العرب أمة واحدة ولو كره الانعزاليون

السبت، 17 ديسمبر 2022 02:53 م
العرب أمة واحدة ولو كره الانعزاليون
حمدى عبد الرحيم

- المادة الأولى من الدستور المصري تقول إن الشعب المصري جزء من الأمة العربية يعمل على تكاملها ووحدتها
 
في أغسطس من العام 2007 سافرت بصحبة أخي الراحل الكريم حسام تمام إلى الرباط، لنتولى إدارة تحرير جريدة الجديد، طبعًا كنت محل تشنيع ديسكاوية مصر، لأنني أول ديسكاوي يطارده الديسك حتى جبال الأطلس وضفاف المحيط الأطلسي.
 
صادف يومي الأول يوم جمعة، وكانت الصلاة قد فاتتني، أدهشني يوم الجمعة المغربي، لأنه يوم عمل، كان الراحل الكريم حسام يعرف دقائق الحياة المغربية ، لأنه زار المغرب مرات ومرات وله فيها صداقات متينة، ولذا فقد تولى هو شئون القيادة، من تغيير  الدولارات التي كانت معنا إلى دارهم مغربية وصولًا إلى اختيار مطعم الغداء.
 
في المطعم عرفت أن طبق غداء الجمعة لا بد أن يكون الكسكسي.
 
إنه يناظر الفول عندنا، وجبة الشعب الأولى التي لا ينازعها منازع لا ينافسها منافس.
 
رطن حسام مع عامل المطعم بما لا أعرف فجاء بالطعام وقدمه لنا مصحوبًا بنظرات تنمر واضح ضدي، ضقت بنظرات العامل فقلت له: لا تنظر لي هكذا.
باغتني بأن أطلق ضحكة رنانة وهو يتمايل مقلدًا اللهجة المصرية: صعيدي من ذئاب الجبل، آه يا ماما.
 
ضحكنا جميعًا فقد عرفت أن حسام قد أحسن تقديمي للعامل!
 
بعد الغداء وفي طريقنا إلى الفندق كانت صدمتي الثانية، كان الراحل حسام يجلس بجوار السائق وكنت أجلس في المقعد الخلفي، ورأيت لافتة تقول: "أطيل الشعب".
 
من الواضح أن ملامح وجهي قد تبدلت مرات ومرات وأنا أحاول معرفة كيف سيطيل كاتب اللافتة الشعب.
 
ضحك حسام والسائق فقد شاهدا الحيرة ترتسم على وجهي، ثم قال حسام: "ليس هناك إطالة، الكلمة هي أوتيل يعني فندق لكن المغاربة يجعلون الواو والتاء  طاءً وينطقون الدال من مخرج الضاد وينطقون الذال من مخرج الدال، هل فهمت".
 
بعيدًا عن المؤسسات التي تعمل في يوم الجمعة والطاء  العجيبة لم أجد فارقًا بين الرباط والقاهرة، طبعًا الرباط هادئة وتنام في التاسعة مساءً.
حضرت أول صلاة جماعة فصاح المصلون: مصري؟
 
ما هذا كيف عرفوا، وأنا لم أفتح فمي بكلمة.
 
سألت الذي بجواري فقال: نحن مالكية، نسلم تسليمة واحدة، وأنت سلمت عن يمينك وعن شمالك، إذًا أنت  حنفي، والمصريون أحناف، هل فهمت.
 
ثم جاءت أيام التفتيش والبحث عن مصر لدي المغربي فسألت سياسيًا كبيرًا عن مصر فقال: التونسي لن يرضى بقيادة الجزائري والمغربي لن يرضى بقيادة الاثنين والسعودي لا يرضى بالكويتي، وهكذا لن يرضى أحد إلا بقيادة مصر، هل فهمت.
 
تعجبت من "هل فهمت" التي يرددها الجميع عقب الكلام، فعرفت أنها من لوازم الكلام وتعنى: هل أحسنتُ أنا المتحدث عرض وجهة نظري!
 
ثم جاء رمضان، وفي رمضان لا بد من الفول المدمس على السحور، ولكن أين الفول؟
 
لقد بحثت عنه حتى تورمت قدماي ولم يظهر له أثر، حتى دلني ابن حلال على محل يبيعه في سوق الأحد "طبعًا لا بد من أن تسقط الألف الثانية وتنطقها سوق الحد" وجدت المحل فرحبت البائعة قائلة: أهلًا بأبو تريكة.
 
قلت: أنا زملكاوي.
 
قالت: مرحبًا بحازم إمام!
 
ثم همست: هل جئت للزواج من مغربية؟
 
قلت: جئت لأعمل في جريدة فأنا صحفي.
 
صاحت: صحفي! هل تعرف ندى بسيوني؟
 
قلت: نعم هي ممثلة شهيرة.
 
قالت: هل تجلس معها؟
 
قلت: لا، فلست من صحفي الفن.
 
قالت: لا فول لك عندي، كان يجب أن تجاملني وتقول إنها صديقتك وإنها إنسانة رائعة.
 
قلت في سري: ما هذا الولع المغربي بكل ما هو مصري، من لاعبي الكرة حتى ندى بسيوني؟
 
ثم جاء الدور على الأمازيغ، وقد عرفتهم من صلاة العصر، في المسجد، فبعد كل عصر يجلسون في حلقات لقراءة جزء من القرآن بصوت مسموع، وهذه التلاوة لم تعد عادة ولا عبادة ، لقد أصبحت تعبيرًا عن هوية متجذرة، هم مسلمون مغاربة يعرفون للعرب قدرهم، ولا يشغبون عليهم، مع اعتزاز واضح بنسبهم وتقاليدهم التي مكنتهم من التصدي لموجات الغزو الأوربي، فهم الذين حفظوا اللسان العربي للمغرب كله، وهم الذين حفظوا القرآن في صدورهم ونقلوه إلى أولادهم وأحفادهم، وهم الذين قدموا مع العرب الشهداء في معارك التحرير من الاحتلال الأوربي.
 
ثم هم الذين يعرفون ما مصر وما دورها، ولم أسمع من واحد منهم كلمة تحط من شأن العرب أو مصر، مرة واحدة فقط كنا في ندوة لمناصرة فلسطين، فتحدث أحد العرب المغاربة عن أن فلسطين هي قضية العروبة الأولى، فتصدى له أمازيغي قائلًا: هل معنى هذا أن ننسحب من الندوة، فلسطين قضية كل حر شريف.
قال كلمته، فكنت أول المصفقين لها، لاحظ هو تصفيقي الحار، فجاءني بعد نهاية الندوة وهمس قائلًا: أنا لم أتجاوز.
 
قلت: بل أصبت الحقيقة.
 
قال: مكافأة على تصفيقك العربي، أدعوك لحضور حفل افتتاح أول محل عصير قصب في الرباط.
 
وبعدُ فقد لاحظت أن بعضهم يعيب على المصريين احتفالهم العظيم بالنجاح الذي حققه المنتخب المغربي في بطولة كأس العالم لكرة القدم، وهؤلاء عليهم احترام الدستور المصري الذي صوّت لصالحه أغلب الناخبين، فالمادة الأولى من الدستور المصري تقول نصًا: "الشعب المصري جزء من الأمة العربية يعمل على تكاملها ووحدتها، ومصر جزء من العالم الإسلامي، تنتمى الى القارة الإفريقية، وتعتز بامتدادها الآسيوي، وتسهم فى بناء الحضارة الإنسانية".
نحن أمة واحدة ولو كره الانعزاليون.
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق