لماذا تأخر الإصلاح 50 عاما.. ومن يتحمل فاتورة التأخير؟

السبت، 05 نوفمبر 2022 10:00 م
لماذا تأخر الإصلاح 50 عاما.. ومن يتحمل فاتورة التأخير؟
يوسف أيوب

- تصوير الدولة خصما للمواطنين والخوف من ردة الفعل منع السابقين من اتخاذ إجراءات حاسمة
- المتأسلمين استخدموا أسلوب التشكيك والتشويه ولم يفكروا في امتلاك مشروع حقيقى لإعادة بناء الدولة
- الرئيس السيسى امتلك شجاعة القرار ورفض أنصاف الحلول وبدأ مسار الإصلاح رغم كافة المحاذير وهنا يظهر الفارق بين الماضى والحاضر
 
من المؤتمر الاقتصادى "مصر 2022" الذى عقد بالعاصمة الإدارية الجديدة من 23 إلى 25 أكتوبر الماضى، ووصولاً إلى الملتقى والمعرض الدولي الأول للصناعة "29 أكتوبر"، كان الحديث الرئاسي واضحاً وكاشفاً لكثير من الأمور التي قد تبدو غائبة عن بعضنا، لكنها بكل تأكيد حاضرة بأدق تفاصيلها في عقل وذهن الرئيس عبد الفتاح السيىسى.
 
المناسبتان اقتصاديتان، لكن الحديث فيهما كان عابراً لفكرة الاقتصاد، أو بمعنى أخرى أوضح، فإن الرئيس السيسى تناول الاقتصاد بمفهوم أوسع، وعابر للأفكار التقليدية المترسخة في أذهان الكثيرين، سواء اقتصاديين أو رجال أعمال أو حتى مهتمين بالشأن العام. فقد تحدث الرئيس عن المجتمع المصرى بشكل عام، والأسر المصرية بشكل أخص، شارحاً كيف أن ضمان تنظيم المجتمع سيكون الأساس لبناء اقتصادي سليم، يمتلك الأدوات التي تحركه بنجاح.
 
البناء الذى أشار إليه الرئيس لابد أن يأخذ في اعتباره السياق الجغرافى والتاريخى، وصولاً إلى اللحظة الراهنة وما تفرضه من تحديات تتطلب البحث عن أفكار وحلول خلاقة، لا تلتزم بما هو متوافر داخل الصندوق. ولكى نصل إلى هذه الأفكار، لابد من النظر إلى السياقين ودراستهما بشكل معمق.
 
السياق التاريخى مهم، لفهم اللحظة الراهنة، فلكى ندرك حقيقة الواقع الحالي، كان ضرورياً أن نعود إلى الوراء قليلاً، لنحدد السبب وهل كان العلاج وقتها متوفراً أم لا، ولماذا تأخر؟
 
وقبل الخوض في السياق التاريخى، يجب التوقف قليلاً لإعادة التذكير بالنقاط المركزة التي أشار إليها الرئيس السيسى فى افتتاح المؤتمر الاقتصادى، كونها شارحة للوضع الاقتصادي والاجتماعي الذي مرت به مصر على مدار العقود الماضية.
 
الرئيس السيسى قال:
 
- كان واضحا أن عمق الأزمة التي تعاني منها الدولة في العصر الحديث يتطلب إجراءات واضحة وحاسمة للتعامل معها، لكن مجابهة التحديات كانت دائماً تصطدم بمحاذير الحفاظ على استقرار الدولة الهش، بدلاً من اتخاذ الإجراءات الحاسمة التي تتسم بالخطورة النسبية.
 
- محصلة الضغوط الداخلية والخارجية كانت دائماً تتطلب دعما شعبيا لم يكن الرأي العام مستعداً لتقبله في ظل حالة العوز التي يعيش فيها.
 
- حجم الثقة في قدرة الدولة على إيجاد مسار ناجع للحل وسط الخيارات الصعبة المذكورة يستدعي عملاً شاقاً ومستمراً، وهو ما لم يكن متوافراً في ظل جهود الإسلام السياسي من تشكيك وتشويه، علماً بأنه لم يكن لديهم مشروعاً حقيقياً لإعادة بناء الدولة، فضلاً عن غياب الرؤية من جانب الكثير بحجم التحديات المطلوب مواجهتها.
 
- الجهاز الإداري للدولة لم يكن مستعداً بالكفاءة اللازمة لتنفيذ خطط الإصلاح المطلوب، بل بدا واضحاً أن الإصلاح يجب أن يشمل هذا الجهاز ويعالج ترهله. 
 
- الضغط وردود الأفعال الشعبية لتحمل تكلفة الإصلاح كانت دائماً تشكل هاجساً ضخماً وعنيفاً لدى صناع القرار والأجهزة الأمنية.
 
- رصيد القيادة السياسية والحكومة لم يكن بالقوة اللازمة ليشكل قاعدة لانطلاق خارطة طريق صعبة ومريرة تحتاج لسنوات عمل شاقة وطويلة.
 
- قدرات الدولة المصرية لم تكن أبداً كافية لتلقي ضربات هائلة مثل الصراعات والحروب التي مرت بها، والتي كانت بلا شك أرضية لتفريغ والقضاء على هذه القدرات، وهو ما انعكس بالسلب على تفاقم التحديات.
 
- عانت مصر على مدار عقود من غياب الوعي والفهم لدى النخبة المسئولة لتشخيص ما نحن فيه، وكذا إدراك متطلبات العبور للفجوة التي تعاني منها البلاد.
 
- تكلفة الإصلاح كانت تزداد يوماً بعد يوم، وأصبح تعاظم الأزمات وتشابكها يمثل حالة إحباط لدى الاغلبية، مع تصدير الطرح بأنه ليس في الإمكان أحسن مما كان.
 
- لم تستطع الدولة بناء سياق فكري إصلاحي للوضع، كما لم تكن مؤسساتها عملية وقادرة على تنفيذه حتى لو تم طرحه والتأكد من سلامته.
 
- أخطر شئ هو قياس الرضا الشعبي وفقاً لما يتحصل عليه المواطن مباشرة، مع حرص الحاكم على تحقيق هذا الأمر حتى لو كان على حساب مستقبل الوطن وحاضره.
 
- جاءت أحداث 2011 و2013 لتقضي على ما تبقى من قدرات الدولة وتزيد من تحديات الأزمة وتفاقمها، وكادت أن تقضي تماماً على حاضر ومستقبل هذه الأمة.
 
- الحلول في ظل تلك المعطيات باتت مستحيلة، خاصةً مع تداخل الأولويات، لكن الله سلم وقدر ويسر أمراً آخر.
 
- الأشقاء والأصدقاء تولد لديهم انطباع أن الدولة المصرية غير قادرة على الوقوف مرة أخرى، وأن الدعم والمساعدة عبر السنوات شكل ثقافة للاعتماد عليها لحل الأزمات والمشكلات، وهو ما استدعى أهمية الالتفات للاعتماد على أنفسنا، خاصةً من خلال اتباع مسارات خلاقة لتجاوز محدودية القدرات، وعن طريق استراتيجية المحاور المتوازية.
 
السؤال الآن: هو مدى إدراكنا للحلول المتاحة ودرجة كفاءتها، وكذا مدى استعدادنا لتحمل التكلفة شعباً وحكومة وقيادة، ولقد أثبتت التجربة خلال السنوات السبع الماضية المفاجئة بأننا لم نقدر حقيقة المصريين الفعلية، فالشعب قبل التحدي والتضحية، والحكومة تبذل ما في وسعها، والقيادة السياسية مستعدة لاستنزاف رصيدها لدى الشعب من أجل العبور والنجاح، ونؤكد أن الدولة مستمرة في الطريق الذي بدأته من أجل إنجاح المسار الإصلاحي، وهو الطريق الذي يرتكز على العمل والعلم، ويتسع للجميع.
 
إلى هنا انتهت النقاط التي ذكرها الرئيس السيسى.
 
وفي تناول السياق التاريخى، قال الرئيس السيسى أن الأزمة العميقة التي عانت منها الدولة المصرية خلال الخمسين عاما الماضية تطلبت إجراءات حادة وقاسية وحلولا جذرية ومستمرة لعلاج كافة الاختلالات، وقال إن مجابهة التحديات ومحاصرة الضغوط كانت تستلزم حلولا حاسمة من الدولة وتفهما من الرأي العام لنتمكن من تمرير مسار الإصلاح.
 
وأكد الرئيس السيسي أن أي مسار اقتصادي وأية حلول تطرح لابد على متخذي القرار والمسؤولين عنها النظر إلى البيئة السياسية والاجتماعية والثقافية والفكرية وما إذا كانت ستساعده تمرير هذا المسار أم لا؟، وتساءل الرئيس السيسي: هل يساعدني المجتمع والرأي العام والسياسيون والمفكرون والمثقفون والبيئة الإعلامية والدينية على ذلك؟ لافتا إلى القرارات الصادرة عام 1977 والتي كانت كاشفة عن أن ردة الفعل بشأنها كانت أكبر من العائد منها الذي يمكن أن يتحقق كبداية طريق إصلاح، وتم التراجع عن الموقف، مشدداً في الوقت نفسه على أهمية أن يحكم المسار الاقتصادي أو أي مسار آخر عوامل متشابكة ومؤثرة على القرار الذي سوف يتم اتخاذه وهي فلسفة الحكم، والمسؤولية، وضرورة أن ينتبه القائم على مسؤولية الدولة والحفاظ عليها وعلى تقدمها ومستقبلها لكل خطوة قبل أن يخطوها.
 
وهذه النقطة التي أشار إليها الرئيس السيسى في غاية الأهمية، لإن القبول أو الرفض، والتجاوب مع أيهما كان هو المتحكم في صناعة القرار السياسى وتنفيذه، وهنا تظهر الإجابة على السؤال "لماذا تأخر الإصلاح كل هذه السنوات رغم أن التحديات كانت واضحة وماثلة أمام الجميع؟".
 
ربما يكون لدى صناع القرار وقتها بعض المبررات، أو ما وصفه الرئيس السيسى بقوله "إن مجابهة التحديات كانت تصطدم بمحاذير الحفاظ على الاستقرار الهش للدولة بدلا من التحرك في مسارات الحلول الحاسمة والتي تتسم بالخطورة"، مشيراً إلى أنه وقت إصدار قرار يتم "دراسة البيئة المصاحبة له، وهل الدولة والرأي العام صلب بقدر يمكنني من التحرك في هذا المسار أم لا؟"، لافتاً إلى أن "محصلة الضغوط الداخلية والخارجية كانت دائما تتطلب دعما شعبيا قويا ومستمرا، وتضحيات لم يكن الرأي العام مستعدا لتقديمها في ظل حالة الفقر والعوز التي يعيش فيها لسنوات طويلة".
 
لكن هنا تظهر قيمة "شجاعة القرار"، وهى الميزة التى تفرق بين قائد وأخر، فالمحاذير موجودة، لكن الجرأة هي المطلوبة خاصة إذا كان استمرار الوضع كما هو سيزيد الأزمات والمشاكل، بل ربما يؤدى في لحظة ليست ببعيدة إلى انهيار كامل للدولة.
 
شجاعة القرار أو الجرأة هي التي مكنت مصر من السير في مسار الإصلاح الاقتصادى، رغم كافة المحاذير، وهنا يظهر الفارق بين الماضى والحاضر.
 
وضرب الرئيس المثل بذلك وقال "في عام 2015 عندما رفعنا الدعم جزئيا عن الوقود، وقال الناس إنني أغامر بشعبيتي، وفي تقديري أنه كان لابد من استثمار الرصيد الموجود لدى الناس من أجل الإصلاح وعدم إهدار هذه الفرصة التي ربما لن تتكرر مرة أخرى لمن يتولى المسؤولية"، مؤكدا أن مواجهة الضغوط الداخلية والخارجية كان يستلزم وجود دعم شعبي وتقديم تضحيات لم يكن الرأي العام مستعدا لتقديمها.
 
وقال الرئيس السيسي إن ردود الأفعال الشعبية لتحمل تكلفة الاصلاح وضغوطها كانت دائما تشكل هاجسا ضخما وعميقا لدى صناع القرار وتقديرات الأجهزة الأمنية، وأضاف أنه "عند مناقشة مسار الإصلاح الاقتصادي في عام 2016، كان على الطاولة كل المعنيين من الأجهزة الأمنية والدولة تقريبا، وطرحنا أن نطلق عملية الإصلاح الاقتصادي وتغيير سعر الصرف"، مشيرا إلى أن من كانوا متواجدين سواء من الاقتصاد والمالية والرقابة الإدارية والداخلية والدفاع قالوا "لا"، وتابع الرئيس: "قلت لهم مسار الإصلاح الاقتصادي لو تأخر ستكون تكلفته أعلى، ولو تأخرنا في هذا القرار ستكون الصعوبات أكبر بكثير، والحمد لله لم نتأخر وكتب لنا الله التوفيق وتجنبنا الآثار السلبية لذلك".
 
ولأنه شجاع وجرئ فقد كان يملك القدرة على المواجهة حال الرفض الشعبى لهذا المسار، فقال الرئيس السيسى: "لو أن الشعب رفض هذا المسار واستقالت الحكومة كنت قد دعوت لانتخابات رئاسية مبكرة، وهنا شجاعة القرار أم فضيلة القرار، أنا أتصور الاثنين معا لأن القرار الذي تأخذه تحمي به أمة بأكملها وليس نفسك".
 
وقال الرئيس السيسي إن حديثه عن الرصيد الشعبي كان حشدا لمسار يمكن الاستفادة منه في بناء الدولة المصرية، مستشهدا بما حدث لإحدى الدول الأوروبية الكبرى عقب الحرب العالمية الثانية لشعبعها الذي تعرضت بلاده للدمار واستفاد الرئيس الذي تولى الحكم بعد ذلك كمسار فكري لبناء الدولة وتحمل تبعات البناء ونجح في تكوين بناء تراكمي في وجدان المجتمع واستفاد منه ليكون رصيد له لاستعادة الدولة وبنائها ونجاحها"، معتبرا أن فكرة استخدام هذا الرصيد كأداة لتحقيق أهداف يصعب تنفيذها حاليا.
 
وفى موضع أخر ضرب الرئيس السيسي مثالا عن حالة التردي في حديقة الحيوان في الجيزة والمنتزه بالإسكندرية والسلبيات الموجودة بهما وكيف نفكر في معالجة ذلك وردود الفعل تجاه هذا الأمر في ظل رغبة الدولة في التطوير، وقال "شوفوا حجم التردي والسلبيات في حديقة الحيوان.. وعندما نتحرك لتطويرها تلاقي الناس بتتكلم عن المساحات الخضراء والأسود الموجودة بها.. وعندما نتحرك لتطوير المنتزه يقول الناس اللي قاعدين فيه احنا بقالنا 25 سنة.. هذه هي البيئة التي نعيشها وكيف نفكر".
 
والحديث عن البيئة التي نعيشها، تحتاج لسرد سيأتى مجاله لاحقاً.
 
السياق الجغرافى، مهم أيضاً لفهم الحاضر، فكما قال الرئيس السيسى فإن "الواقع الموجود في العالم تأثيره سلبي جدا على الجميع، وبالتالي الشعوب تعاني والشعب المصري يعاني أيضا، وحالتنا لا تتحمل ضغط أكثر من ذلك".
 
الدكتور محمد العريان، الخبير الاقتصادي العالمي، في كلمة وجهها للمؤتمر الاقتصادى، تناول السياق الجغرافى، حيث شبه مصر بمنزل يوجد فى حى يعبر عن البيئة المحيطة به، لافتاً إلى أن الأحياء ذات أهمية وتأثير على المنزل ؛ فالحى الجيد يعزز من قيمة المنزل، فى الوقت الذى تفرض التحديات التى يواجهها الحى تحديات على المنزل، مشدداً "على أن واقعنا المؤلم قد فرض علينا العيش فى حى محفوف بالتحديات ألا وهو الاقتصاد العالمى والنظام المالى العالمي، وقد ولدت تلك التحديات من رحم الدول المتقدمة واقتصادات مجموعة السبع على وجه الخصوص"، مؤكدا أنه "كلما زاد عدم الاستقرار فى الدول المتقدمة، تفاقمت هشاشة الاقتصاد العالمي؛ مما يجعل الأمر أكثر تعقيدًا بالنسبة للدول الأخرى".
 
بالتأكيد فإن السياق الجغرافى والتاريخى مهم لفهم الواقع الملئ بالكثير من التحديات التي تأتى في مقدمتها أزمة الزيادة السكانية، وأيضا البناء الفكرى للدولة، وهى أمور قد يعتبرها البعض لا ترتبط بعملية التنمية، لكنها في صلب التنمية، وبدون فتح هذه الملفات سنكون مثل الذى يدفن رأسه في الرمال حتى لا يرى الحقيقة.
 
الرئيس السيسى قال أن المسار الفكري لبناء دولة موضوع يحتاج تضافر كافة الجهود بما فيه الفهم حتى تتقدم مصر للأمام، مشيراً هنا إلى مجموعة من النقاط الهامة، التي تساهم في بناء الدولة أو تؤدى إلى هدمها، وهى:
 
أولاً: زيادة الوعى، ومواجهة كل المحاولات التي كانت تضع الدولة في ذهن المواطن على إنها عدو له، حيث نبه  الرئيس إلى ضرورة عدم اتخاذ الدولة خصما في مواجهة التحديات التي تواجه المواطنين، وقال إن "المواطنون لم تكن لديهم قدرة على الاحتمال وما زالت تقدم تضحيات في ضوء حال الفقر والعوز التي تعيشها منذ سنوات ، لكني أتساءل : هل يوجد أب قال لأولاده لا تغضب مني أنا أنجبت أربعة أبناء ولا استطيع الإنفاق عليهم ، أم يقول أن الدولة لا تستطيع توفير النفقات لك؟ وهل يقول أنا كنت أحب كثرة الأبناء لذلك أنجبت، أم يقول "البلد مش نافعة قوم هدها" ؟.. واستطرد الرئيس" حتى الميديا ناقشت هذا الموضوع وأنهم يجعلون من الدولة خصما في مواجهة التحديات التي تقابلهم ولا أحد يقول أن قدرة الدولة المصرية ومواردها لا تستطيع أن تلبي ذلك".
 
ووجه الرئيس السيسي رسالة إلى المواطنين بقوله: "أوعى تخلي غضبك من سوء الأداء يتحول لعداوة مع الذين يقومون بذلك.. أكره الفقر ولكن لا تكره الفقير.. أنا لازم أعرف هو ليه كده وأساعده أنه لا يكون كذلك، ولا أكره سلوكيات الفقر وأكره الفقر نفسه واستهدف الفقر نفسه ونغيره مع بعض".
 
ثانياً: القضية السكانية، هي أحد العوامل الضاغطة على الدولة ومواردها، وهو ما يتطلب العمل على أكثر من اتجاه، الأول بالعمل قدر الإمكان على ضبط هذه الزيادة، لتكون مناسبة لإمكانيات وقدرات الدولة، وفى المقابل توسعة الرقعة المأهولة بالسكان، وتطبيق مقولة "الخروج من الوادى الضيق"، وهى المقولة التي عشنا نستمع لها لسنوات لكن دون خروج فعلى، إلى أن بدأت الدولة منذ 2014 بالتوسع العمرانى والسكنى، وزيادة الرقعة الزراعية.
 
الرئيس السيسى تناول هذه القضية بقوله أن الدراما المصرية تحدثت عن مشكلة الزيادة السكانية منذ عهد الرؤساء جمال عبدالناصر وأنور السادات وحسني مبارك، ولم يتم حلها رغم أنهم جميعا تحدثوا عنها، متسائلا: هل المؤسسات الإعلامية والدينية والتعليمية تضافرت جهودها لمواجهة هذا التحدي بوصفه عقبة في طريق الأمة أم لا، وأن فهمنا لهذا الموضوع لن يكون أبدا مسار إصلاح لهذه الدولة؟".
 
وفى ربطه بين الزيادة السكانية وتوسيع الرقعة السكانية، قال الرئيس السيسى أنه "لا توجد دولة تكون مساحتها مليون كيلو متر مربع وتعيش فقط على ما بين 60 - 70 ألف كيلو متر مربع فقط من إجمالي مساحتها"، مشددا على ضرورة زيادة تلك المساحة إلى 120 ألف كيلومتر مربع، وهذا ما يتطلب أن يكون البنية الأساسية التي تنفذ حاليا - والحديث هنا عن شبكة الطرق فقط - يواكب هذه الزيادة بما يعمل على خدمة حركة المجتمع وتحسينها، ليس فقط من أجل الاستثمار أو لسهولة تداول السلع، لكن لصالح المواطنين الذين كانوا يواجهون صعوبات أثناء الحركة على الطرق بمحافظات الجمهورية ،وهذا تحسن بشكل كبير، ونحن مستمرون في تنفيذ هذا المسار.
 
وارتباطاً بهذا التوجه، شدد الرئيس السيسي، على ضرورة بذل كافة الجهود والتضحيات من أجل توفير متطلبات 100 مليون نسمة، وقال "إن الفكرة ليست فكرة حالة العوز والفقر فقط وإنما احتياجات ومتطلبات 100 مليون نسمة"، مؤكداً أن الدولة اتخذت العديد من المسارات والمبادرات وطرح الأفكار لتجاوز مشكلة محدودية قدرات الدولة في مواجهة متطلبات المواطنين.
 
وقال الرئيس السيسي" إن الدولة ولدّت قدرة من المتاح لديها من أجل مواجهة حالة العوز والفقر الموجودة"، مؤكدا أن حجم الثقة في قدرة أجهزة الدولة على إيجاد مسار ناجح وسط خيارات صعبة تتطلب عملا شاقا ومستمرا لم يكن متوفرا في ظل جهود الإسلام السياسي المستمرة في التشكيك والتشويه وأحيانا التخريب، والذين لم يكن لديهم أي مشروع أو خارطة طريق حقيقية لإعادة بناء الدولة، فضلا عن غياب الرؤية من جانب الكثير من المثقفين والمفكرين والمهتمين بحجم التحديات المطلوب مجابهتها.
 
ثالثاً: البيروقراطية الإدارية وفى القلب منها الجهاز الإدارى للدولة بحاجة إلى إعادة تقييم، ليكون بالفعل قادراً على مجابهة التحديات والتعامل بحرفية شديدة مع الخطط التنموية للدولة، وهنا قال الرئيس السيسى إن الجهاز الإداري للدولة لم يكن مستعدا بالكفاءة لتنفيذ خطط الإصلاح المطلوب بل بدا واضحا أن الإصلاح يجب أن يشمل هذا الجهاز ويعالج ترهله، وقال "حين أقوم بعمل إصلاح في الدولة سأعتمد على مؤسساتها، وحين أقوم بإصلاح في التعليم سيكون من خلال المدرسين الموجودين"، وتساءل الرئيس: هل المؤسسات بكل تواضع وأدب كانت قادرة على تلبية مطالب تحديات ضخمة في مصر؟ وحين تراجع التعليم على مدار 30 أو 35 سنة فإن التساؤل هو: كيف سيكون منتج جودة التعليم؟ ومن سيتخرجون ؟ وكيف سيكون مستواهم؟".
 
وأكد الرئيس السيسي هنا على أهمية الحوكمة وإعادة هيكلة وتنظيم الجهاز الإداري في الدولة باعتباره الجهاز الذي سيقوم بعملية البناء والإصلاح.
هذه هي السياقات الجغرافية والتاريخية، وهنا وضعنا أيدينا على بعض من أزماتنا لإنها كثيرة، وليست وليدة اليوم، وإنما تراكمات، أقربها ما حدث في أعقاب 2011 ووصولاً إلى 2013، والتي كلفت الدولة خسائر وصلت إلى 470 مليار دولار على الأقل، لكن الحق أن الدولة منذ 2014 تعمل على طي صفحة الماضي، والبدء في بناء جمهورية جديدة.
 
وهنا أختم بما قاله الرئيس السيسى: "أنا لا اعتبر نفسي رئيسا لمصر، بل إنسان طُلب منه التدخل لحماية وطنه.. وأنا صادق في ذلك".
 
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق