أسرة عظيمة منسية «2-2»

السبت، 01 أكتوبر 2022 07:41 م
أسرة عظيمة منسية «2-2»
حمدي عبد الرحيم

«أم حكيم» ولدت في بيت كفر ومع دخول رسولنا الكريم منتصرًا إلى مكة المكرمة سارعت بإعلان إسلامها، وترجت الرسول أن يشمل بعفوه زوجها عكرمة بن أبي جهل

إن كان الكفر قرار، فإن الإيمان هداية، وإن كان الخروج من الإيمان إلى الكفر صعب، فإن الخروج من الكفر إلى الإيمان أصعب، وقد جربت السيدة أم حكيم الأصعب وتركت كفرها وأصبحت من المسلمات الاتي رسخن إسلامهن، فقدمن القدوة وأقمن الحجة.

ولدت أم حكيم في بيت كله كفر، فهي أم حكيم بنت الحارث بن هشام بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مَخْزُوم، وأمّها فاطمة بنت الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مَخْزُوم.

آل المغيرة بتعبير الأستاذ العقاد كانوا برجوازية قريش، فقد كانوا أغنياء وقادة الجيش القرشي، ولهؤلاء تنتمي أم حكيم، فعمها هو أبو جهل عمرو بن هشام، وفي في نفس الوقت حماها، لأنها تزوجت من ابنه عكرمة، وخالها هو خالد بن الوليد وجدها لأمها هو الوليد بن المغيرة الذي نزل فيه قوله تعالى: "ذرني ومن خلقت وحيدا وجعلت له مالا ممدودا وبنين شهودا ومهدت له تمهيدا ثم يطمع أن أزيد كلا إنه كان لآياتنا عنيدا سأرهقه صعودا إنه فكر وقدر فقتل كيف قدر ثم قتل كيف قدر ثم نظر ثم عبس وبسر ثم أدبر واستكبر فقال إن هذا إلا سحر يؤثر إن هذا إلا قول البشر سأصليه سقر وما أدراك ما سقر لا تبقي ولا تذر لواحة للبشر عليها تسعة عشر".

فمن أين سينفذ الإيمان إلى شابة كهذي؟

الآن جاء دور الهداية، فمع دخول رسولنا الكريم منتصرًا إلى مكة المكرمة، سارعت أم حكيم بإعلان إسلامها، وزادت بأن ترجت الرسول أن يشمل بعفوه زوجها عكرمة بن أبي جهل الذي كان الرسول قد أهدر دمه.

عفا الرسول عن عكرمة الذي أعلن إسلامه بين يدي الرسول، ثم جاهد في سبيل الله حتى لقى ربه شهيدًا في ميدان القتال.
روى الإمام الحاكم عن مصعب بن عبد الله بن أبي أمية، عن أم سلمة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "رأيت لأبي جهل عذقا في الجنة"، فلما أسلم عكرمة بن أبي جهل قال: "يا أم سلمة هذا هو".

وشكا إليه عكرمة أنه إذا مر بالمدينة قيل له: هذا ابن عدو الله أبي جهل، فقام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خطيبا فقال: "إن الناس معادن، خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا، لا تؤذوا مسلما بكافر".

في زمن كفرها خرجت مع زوجها عكرمة إلى محاربة الرسول في غزوة أحد، وكانت تحمس محاربي قريش لكي يثأروا لقتلاهم في غزوة بدر الكبرى، ثم ولدت مرة ثانية مع إعلانها الإسلام فقد تركت الكفر كله ولم يبق في صدرها شيء منه، وعلامة ذلك أنها كانت تشارك مع زوجها في المعارك التي جرت تحت قيادة خالها خالد بن الوليد سيف الله المسلول.

حياة بهذا الثراء كانت تستحق عناية أكبر من المؤرخين تلم بتفاصيلها، ولكن للأسف فإن المعلومات عن السيدة أم حكيم جد قليلة، فلم أجد مثلًا ذكرًا لأولادها من عكرمة، فقد تواصل زواجهما لسنوات فاقت العشر سنوات، فلم لم تلد له؟

بعد استشهاد زوجها الأول وابن عمها عكرمة بن عمرو بن هشام حدث للسيدة أم حكيم ما سأنقله عن الإمام الواقدي الذي قال: " كَانَتْ أُمُّ حَكِيمِ بِنْتُ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ تَحْتَ عِكْرِمَةَ بْنِ أَبِي جَهْلٍ، فَقُتِلَ عَنْهَا بِأَجْنَادِينَ، فَاعْتَدَّتْ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا، وَكَانَ يَزِيدُ بْنُ أبى سفيان يخطبها، وكان خالد ابن سَعِيدٍ يُرْسِلُ إِلَيْهَا يَعْرِضُ لَهَا فِي خِطْبَتِهَا، فَخُطِبَتْ إِلَى خَالِدِ بْنِ سَعِيدٍ، فَتَزَوَّجَهَا عَلَى أَرْبَعِمِائَةِ دِينَارٍ، فَلَمَّا نَزَلَ الْمُسْلِمُونَ مَرْجَ الصُّفَّرِ- وكان خالد قد شهد أجنادين وفحل وَمَرْجَ الصُّفَّرِ- أَرَادَ أَنْ يُعْرِّسَ بِأُمِّ حَكِيمٍ فَجَعَلَتْ تَقُولُ:
لَوْ أَخَّرْتَ الدُّخُولَ حَتَّى يَفُضَّ اللَّهُ هَذِهِ الْجُمُوعَ. فَقَالَ خَالِدٌ: إِنَّ نَفْسِي تحدثني أبى أُصَابُ فِي جُمُوعِهِمْ. قَالَتْ: فَدُونَكَ فَاعْرِسْ بِهَا عند القنطرة التي بالصفّر، فيما سُمِّيَتْ قَنْطَرَةُ أُمُّ حَكِيمٍ. وَأَوْلَمَ عَلَيْهَا، فَدَعَا أَصْحَابَهُ عَلَى طَعَامٍ، فَمَا فَرَغُوا مِنَ الطَّعَامِ حَتَّى صَفَّتِ الرُّومُ صُفُوفُهَا صُفُوفًا خَلْفَ صُفُوفٍ، وَبَرَزَ رَجُلٌ مِنْهُمْ مُعَلَّمٌ يَدْعُو إِلَى الْبِرَازِ، فَبَرَزَ إِلَيْهِ أَبُو جَنْدَلِ بْنُ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو، فَنَهَاهُ أَبُو عُبَيْدَةَ، فَبَرَزَ حَبِيبُ بْنُ مسلمة فَقَتَلَهُ حَبِيبٌ، وَرَجَعَ إِلَى مَوْضِعِهِ. وَبَرَزَ خَالِدُ بن سعيد فَقَاتَلَ فَقُتِلَ، وَشَدَّتْ أُمُّ حَكِيمٍ عَلَيْهَا ثِيَابَهَا وَتَبَدَّتْ وَإِنَّ عَلَيْهَا أَثَرُ الْخَلُوقِ، فَاقْتَتَلُوا أَشَدَّ الْقِتَالِ عَلَى النَّهْرِ، وَصَبَرَ الْفَرِيقَانِ جَمِيعًا وَأَخَذَتِ السُّيُوفُ بَعْضُهَا بَعْضًا، وَقَتَلَتْ أُمُّ حَكِيمٍ يَوْمَئِذٍ سَبْعَةً بِعَمُودِ الْفُسْطَاطِ الَّذِي بَاتِ فِيهِ خَالِدٌ معرّسا بها".

بعد استشهاد خالد بن سعيد عادت أم حكيم الشابة القرشية المخزومية إلى الترمل مرة ثانية، ولكن القدر كان يعد لها لقبًا عظيمًا، إنه لقب "زوجة الشهداء"، فقد تزوجت ثلاث مرات، ونال أزواجها الثلاثة الشهادة!

بعد استشهاد زوجها الثاني، خطبها رئيس الدولة، نعم خطبها أمير المؤمنين الفاروق عمر بن الخطاب، فقبلت به وتزوجته، ولأنها قد أصبحت زوجة أمير المؤمنين فقد أهتم المؤرخون بها بعض الشيء، فذكروا أنها حملت وولدت بنتًا لأمير المؤمنين اسمها فاطمة، ثم مرضت بحمى النفاس لتلقى ربها وهى في ريعان شبابها بعد حياة مليئة بالمفارقات، رحمها الله ورضى عنها وعن أزواجها أصحاب رسولنا الكريم.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق