يوسف أيوب يكتب: مصر في ظهر الأشقاء الأفارقة

السبت، 25 فبراير 2023 07:00 م
يوسف أيوب يكتب: مصر في ظهر الأشقاء الأفارقة

- التحركات المصرية تضمن توفير السلم والأمن للدول الأفريقية.. اتفاقية التجارة الحرة القارية تحقق الاختراق الاقتصادى

- ثقة الأفارقة في الرئيس السيسى تمنحه رئاسة «النيباد».. و5 أولويات لتوفير موارد تمويلية جديدة وغير تقليدية وحل أزمة الديون
 
من 13 إلى 15 ديسمبر الماضى، استضافت واشنطن القمة الأمريكية الأفريقية الثانية، التي شهدت تعهدات من إدارة بايدن لتصحيح مسار العلاقات مع القارة السمراء.
 
بعدها مباشرة خرج الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي وقال إن كييف ستعزز وجودها في إفريقيا "العام المقبل" من خلال فتح عشر سفارات جديدة وتعزيز علاقاتها التجارية مع دول القارة، وأكد: "نعمل على إصلاح علاقاتنا مع عشرات الدول الإفريقية. سنحتاج إلى تعزيز هذه (العلاقات) العام المقبل"، محدداً هدفه بافتتاح سفارات جديدة لبلاده في إفريقيا، وإنشاء مكاتب تمثيل تجاري في العديد من المراكز الرئيسية بالقارة.
 
وفى الأسبوع الأخير من ديسمبر الماضى كتبت صحيفة «هاندلسبلات» الاقتصادية البارزة في ألمانيا، وقالت إن الاقتصادات الأوروبية تعانى تحت وطأة آثار الحرب الروسية - الأوكرانية، ومنها الاقتصاد الألماني، الذي يسعى إلى حلول مستقبلية مستدامة، خصوصاً في مجال الطاقة. وتمثل قارة أفريقيا وجهة مميزة لبرلين لتحقيق تلك الأهداف، مشيرة إلى أن برلين تعتزم تطبيق استراتيجية جديدة تجاه أفريقيا، تركز على الاستثمارات في مجالات الطاقة والمواد الخام، خصوصاً المعادن النادرة، علاوة على خلق أسواق جديدة. وتحدد الاستراتيجية الصين وروسيا وتركيا كدول «منافسة» في القارة الأفريقية.
 
وقالت الصحيفة إن «برلين من خلال الاستراتيجية الجديدة، تحاول حماية نفسها من الأزمات العالمية من خلال تعزيز قوتها الناعمة، عبر سياسات مثل تسهيل تسديد البلدان الأفريقية ديونها من خلال توفير دعم لموازنات الدول، وكذلك جلب العمال الأفارقة المهرة إلى ألمانيا، عبر دعم خيارات الهجرة القانونية من البلدان الأفريقية إليها».
 
ومؤخراً، قام وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف بجولة أفريقية ركزها على تقديم الدعم للتصدي للجهاديين والمح الى مساهمة اكبر في إفريقيا التي تواجه على حد قوله "النهج الاستعماري الجديد" للغرب.
 
وهناك الكثير والكثير من التحركات الدولية التي تستهدف القارة السمراء باعتبارها محور الاهتمام الدولى، في ظل تأكيدات من خبراء بأن التنافس والزخم الدولي يمنحان أفريقيا هوامش للمناورة واختيارات متعددة لتدعيم اقتصادات دولها.
 
والأسبوع الماضى، عقدت القمة الأفريقية الـ36 بحضور الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش ورئيس المجلس الأوروبي شارل ميشيل، ووزراء أوربيين. وجاءت القمة في ظل ظروف إقليمية ودولية دقيقة تتطلب التعاون لمواجهة التحديات الأمنية القائمة، لا سيّما مع تزايد درجة تعقيدها بما يتطلب أساليب أكثر فاعلية للتعامل معها.
 
والشاهد أننا نتابع اليوم تغيرات دقيقة وحادة، يشهدها النظام العالمى في الوقت الراهن، استدعت معها كثير من التأثيرات خاصة في نمط العلاقات بين الدول، وهو ما يتطلب أداء دبلوماسي وسياسة خارجية تأخذ في حسبانها هذه التغيرات، لتكون لديها القدرة على التفاعل والانخراط بإيجابية لتقليص حجم التحديات الناجمة عن هذه المتغيرات، وإضعاف تأثيرها السلبي على الداخل.
 
وحينما نتحدث عن أفريقيا، لا يمكن مطلقاً اغفال الدور والتحركات المصرية، التي يقوم على ضمان توفير السلم والأمن لدول القارة، من خلال تضافر الجهود الإفريقية لاحتواء مواضع الصراع في القارة وإيجاد الحلول الدائمة لها؛ وضرورة اتساق تلك الحلول مع مبادئ العدالة والإنصاف وإعلاء مصلحة الشعوب بجانب أهمية أن يرتكن أطراف النزاعات لمبدأ الحلول الإفريقية للمشاكل الإفريقية والتنفيذ الأمين لتلك الحلول.
 
وتؤكد مصر في جميع المناسبات أن التوجه نحو إفريقيا هو بلا شك منظور ثابت ومستقر لسياسة مصر الخارجية في عهد الرئيس السيسي، حيث تسعى القاهرة دوما لتحقيق المزيد من التضامن الإفريقي وصولا إلى أهدافنا المشتركة.
 
والمتتبع للموضوعات محل النقاش في القمة الأفريقية الأخيرة، سيجد أن الرؤية المصرية كانت حاكمة في الكثير من التحركات، وهو ما أكده البيان الذى صدر الثلاثاء الماضى عن رئاسة الجمهورية عقب اجتماع الرئيس السيسي مع سامح شكري وزير الخارجية، حيث قال البيان إن "الرئيس اطلع خلال الاجتماع على أهم نتائج القمة الأخيرة للاتحاد الأفريقي، حيث شهدت نتائج القمة اتساقاً مع المواقف المصرية بشكل عام، خاصةً ما يتعلق بمقررات مجلس السلم والأمن الأفريقي وحالة السلم والأمن في أفريقيا، وارتباط ذلك بمستوى التنمية الاقتصادية في الأقاليم الجغرافية الخمس للقارة، فضلاً عن مقرر لجنة رؤساء الدول والحكومات الأفريقية المعنية بإصلاح وتوسيع مجلس الأمن، والذي أكد أهمية الحفاظ على الموقف الأفريقي الموحد في هذا الإطار، كما شاركت مصر في اجتماع لجنة رؤساء الدول والحكومات الأفارقة بشأن تغير المناخ CAHOSCC، الذي شهد اعتماد مقرر يشيد بنجاح مصر في استضافة القمة العالمية للمناخ COP27 بشرم الشيخ، والنتائج الإيجابية التي تم تحقيقها خلالها، وعلى رأسها إنشاء صندوق للخسائر والأضرار".
 
اتساق نتائج القمة وموضوعاتها مع المواقف المصرية، عبر عنه أيضاً عنه سامح شكرى الذى ترأس الوفد المصرى بالقمة، طارحاً خلال العديد من اللقاءات والكلمات التي القاها نيابة عن مصر في القمة، المحددات المصرية الوضحة للحفاظ على أمن واستقرار القارة السمراء، وأيضاً، استفادة أبناء القارة من الموارد والثروات التي تزخر بها أفريقيا، وتحويلها إلى مادة فاعلة في قضية التنمية التي تسيطر اليوم على العقل والذهن الأفريقي.
 
وقبل يومان من انطلاق القمة، تولى الرئيس السيسىى رئاسة الجنة التوجيهية لرؤساء دول وحكومات الوكالة الإنمائية للاتحاد الأفريقى "النيباد"، من الرئيس الرواندى "بول كاجامي"، بإجماع أعضاء اللجنة لدعم الترشح المصرى، ومن المقرر أن تمتد رئاسة مصر للجنة لمدة عامين.
 
ومصر هي إحدى الدول المؤسسة لمبادرة (نيباد)، التي تعد الذراع التنموي للاتحاد الإفريقي، وتضم اللجنة التوجيهية لرؤساء دول وحكومات النيباد في عضويتها 33 دولة.
 
وحدد الرئيس السيسى الأولويات الخمسة لرئاسة مصر لـ"نيباد" خلال الفترة من 2023 إلى 2025، منطلقاً من رؤية واضحة بأن الأزمة الاقتصادية الدولية الراهنة التى تقوض جهود التنمية في القارة الإفريقية تستلزم النظر في إيجاد موارد تمويلية جديدة وغير تقليدية وبذل الجهود مع شركاء القارة من أجل حل أزمة الديون المتراكمة، بما يمكن القارة من استعادة وتيرة التعافي الاقتصادي.
 
وجاءت الأولويات الخمسة وفق الأتى:
 
أولاً: تكثيف جهود حشد الموارد المالية في المجالات ذات الأولوية بالنسبة للقارة، ومن بينها تطوير البنية التحتية، بما يصب مباشرة في صالح تحقيق أهداف أجندة التنمية الإفريقية 2063، لاسيما من خلال حشد التمويل لقائمة المشروعات ذات الأولوية في مجال البنية التحتية، والتي تتضمن 69 مشروعاً خلال الفترة من 2021-2030، من بينها مشروع خط الربط الملاحي بين بحيرة فكتوريا والبحر المتوسط، وكذا طريق القاهرة كيب تاون، ضمن مشروعات أخرى ذات أهمية للدول الأفريقية.
 
ثانياً: التركيز على محور التحول الصناعي، والبناء على ما تم تحقيقه من نتائج، خلال القمة الأفريقية الاستثنائية حول التصنيع، وبما يضمن تطوير سلاسل القيمة المضافة القارية، التي أصبحت تمثل ضرورة قصوى، خاصة بعد تداعيات الأزمة الروسية الأوكرانية.
 
ثالثاً: الإسراع بتحقيق الآمال المستهدفة من اتفاقية التجارة الحرة القارية، وذلك بالانتهاء من المفاوضات على كافة بروتوكولاتها الإضافية، مع دعم الدول الإفريقية على تعظيم الاستفادة، مما ستتيحه الاتفاقية من فرص للاندماج في الاقتصاد العالمي، ومن زيادة فرص العمل، خاصة بين قطاعات الشباب والمرأة.
رابعاً: تأكيد أهمية مشاركة الدول الإفريقية لخبراتها في مجال البنية التحتية، إذ انخرطت مصر في تجربة تنموية رائدة في مجال البنية التحتية، على مدار الأعوام الثمانية الماضية.
 
خامساً: تكثيف التعاون والتنسيق مع الشركاء الدوليين، ومؤسسات التمويل الدولية، لسد الفجوة التمويلية في مشروعات التنمية المستدامة، وتخفيف أعباء الديون عن الدول الأكثر تضرراً، مع الاستفادة من المبادرات الجديدة التي يتم طرحها خلال قمم الشراكات التابعة للاتحاد الإفريقي.
 
ولا ننسى هنا أن الرئيس السيسى هو الذى دعا ودعم إطلاق اتفاقية التجارة الحرة القارية بين التجمعات الاقتصادية الثلاثة (الكوميسا، شرق إفريقيا، جنوب إفريقيا)، بشرم الشيخ عام 2015، كما تتولى مصر حالياً رئاسة تجمع الكوميسا.
 
وهنا يجب الإشارة إلى تقرير صدر مؤخراً عن البنك الدولي قال خلاله إن التجارة والاستثمار يعدان مُحرِّكين رئيسيين للنمو في الاقتصادات النامية، في ظل قدرتهما على انتشال مئات الملايين من الأفراد من براثن الفقر، مشيرا إلى أن اتفاقية التجارة الحرة القارية الإفريقية يمكن أن تحدث تغيُّرا جوهريا، وأن تكون نقطة تحوُّل للدول الإفريقية، مشيراً إلى أنه للمرة الأولى ستُنشئ الاتفاقية سوقًا واحدة على نطاق القارة تجمع 54 بلدًا وعدد سكانها مجتمعين 1.3 مليار نسمة وإجمالي ناتجها المحلي 3.4 تريليون دولار، وسوف تُقلِّص الاتفاقية الحواجز أمام التجارة والاستثمار، وتعزز من المنافسة، الأمر الذي سيزيد من جاذبية القارة السمراء للمستثمرين وسلاسل القيمة الإقليمية.
 
وأضاف التقرير أن الاتفاقية يُمكِن أن تحقق منافع اقتصادية واجتماعية كبيرة تتمثل في تسريع وتيرة النمو الاقتصادي وزيادة الدخول والحد من الفقر، وستساعد إفريقيا على تنويع أنشطتها الاقتصادية وتحويلها إلى التصنيع وتقليل اعتمادها على صادرات عدد صغير من السلع الأولية، مثل: النحاس والنفط والبن، وستكون النساء والعمال المهرة من بين أكبر المستفيدين وإن كان بدرجات متفاوتة بين البلدان، لافتاً إلى أن المرحلة الأولى للاتفاقية، والتي بدأ نفاذها في يناير 2021، ستساعد على إلغاء الرسوم الجمركية على 90% من السلع وتقليل الحواجز أمام التجارة في الخدمات، وسيؤدي هذا وحده إلى توسيع التجارة وقد يزيد الدخل الحقيقي بنسبة 7% بحلول عام 2035، ويُقلِّص عدد من يعيشون في فقر مدقع بمقدار 40 مليونًا إلى 277 مليونًا، وسيأتي قرابة ثلثي الزيادة المحتملة للدخول والبالغة 450 مليار دولار من منع حالات التأخير الطويلة على الحدود، وخفض تكاليف التجارة، ومن ثم تيسير انضمام منشآت الأعمال الإفريقية إلى سلاسل الإمداد الإقليمية والعالمية.
 
واللافت هنا أن التحركات المصرية تجاه القارة السمراء تأخذ في اعتبارها القضايا المهمة، مثل الأمن الغذائي وقضايا التنمية، فضلا عن أقرار السلام، وهو ما يجعل هذه التحركات تلقى ترحيبا كبيراً من جانب الاشقاء، الذين يرون أن مصر تهدف الصالح العام لجميع دول القارة وليس لمصر أو مجموعة جغرافية معينة.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق