حمدي عبد الرحيم يكتب: البحث عن الدكتور عادل سليمان (2-2)

منذ 1961 والدكتور عادل يحاول بلطف مع شيخه وأستاذه محمود شاكر لكي يجمع مقالاته في كتاب ولكن الشيخ يتهرب بلطف

 

حاولت في الأسبوع الماضي رسم جزء من صورة الأستاذ الدكتور عادل سليمان جمال، وفي أسبوعنا هذا أرسم جزءًا ولعل في الأيام متسع لمزيد من الرسم.

 

بعد أن قرأتُ جمهرة مقالات الشيخ الأستاذ محمود شاكر وعرفت حقيقة العمل الجليل الذي قام به الدكتور عادل لتظهر الجمهرة على الناس، سألت نفسي: لماذا وقع الشاب عادل في هوى الشيخ شاكر؟

 

ولد عادل في العام 1937 وولد شاكر في العام 1909 فانظر إلى تاريخ الميلادين!

 

في العام 1958 كان اللقاء الأول بين عادل وشاكر، وأيامها كان الأساتذة الأعلام كثر، وعلى رأسهم العقاد وطه حسين وشوقي ضيف وأمين الخولي و...

 

فلماذا اختار عادل شاكرًا ليكون شيخه وأستاذه ومعلمه؟.. ليس عندي إجابة إلا ما رواه الإمام البخاري عن أم المؤمنين السيدة عائشة قَالَتْ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "الأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ فَمَا تَعَارَفَ مِنْهَا ائْتَلَفَ وَمَا تَنَاكَرَ مِنْهَا اخْتَلَفَ". 

 

يقول الدكتور عادل في المقدمة التي كتبها للجمهرة: "قابلت الأستاذ شاكر رحمه الله أول مرة عام 1958وأنا بعد طالب في السنة الثالثة من دراستي الجامعية، وعلى فارق ما بيننا من السن والعلم فقد وجد شيئًا مني ينسرب في نفسه، وأنستُ أنا به كما أنس هو بالرافعي. ولزمت داره كل يوم تقريبًا منذ مطلع الشمس حتَّى منتصف الليل".

 

بعد تلك المقدمة يقول الدكتور عادل كلامًا مهمًا جدًا عن شاكر وأخلاقه وزواره وطبائع بيته، ثم نتقدم نحو بدء أمر جمهرة المقالات فيقول الدكتور عادل: "أدركتُ أن العزلة التي ارتضاها الأستاذ شاكر لنفسه منذ سنة 1953 قد حالت بين جيلنا وبين عِرْفان نضاله في سبيل أمته، وأن هذا الجهل سيزداد إيغالا في مطارح الزمن، وستنشأ أجيال بعدنا أشد منا عمىً، وأقبح جهلًا، وأَضْيَع لِذِكْرِه.

 

فاستجمعت شجاعتي ذات مساء في أواخر شهر إبريل سنة 1961، وقد آنست منه "انبساطا"، فقد كان يحدثني عن واقعة فَكِهَة حدثت في "دُكَّان الحاج سَعْد المجلِّد" رحمه الله عصر ذلك اليوم، وقلت: لي رجاء هو مِن حقِّ جيلي عليك، بل ومن حق الأجيال الآتية عليك أيضًا. ففي كل أوان، بل في كل يوم، ينشأ طالب علم لم يدرك زمنه ما كتبتَ في المجلات والصحف، وعسير عليه أن يلتمسه فيهما مع تباعد أزمانهما وندرة توافرهما في المكتبات. وسوف تُسْدِي إلى أُمَّتنا يدا لا تُنْسَى إذا جُمِعَت هذه المقالات في كتاب. فارتد إلى صمته فجأة، وتجهم وجهه شيئًا، ونحا ببصره إلى قِطْع من الليل جاثم من عن يمينه نحو رواق طويل تقوم رفوف الكتب على جانبيه، وأطال النظر في جوفه، ثم قال بهدوء، كهدوء البحر قبل العاصفة، في صوت يضطرب بعضه في بعض اضطراب الموج في تياره: "أنا لا أحب أن أعيد نَشْر شيء كتبته وقرأه الناس قبلُ في مجلة أو صحيفة".

 

منذ العام 1961 والدكتور عادل يحاول بلطف مع شيخه وأستاذه لكي يجمع مقالاته في كتاب ولكن الشيخ يتهرب بلطف، وعندما جاء صيف العام 1985 جدد الدكتور عادل عرضه على شيخه، وعند تلك اللقطة يقول عادل في مقدمته لجمهرة مقالات أستاذه: "فلم يبعد ولم يقارب، وقال "ربنا يسهِّل" وعلت وجهه ابتسامة خفيفة، ونظر إليَّ كالمتعجب من إصراري على مدى أربعة وعشرين عامًا. ومضت السنون ولم يأذن الله بالتسهيل. ولكني استبشرت خيرًا، فقد كنت أتحسس الأخبار من أخي الأصغر الدكتور فهر، وعلمت أن الأستاذ شاكر صوَّر بعض المقالات وكذلك فعل بأشعاره. ولكن حال الأَجَل دون تحقيق الأمل، فقد توفي رحمة الله عليه في 7/8/ 1997.

 

وفى صيف العام التالي فاتحت الأستاذ عبد الرحمن شاكر والسيدة أم فهر والدكتور فهر بعزمي على جمع مقالات الأستاذ شاكر وشعره أيضًا فوافقوا شاكرين ممتنِّين. وأعطاني الدكتور فهر كل ما وجده مما جمعه الأستاذ. وقد وجدت عنتًا شديدًا في قراءة المقالات التي نُشِرت في الصحف كالبلاغ والمقطَّم والدُّستور والأهرام، فقد طَوَى الأستاذ هذه المقالات نِصفَيْن نِصفيْن، فتَهَرَّأ مكانُ الطَّي وتآكلَ، فضاع ما يقرب من سَطْريْن بعَرْض المقال في كل صفحة، ولكنني خلال زيارتي لمكتبة الكونجرس الأمريكي بمدينة واشنطن استطعت أن أحصل على "ميكروفيش" فيه المقالات كاملة واضحة، فأقمت النصوص، والحمد لله".

 

وبعدُ فهذا قليل جدًا من كثير جدًا كتبه الدكتور عادل عن شيخه، ولكن تصريح الدكتور عادل عن زيارته لمكتبة الكونجرس، تلك الزيارة التي وفرت له كل مقالات شيخه كاملة واضحة، هذه الجملة وضعت المزيد من الملح على الجرح القديم.

 

فيوم كتب الدكتور محمد أبو الغار كتابه "الوباء الذي قتل 180 ألف مصري" يعني وباء الانفلونزا الأسبانية لم يجد وثائق الكارثة إلا في جامعة تكساس التي تمتلك وثائق الصحة العمومية للسنوات من 1914 حتى 1927 كاملة ومفصلة بدقة شديدة ومكتوبة باللغة الإنجليزية، لأن الأطباء والمسئولين في ذلك الوقت كانوا كلهم من الإنجليز.

 

قال الدكتور أبو الغار: وجدت عندهم أيضًا نسخة من التقرير العام للدكتور ويلسون الذي قدمه إلى لورد ملنر وزير المستعمرات البريطاني الذي حضر إلى مصر وأقام عدة أشهر للتحقيق في أسباب ثورة 1919، ومعرفة الأخطاء التي وقع فيها نظام الحكم البريطاني، والنسخة الأصلية من التقرير محفوظة في دار الوثائق البريطانية ومعظم الباحثين رجعوا إلى أجزاء منها، وقد تفضل دكتور روز بإرسال كل هذه الوثائق من مئات الصفحات إلىّ.

 

شكر الله للدكتور عادل جميل صنعه ورحم الله شيخه الأستاذ شاكر وأعاننا الله على إمتلاك وثائقنا وكنوزنا.