة أنقذ الناس وكل الأرواح اللي جوا، شميت كمية دخان متعيشش إنسان.. اللي عملته واجب عليا ولو في أكتر من كده كنت عملته".
 
قصص بطولات وتضحيات ذلك الحادث الأليم تستحق التخليد لأنها هي التي يجب البناء عليها واستثمارها في استنفار روح المحبة والتعاون، ولكن المحزن أن يتم التعامل الخاطف مع تلك البطولات والتركيز المريب على أفعال خارجة على القانون ومناقضة لكل ما هو إنساني وحضاري.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق