هل هى كفر.. على جمعة يوضح الرأى الشرعى فى الاستغاثة بالأولياء والصالحين والأنبياء

الثلاثاء، 08 نوفمبر 2022 02:09 م
هل هى كفر.. على جمعة يوضح الرأى الشرعى فى الاستغاثة بالأولياء والصالحين والأنبياء
على جمعه
منال القاضي

أجاب الدكتور على جمعة، مفتى الجمهورية السابق، على سؤالا ورد إليه، يقول صاحبه: "يزعم بعض الناس أن الاستغاثة بالأنبياء والأولياء والصالحين الأموات أو الغائبين، كفر؛ فنرجو منكم الرد على هذا الزعم؟".
 
وقال الدكتور على جمعة: "تقرَّر بالأدلة النقلية والعقلية التي لا يوجد معها شك، أنَّ الاستغاثة بالأنبياء والأولياء والصالحين؛ حاضرين وغائبين؛ أحياءً ومنتقلين- مشروعة، وهذا ما عليه عمل الأمة سلفًا وخلفًا من غير نكير، وقد ورد عن الصحابة والتابعين والعلماء في هذا المقام ما لا يُحصر؛ وإنه لا شك في أن الإغاثة تُضاف إلى المستغاث به على جهة التسبّب والكسب لا على جهة الخلق والتأثير، فلا يدور بخلد مسلم أن يُصرف شيءٌ من العبادة لغير الله تعالى إلا على جهة السببية، كما تقرّر أيضًا أن دعوى أن ذلك شرك هو أعظم بدعة ظهرت في الأمة الإسلامية في الأعصر المتأخرة وهي من جنس بدع الخوارج التي يتوسل بها أصحابها إلى تكفير المسلمين والطعن في عقائدهم، على أن تكفير المسلم بذلك لا يستقيم عند العقلاء أصلًا فضلًا عن أن يدل عليه نقل أو شبهة نقل؛ لأنه يلزم من هذه الدعوى الباطلة تكفير السواد الأعظم من المسلمين سلفًا وخلفًا.
 
وتابع: دعوى أنَّ الاستغاثة بالأنبياء والأولياء والصالحين الأموات أو الغائبين شرك، هي دعوى باطلة؛ تردها الأدلة العقلية والنقلية، ويلزم منها تكفير السواد الأعظم من المسلمين سلفًا وخلفًا، والاستدلال عليها بالآيات الواردة في عبادة غير الله غير سديد؛ لأنه عينُ منهج الخوارج الذي يعمد فيه أصحابه للآيات التي وردت في تكفير المشركين بعبادتهم غير الله فينزلونها على المسلمين في توسلهم بالأنبياء والصالحين واستغاثتهم بهم.
 
مستشهدا بقول العلامة الشوكاني في رسالته "الدر النضيد في إخلاص كلمة التوحيد" (ص: 21، ط. دار ابن خزيمة): [ما يورده المانعون من التوسل إلى الله بالأنبياء والصلحاء من نحو قوله تعالى: ﴿مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللهِ زُلْفَى﴾ [الزمر: 3]، ونحو قوله تعالى: ﴿فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَدًا﴾ [الجن: 18]، ونحو قوله تعالى: ﴿لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ﴾ [الرعد: 14] ليس بوارد، بل هو من الاستدلال على محل النزاع بما هو أجنبي عنه؛ فإن قولهم: ﴿مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللهِ زُلْفَى﴾ مُصرِّحٌ بأنهم عبدوهم لذلك. والمتوسل بالعالم مثلًا لم يعبده، بل عَلِم أنه له مزية عند الله بحمله العلم، فتوسل به لذلك] اهـ.
 
واستغاثة المسلم أو طلبه المددَ من الأنبياء والأولياء والصالحين هو محمول على السببية لا على التأثير والخلق؛ حملًا لأقوال المسلمين وأفعالهم على السلامة على ما هو الأصل، والاستغاثة بالأنبياء والأولياء والصالحين؛ حاضرين وغائبين؛ أحياءً ومنتقلين مشروعة بالأدلة النقلية والعقلية وعمل الأمة سلفًا وخلفًا من غير نكير، فالاستغاثة هي طلب الغوث، والمغيث على الحقيقة هو الله، والاستغاثة بالأنبياء والصالحين هي في حقيقتها توسل إلى الله تعالى بالمستغاث به، وهي على ثلاثة أنواع كما قال الإمام التقي السبكي وغيره، فإما أن تكون بمعنى طلب الحاجة من الله تعالى بسؤاله بالمستغاث به، أو بجاهه، أو ببركته، أو تكون بمعنى طلب الدعاء من المستغاث به، أو تكون طلبًا للحاجة من المستغاث به على معنى أن يجعله الله سببًا في حصوله بدعائه.
 
وتابع: ولا شك أن مَن استغاث بغير الله على جهة العبادة باعتقاده أن غير الله خالق للغوث أو قادر عليه من دون الله فهو كافر، وهذا الاعتقاد لا يدور بخلد مسلم يستغيث برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أو بغيره من الأنبياء والأولياء، وإنما تضاف الإغاثة إلى المستغاث به على جهة التسبب والكسب لا على جهة الخلق والتأثير، وإضافة الفعل إلى المتسبِّب فيه صحيحة شرعًا وعقلًا وعرفًا، وقال الإمام المجتهد شيخ الشافعية في زمنه تقي الدين السبكي رحمه الله في "شفاء السقام في زيارة خير الأنام عليه الصلاة والسلام" (ص: 383-385، تحقيق: حسين شكري): [وليس المراد نسبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى الخلق والاستقلال بالأفعال، هذا لا يقصده مسلم، فصرفُ الكلام إليه ومنْعُهُ من باب التلبيسِ في الدين، والتشويشِ على عوام الموحدين، وإذْ قد تحررت هذه الأنواع والأحوال في الطلب من النبي صلى الله عليه وآله وسلم وظهر المعنى، فلا عليك في تسميته "توسلًا"، أو "تشفعًا"، أو "استغاثة"، أو "تَجَوُّهًا" -أي: توسلًا بالجاه-، أو "تَوَجُّهًا"؛ لأن المعنى في جميع ذلك سواء..
 
وأما الاستغاثة: فهي طلب الغوث، وتارة يطلب الغوث من خالقه وهو الله تعالى وحده؛ كقوله تعالى: ﴿إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ﴾ [الأنفال: 9]، وتارة يطلب ممَّن يصح إسناده إليه على سبيل الكسب، ومن هذا النوع الاستغاثة بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم، وفي هذين القسمين تعدّى الفعل تارة بنفسه، وتارة بحرف الجر، فيصح أن يقال: استغثتُ النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم، واسْتغثتُ بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم بمعنى واحد، وهو طلب الغوث منه بالدعاء ونحوه على النوعين السابقين في التوسل من غير فرق، وذلك في حياته وبعد موته، ويقول استغثت الله وأستغيث بالله بمعنى طلب خلق الغوث منه، فالله تعالى مُسْتَغَاثٌ فالغوث منه خَلْقًا وإيجادًا، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم مستغاثٌ والغوث منه تسببًا وكَسْبًا..
 
وقد تكون الاستغاثة بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم على وجه آخر، وهو أن يُقال استغثتُ الله بالنبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم كما تقول: سألت الله بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم، فيرجع إلى النوع الأول من أنواع التوسل، ويصح قبل وجوده وبعد وجوده، وقد يُحذفُ المفعول به ويقال استغثت بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم بهذا المعنى.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة